الجمال المضاد لسمير غريب
بعد أقل من ستة أشهر من صدور كتابه الوثيقة «معارك العمران» الذى أرخ فيه لتجربته مع جهاز التنسيق الحضارى، يصدر الناقد الكبير والصديق سمير غريب كتابه الممتع «الجمال المضاد- تأملات فى نقد الفن والعمارة» عن الهيئة العامة للكتاب.
وقبل الحديث عنه أود أن أنبه إلى خطورة غياب نقاد متخصصين فى الفن التشكيلى والعمارة والموسيقى وغيرها من الفنون، وتقصير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة فى حق المواطن الذى يحتاج إلى من يرشده إلى مواطن الجمال فى هذه الفنون، فى الوقت الذى تشهد فيه مصر حركة تشكيلية ومعمارية مبهرة، بالإضافة إلى تراث عظيم أنجزه أساتذة عظام لأكثر من قرن من الزمن يحتاج من يفتش عنه ويعيد اكتشافه لكى يعرف الناس أن معركة الحداثة ومواجهة القبح وضيق الأفق لم تكن فقط معركة المفكرين والسياسيين، ولكنها كانت معركة الفنانين الذين لا يقل معظمهم عن أعظم فنانى العالم، معظم ما يكتب هو عبارة عن متابعات صحفية عن معارض أو كتب قليلة للغاية، كتاب «الجمال المضاد» يتحدث فى البداية عن أهمية النقد الفنى، وتكوين الناقد، الشاعر الفرنسى شارل بودليرقال «لكى يكون النقد عادلًا ومبررًا يجب أن يكون متحيزًا وعاطفيًا وسياسيًا، أى مكتوبًا من وجهة نظر حصرية، لكنها تفتح أوسع الآفاق»، وكتب الدكتور فؤاد زكريا لمقدمة كتاب جيروم ستولينتز: «البحث الفلسفى والجمالى لمشكلات الفن له قيمته، لا من حيث هو تحليل فكرى فحسب، بل لأنه يزيد من استمتاعنا بالموضوعات الفنية، ويوسع فهمنا لها، ويفتح أمام الناقد والمتذوق آفاقًا جديدة يطل منها على ميدان الفن»، يتحدث غريب عن فن العمارة ونقاده، وهو يرى أنه ليس شرطًا أن يكون ناقد العمارة مهندسًا معماريًا، والأفضل ألا يكون، لأن إبداع الناقد فى نظرته وكتابته، وليس فى تصميمه ورسمه، وأن الفضل أن يتفرغ الناقد للنقد وليس للإبداع، لأن النقد إبداع بشكل آخر، والناقد المعمارى يحتاج أكثر من غيره دراسة تاريخ الفن وأسس التصميم والرسم المعمارى وأشياء كثيرة أخرى، لأن العمارة أم الفنون، تحوى داخلها فنونًا شتى، بينها النحت والرسم والتصوير، لأن النقاد يحملون على عاتقهم مكافحة انتشار القيم الثقافية الهابطة، هو يرى ونحن معه أن نقد الفن فى العالم العربى يعانى من قلة المتخصصين، ويعانى نقد العمارة أكثر، لأنه لا توجد دراسات علمية منتشرة لنقد العمارة رغم كثرة كليات ومعاهد العمارة، هو يرى أن السبب هو تأخر الثقافة العربية فى دخول مجالى نقد الفن والتأريخ له، ثم يبدأ الكاتب تأملاته فى سيرة بعض الفنانين الكبار، منهم من هو مشهور ومنهم من نتعرف على منجزهم من خلال الكتاب، تشعر بأنك أمام شخصيات أسطورية، وليسوا فقط فنانين، مثل آمى نمر اللبنانية المتمصرة «١٨٩٨- ١٩٦٢» ابنة الدكتور فارس نمر « ١٨٥٦- ١٩٥١» مؤسس مجلة المقتطف فى بيروت والقاهرة وجريدة المقطم فى القاهرة وجريدة السودان فى الخرطوم، وهو رجل صاحب سيرة غنية يحتاج التوقف عندها فى سياق آخر، آمى هى أول رسامة عربية وشرقية رسمت صورًا عارية للجسد الإنسانى، وصورت المرأة بشكل حسى وعبرت عن آلامها، وأول عربية تدرس الفن فى أوروبا وتعرض لوحاتها فى قاعات أوروبية وتقتنى أعمالها متحاف أوروبية، وهى رغم تحررها وموهبتها الكبيرة ومكانتها الاجتماعية واستقرار حياتها الزوجية، لم تسلم من دراما الحياة وفقدان الابن، الكتاب رغم تناوله الفن وأهله، إلا أنه يرسم صورة لزمن ومعارك وطموحات شخصيات لها ثقل كبير، مثل الشاعر والرسام أحمد مرسى، متعه الله بالصحة والعافية، وهو على مشارف التسعين، وسمير رافع وكمال يوسف وصبحى جرجس وأشرف رسلان ومحمود بقشيش ويسرى القويضى ومنى حاطوم، خلاف تأملاته فى ما ينتجه الغرب، الكتاب غنى ومن الصعب اختزال محتواه فى مقال، وفى النهاية لفت نظرى وهو يحتفى بالكتالوج العظيم الذى عمل على إصداره حسام رشوان وفاليرى ديديه عن أعمال الفنان العظيم محمود سعيد، صحة البلاغ الذى تقدم به ياسر عمر أمين إلى النائب العام حول اختفاء لوحة «قبرص بعد العاصفة» لمحمود سعيد من متحف الفن المصرى الحديث، هذه اللوحة تمت إعارتها إلى معرض فى أوروجواى، وعادت إلى مقر وفد مصر فى الأمم المتحدة سنة ١٩٦٠، توقف خط سير اللوحة بعد ذلك، وظهرت فى القاهرة فى يناير ٢٠١٣، ثم اختفت.. لتظهر ضمن مقتنيات متحف قطر!.