جابر عصفور.. رحيل «أستاذ التنوير والإبداع»
تشكل تجربة الدكتور جابر عصفور، الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم الجمعة، نموذجًا فريدًا في الحديث عن المشروع الثقافي الذي نهض به على مستويات متعددة، سواء أستاذًا جامعيًا، أو باحثًا مرموقًا، أو مسئولًا عن مجلة فصول وغيرها، أو مسئولًا في المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة أو في وزارة الثقافة، وفي كل هذه المواقع وغيرها كان فاعلًا حقيقيًا في إنتاج حركة ثقافية عربية تنتصر للحداثة والتنوير والتجديد.
وأسهم «عصفور» من خلال منجزه النقدي، في تطوير الدراسات النقدية وإضفاء الحيوية والإبداع عليها، فى دأب واجتهاد وإخلاص، وخاصة فى تكييف النظريات الحداثية المعاصرة ذات المرجعيات الغربية لتصبح قادرة على إنارة الأعمال السردية الروائية والقصصية والشعرية المصرية والعربية فى اقتدار.
واتسم النتاج النقدي لـ"عصفور" بالتنوع والإبداع في دراسة التراث النقدي العربي، ومتابعة مستجدات النقد المعاصر، والسعي إلى استثمارها بروح الاستيعاب والنقد والتساؤل على نحو أثرى الحركة النقدية العربية بالعديد من الإضافات المهمة وبخاصة في مجال نقد النقد.
كما أسهم الراحل، وعلى مدى 6 عقود، في إغناء المكتبة العربية بتأليفات رئيسية وترجمات وتحرير، وكلها تصب في النقد والتحليل والتنوير والدفاع عن القضايا الاستراتيجية للفكر، وجميعها تنطلق من رؤية منهجية وبُعد ثقافي واعٍ، نال عنها جوائز عربية كثيرة.
وتكمن مساهمته الفعالة في النشاط الثقافي العام، في عضوية عدد من الجمعيات والمجالس والروابط، وكذا في لجان التحكيم لجوائز قومية ذات مستوى عالٍ وشهرة عالمية، كما فاز منذ منتصف الثمانينيات بعدد من الجوائز العلمية والأوسمة في دول عربية مختلفة (مصر، الكويت، تونس، لبنان، الشارقة، المغرب) على مؤلفاته النقدية والثقافية، في تعزيز دور الثقافة العربية وتقوية الجسور بينها وبين مختلف مكوناتها وبين الثقافات العالمية، ما أسام في تحقيق أشكال متقدمة من حوار الثقافات، كما عمل باستمرار على التجديد في أسئلتنا الثقافية المرتبطة بالهوية العربية بوصفها جزءًا من الهوية الإنسانية المبنية على قيم نبيلة وخالدة، مثلما كان ومازال مساهمًا في بناء الشخصية الثقافية العربية داخل العالم العربي وخارجه.
وتعتبر مؤلفاته، منظومة واحدة تتخذ من الفكر والأدب وجهيها البارزين، ولا تكتمل إلا بالعودة إلى التراث البلاغي والنقدي الذي بدأ به عصفور رحلته الأكاديمية، وكان دافعًا لانفتاحه على مفاهيم العقل الحديث من خلال ترجماته من قبيل "عصر البنيوية"، و"الماركسية والنقد الأدبي"، و"اتجاهات النقد المعاصر"، وكتابه المهم "قاطرة التقدم: الترجمة ومجتمع المعرفة"، ثم إنجازه الكبير في إنشاء المركز القومي للترجمة، بهذه الاعتبارات يمكن وصف جابر عصفور بالمثقف العضوي ، فهو لم يكتفِ بدوره ناقدًا أدبيًا كبيرًا، بل اشتبك مع قضايا عصره مواجهًا ما يعترض مسيرة تقدمه من "ثقافة التخلف"، و"التعصب"، و"الإرهاب"، ورافعًا راية الحداثة التي تؤمن بالتعدد والتنوع وحق الاختلاف وحرية الاعتقاد والتعبير.
جابر عصفور ولد في 25 مارس لعام 1944 في المحلة الكبرى، حصل على الليسانس من قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، يونيو 1965م، ليستكمل دراسته العليا بالحصول درجة الماجستير والدكتوراه، وعمل أستاذًا زائرًا بعدة جامعات عربية وأجنبية، بينها «جامعة استكهولم في السويد، وجامعة وسكونسن في ماديسون بالولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة».
ويعد من الأعضاء المؤسسين في المجلس القومي للمرأة، شغل منصب عضو لجنة الآداب والدراسات اللغوية بمكتبة الإسكندرية منذ تشكيلها مارس 2003، عمل مديرًا للمركز القومي للترجمة من 28/3/2007 إلى 30/1/2011، عيّن وزيرًا للثقافة في حكومة الفريق أحمد شفيق عام 2011 تحديدًا يوم 31 يناير لكنه استقال من وزارة الثقافة في 9 فبراير 2011 لأسباب صحية، ليعين مرة أخرى في يونيو 2014 حتى نهاية فبراير 2015.
وحصد العديد من الأوسمة والجوائز: «جائزة أفضل كتاب فى الدراسة النقدية، وزارة الثقافة - القاهرة 1984، جائزة أفضل كتاب في الدراسات الأدبية، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، 1985، جائزة أفضل كتاب فى الدراسات الإنسانية، معرض الكتاب الدولي، القاهرة 1995، الوسام الثقافي التونسي من رئيس جمهورية تونس، أكتوبر 1995.
كما حصد جائزة سلطان بن على العويس الثقافية، الدورة الخامسة 1996/1997 في حقل الدراسات الأدبية، وجائزة الإبداع العربي في مجال الآداب- مؤسسة الفكر العربى، 2007.جائزة اليونسكو للثقافة العربية- الشارقة للثقافة العربية- باريس 2008، الجائزة التقديرية فى مجال الأدب- جامعة القاهرة، 2007، جائزة التميز في مجال الإنسانيات- جامعة القاهرة 2008، جائزة الدولة التقديرية فى مجال الآداب- المجلس الأعلى للثقافة، 2009، وسام المكافأة الوطنية من درجة قائد من ملك المغرب، فبراير 2010».