لعبة المد والجزر.. تحديات العلاقات الإسرائيلية الأوروبية فى عهد بينيت
فى ظل الحكومة الإسرائيلية السابقة كانت العلاقات بين تل أبيب والاتحاد الأوروبى متوترة فى كثير من الأحيان، مع تبنى حكومة بنيامين نتنياهو سياسات يمينية متطرفة، واتهام الأوروبيين باتباع سياسات معادية لإسرائيل، ما جعل كثيرًا من الدول الأوروبية تعول على تحسن العلاقات مع تولى الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فى يونيو الماضى.
ورغم الرغبة فى تحسن العلاقات، شهدت الأسابيع الأخيرة توترًا جديدًا بسبب الانتقادات الأوروبية لتحركات الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء نفتالى بينيت، فى عدة ملفات، أبرزها قرارات البناء الجديدة فى الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان، ما يعيد الأمور إلى المربع الأول.
وفى السطور التالية، تستعرض "الدستور" طبيعة العلاقات الإسرائيلية الأوروبية فى السنوات الأخيرة، والسياسات الإسرائيلية التى استدعت الانتقادات الأوروبية فى الأسابيع الماضية، والتحديات التى تواجه رغبة الطرفين فى تطوير العلاقات البينية.
احتجاجات غربية على السياسات فى القدس الشرقية والضفة والجولان وحصار المنظمات الفلسطينية
فى الأسبوع الأول من ديسمبر الماضى، وصل خمسة عشر سفيرًا أوروبيًا، بقيادة القائم بأعمال السفير البريطانى مارك باور، إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، واجتمعوا مع مديرة إدارة الشئون الأوروبية فى وزارة الخارجية أليزا بن نون، فى مبادرة احتجاج دبلوماسى ضد السياسات الإسرائيلية وهدم منازل الفلسطينيين، وقرار الحكومة الإسرائيلية إعلان ست منظمات غير حكومية فلسطينية كمنظمات إرهابية.
وقال مصدر دبلوماسى إسرائيلى إن الأوروبيين احتجوا على البناء المخطط له فى عدة مستوطنات بالقدس الشرقية، وعلى الوضع العام فى الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن "بن نون" أبلغت السفراء بأن سلسلة الشكاوى التى قدموها "تثير الاستياء".
وأضاف: "بالتوازى مع الدفء فى العلاقات، يُقدِم الأوروبيون أحيانًا على مواقف وادعاءات بطريقة لا نقبلها، ومن الصواب الرد عليها بوضوح وبشكل قاطع".
ويرى كثير من المحللين أن سنوات "نتنياهو" تركت بصماتها على الرأى العام الإسرائيلى، وبات كثير من الإسرائيليين يملكون ذات التوجهات حيال الاتحاد الأوروبى، رغم أن المفوضية الأوروبية تنأى بنفسها عن تهمة معاداة السامية وتحيى ذكرى الهولوكوست كل عام، وأصدرت، فى عام ٢٠٢١، برنامج عمل مفصلًا ضد معاداة السامية ودعم حياة الجالية اليهودية فى أوروبا. وبعد رحيل "نتنياهو"، وضعت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء نفتالى بينيت، ملف ترميم العلاقات مع الاتحاد الأوروبى ضمن أجندة سياستها الخارجية، وهو ما يلقى قبولًا داخل الاتحاد الأوروبى، الذى بدا أنه منفتح أيضًا على ذلك التوجه، حسب تقارير دولية.
وفى إحدى محاولات ترميم العلاقات، زارت وزيرة الخارجية السويدية آن ليندى إسرائيل، فى أكتوبر الماضى، وذلك بعد فترة توتر مع السويد امتدت منذ عام ٢٠١٤، حين أصبحت السويد واحدة من أوائل الدول الأوروبية التى تعترف بالدولة الفلسطينية، وهى الخطوة التى نددت بها حكومة "نتنياهو" حينها. كما شهدت الفترة الماضية إعادة إنشاء مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل، الذى لم ينعقد منذ عام ٢٠١٢، فى مؤشر آخر على ذوبان الجليد فى العلاقات الأوروبية الإسرائيلية.
وحول ذلك، قال نمرود جورين، رئيس المعهد الإسرائيلى للسياسات الخارجية الإقليمية، إن هناك ميولًا إيجابيًا للغاية، ويحاول كلا الجانبين التعبير عن هذا علانية، والاتحاد الأوروبى راضٍ عن حقيقة أن نتنياهو لم يعد رئيسًا للوزراء، وهناك رغبة أوروبية فى دعم الحكومة الجديدة.
فيما علّق توبى جرين، من قسم الدراسات السياسية فى جامعة بار إيلان، قائلًا: "هناك مصالح استراتيجية مشتركة متزايدة"، مشيرًا إلى أن تعزيز العلاقات بين قبرص واليونان- وكليهما من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى- وإسرائيل، فى السنوات الأخيرة يساعد أيضًا فى إصلاح العلاقة.
ولفت إلى أن هناك مجموعة من المصالح المشتركة بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل تشكل أساس العلاقات، رغم وجود عدد من النقاط الشائكة الدائمة، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبى وقّع، فى أوائل ديسمبر الماضى، اتفاقية تعاون مع إسرائيل للمشاركة فى البرنامج الإطارى الأوروبى للبحث والابتكار للأعوام ٢٠٢١- ٢٠٢٧.
رغبة مشتركة فى تحسين التعاون التجارى والتكنولوجى رغم استمرار الخلافات
بالنسبة لإسرائيل، يعتبر الاتحاد الأوروبى شريكًا تجاريًا رئيسيًا، حيث يذهب أكثر من ثلث صادراتها، قبل جائحة كورونا، إلى الدول أعضاء الاتحاد، فيما كان ما يقرب من نصف السياح الوافدين إلى إسرائيل من دول الاتحاد، مع حقيقة أن العلاقات التجارية والتعاون فى مختلف المجالات استمرا حتى فى ظل تراجع العلاقات الدبلوماسية.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبى، فإن إسرائيل تقدم العديد من الفرص، منها صناعة التكنولوجيا الفائقة، وتقديم المزيد من التقنيات للتعامل مع تغير المناخ والبيئة، وهى تقنيات تعتبر جذابة للغاية للاتحاد الأوروبى، الذى وضع لنفسه أهدافًا طموحة فى هذا الصدد.
ورغم وجود العديد من الأمثلة على التعاون الواعد بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل، إلا أن الأمور على الصعيد السياسى لم تشهد أى تقدم يذكر منذ تولى الحكومة الإسرائيلية الجديدة السلطة.
فى الماضى غير البعيد، توترت العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبى بسبب المواقف المختلفة تجاه الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، إذ لا تزال أوروبا ملتزمة بحل الدولتين.
والمعضلة التى تواجهها حكومة نفتالى بينيت حاليًا هى فى المطالب الأوروبية حيال الصراع مع الفلسطينيين، فيما تتخذ الحكومة الجديدة ذريعة بأنها تتكون من ائتلاف يضم طيفًا واسعًا من الأحزاب، وقد صرحت الحكومة بأنها لن تتخذ أى قرارات رئيسية فى الأمور الخلافية، مثل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، لكنها فى الوقت نفسه لن تتخذ أى مبادرات تشريعية وطنية مثيرة للجدل مثل التى اتخذتها الحكومة السابقة وانتقدها الاتحاد الأوروبى.
وضع كهذا ليس مريحًا بالنسبة للاتحاد الأوروبى، فالحكومة الإسرائيلية الجديدة تلقى باللوم على الآراء المتباينة بين أحزاب الائتلاف حول السياسة التى يجب اتباعها، وتولى اهتمامًا بالسياسات المحلية، وتتجنب اتخاذ قرارات مصيرية فى مسائل خلافية معقدة، حتى لا يتفكك الائتلاف، وتذهب إسرائيل لانتخابات جديدة.
ومنذ البداية، كان خط "بينيت" هو أن المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين ليست على قائمة أجندته فى الوقت الحاضر، وفى خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى سبتمبر الماضى، لم يذكر حتى الصراع مع الفلسطينيين، وادّعى أن الإسرائيليين لا يستيقظون فى الصباح وهم يفكرون فى الصراع.
ويبدو أن "بينيت" يلتزم مثل بعض أعضاء حزبه المتطرفين بأيديولوجية قومية، إذ يشعر بعضهم بأنهم ملزمون بالوعود التى قُطعت لناخبيهم لتعزيز سياسة الاستيطان، وهو ما يتعارض حقًا مع المطالب الأوروبية، ويعرضها للاصطدام فى أى وقت.
الوضع فى الضفة الغربية والقدس الشرقية آخذ فى التدهور، والتحركات الإسرائيلية لتوسيع البناء فى المستوطنات قائمة بالفعل، وبناء مستوطنتين جديدتين يثير حفيظة الاتحاد الأوروبى، وليس واضحًا حتى هذه اللحظة إذا ما كانت التحركات الإسرائيلية ستؤثر على العلاقات مع الاتحاد الأوروبى، لكن كما يبدو أنها ستقف حائلًا أمام تطويرها. وفى الوقت الذى تأتى فيه الانتقادات الأوروبية من قبل دول أوروبا الغربية، فإن العلاقات بين إسرائيل ودول أوروبا الشرقية وصلت إلى مفترق طرق فى أغسطس ٢٠٢١، مع نشوء الأزمة الدبلوماسية بين إسرائيل وبولندا، بسبب قانون يقيد مطالبات ضحايا الحكم النازى والشيوعى.
وبناء على ذلك، يشير الوضع الحالى إلى أن إسرائيل ستواصل ترميم علاقاتها مع حكومات أوروبا الشرقية، مع مساعٍ لترميم علاقاتها بدول الاتحاد الأوروبى، وهو تحدٍ كبير فى ظل تحركات الحكومة الإسرائيلية الحالية.