حراس الفضيلة الجدد
لا أعرف من أين أبدأ، أمام الظواهر الاجتماعية التي غيرت المجتمع المصري، بعد ظهور حراس الفضيلة الجدد في الشعب المصري، الذين يوجهون حركته نحو التشدد الديني، والتشدد في المظهر، هذا التشدد الذي أريقت بسببه دماء المصريين، وشهدت مصر أحلك الأوقات بسبب هذا التشدد القادم لنا من الشرق.
هذا الذي بدا يتحرر من قيود التشدد التي بدأت من التخلص من الإخوان المسلمين، ومع ذلك فقد بقيت أفكارهم عالقة في أذهان الكثير من الناس، بل وتبين لي أن أفكارهم ومعها أفكار السلفيين والوهابيين مازالت تعشش في عقول البعض، وخصوصًا الإدارة المصرية التي ينادي رئيسها بحماية الحرية الشخصية وتطوير الخطاب الديني، والتي ينص دستورها على ذلك في مادته الرابعة والخمسين، على أن الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس. وهذه المادة تحتاج إلى نصوص تشريعية، تضمن الحياة الكريمة للناس، والمعروف أن الحياة الخاصة لها حرمة وهي مصونة، لا يجوز المساس بها، سواء كانت مراسلات بريدية أو برقية أو إلكترونية، وكذلك المحادثات الهاتفية وغيرها من رسائل الاتصال، فكلها لها حرمة وسريتها مكفولة ولا يجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. الحياة الخاصة للمواطنين يجب حمايتها في استخدام وسائل الاتصال العامة بكل أشكالها، وكذلك الحال للمنازل التي لها حرمة، وفيما عدا حالات الخطر أو الاستغاثة لا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها، أو التنصت عليها، إلا بأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض منه. وهذه الأمور تحددها النصوص التشريعية، وبالكيفية التي تراها، لأن الحياة الآمنة حق لكل إنسان وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها.
أقول هذا بمناسبة واقعة رقصت فيها معلمة في رحلة نظمتها نقابة المعلمين، التي تنتمي إليها المعلمة وفي باخرة نيلية، أمام زملائها، فكان أن قام أحدهم بتصويرها، وبث الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الفور قامت المديرية التي تتبع لها المدرسة بتحويلها مع زملائها الذين رقوا معها للنيابة الإدارية. ولا أعلم اختصاص النيابة في مساءلة موظف عن حياته الشخصية. والغريب أن نقابة المعلمين اتخذت إجراءات عقابية مع اللجنة التي نظمت الرحلة، وكأنها أول رحلة تنظمها النقابة ويرقص فيها المعلمون والمعلمات.
عقب انتشار الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، قرر وكيل وزارة التربية والتعليم في محافظة الدقهلية، إحالة 5 معلمين بإدارة غرب المنصورة التعليمية للنيابة الإدارية، بعد التحقيق معهم في الشئون القانونية بالمديرية لقيامهم بالمشاركة في وصلة رقص على مركب نيلية أثناء مشاركتهم في رحلة نظمتها نقابة المعلمين بغرب المنصورة، وتقرر إلغاء عمل المعلمة كمتطوعة بمدرسة خالد بن الوليد الابتدائية.
كما قام زوج السيدة بتطليقها. وبقي حارس الفضيلة الذي قام بتصويرها حرًا طليقًا يتفاخر بين أقرانه بأنه مارس النهي عن المنكر، وخرب بيت سيدة، بل ومن المحتمل حرمانها من وظيفتها، وتسبب في إهانتها وأخجلها أمام المجتمع .
لقد شاهدنا شباب الجماعات وهم يرقصون أثناء رحلاتهم. ومع ذلك لم يؤاخذهم أحد.
كما أن كل النقابات المهنية تنظم لأعضائها رحلات لمناطق أثرية وسياحية ويقومون فيها بالرقص والغناء، وبل وتستعين الجامعات بمطربين ومطربات لإحياء الحفلات بها.
والغريب أن نزعة التشدد الشعبية، ظهرت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت أكثر رقابة وحراسة للفضيلة المصرية.
فقد قام أحد المتلصصين بتصوير سيدة أوكرانية في شقة منزلها وبث الفيديو مما أهاج البعض، وتقدم أحد حراس الفضيلة ببلاغ للنيابة العامة التي أقرت أنها لا تعلم أن خروجها بهذه الطريقة جرم يعاقب عليه القانون.
وأثارت هذه الواقعة جدلًا كبيرًا في الشارع المصري، واستدعت تحركًا برلمانيًا طالب بعض أعضاء البرلمان بمعاقبة المصور المتلصص بدلًا من معاقبة سائحة تجهل قوانين البلاد..
مع أن القانون المصري يعاقب الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في أماكن خاصة وعقوبتها الحبس 3 سنوات، والثانية الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة إلكترونيًا، وعقوبتها الحبس 3 سنوات أيضًا".
والغريب أن الدولة التي تعاقب المدرسة التي رقصت تسمح في مهرجاناتها السينمائية والفنية بسجادة حمراء يسير فيها فناناتنا شبه عاريات وسط تصفيق الجمهور لهم. وتذاع تفاصيل تلك المهرجانات في معظم القنوات الفضائية، ولم يتحرك أحد.