محمد ندا: اتهام رواية الفنتازيا بالسطحية أمر عجيب.. وكتبت «هانا سيندا» لأنصف الإنسان
عن دار روافد للنشر، أصدر الكاتب محمد ندا روايته الأولى "هانا سيندا.. سيرة الملك غيرزان" وهي عمل فنتازي ملحمي يحكي حروبًا خيالية خاضها إنسان ما قبل التاريخ ضد كائنات أسطورية، أكثر منه قوة وسطوة وعددًا، لإحكام سيطرته على الأرض. وقد حققت الرواية رواجًا جيدًا بين القراء.
وعلى الرغم من صدور الرواية في منتصف 2021، إلا أن ندا يمارس فعل الكتابة منذ سنوات طويلة، وهو الأمر الذي يثير علامة استفهام حول تأخره في إصدار عمله الأدبي الأول طيلة تلك السنوات.
وإلى جانب الروايات، كتب المؤلف الشاب السيناريو، والقصة القصيرة، والمسرح، بخلاف عمله في الصحافة في مؤسسة الأهرم، ما يجعلنا أمام كاتب شامل.
"الدستور" التقت محمد ندا، وأجرت معه الحوار التالي
◄تكتب منذ زمن.. لماذا تأخرت في نشر كتابك الأول؟
دائما ما أحتاج إلى وقت للمراجعة ويستغرق هذا الأمر معي سنوات، فأنا أعيد كتابة أي عمل عدة مرات على فترات متباعدة حتى أصل إلى نقطة الرضا التى أسعى لها.
رواية هانا سيندا هي عملي الأول واحتجت إلى وقت آخر كبير لأجد دار نشر تؤمن بي وبعملي وتقوم بنشره دون مساومة.
◄ينظر البعض لروايات الفانتازيا باستخفاف وكأنها مجرد مغامرة شيقة خالية من العمق والمعنى.. كيف ترى ذلك؟
أكلشيهات المجتمع أمر أصبح متعارفا عليه، كما يقال عن رواية الرعب أو الأفلام التجارية؛ لذا أعتقد أنه يجب إعادة تعريف الأمور من جديد، بمعنى أن الكاتب، أي كاتب، لماذا يقوم بفعل الكتابة؟ هل لإرضاء نفسه أو لإشباع رغبته في تحقيق كتابة ما أو حتى لإرضاء القراء؟ لو ربما كل ما سبق وأي إجابة مما سبق لا تعيب الكاتب أو كتابته، فإذا كان الكاتب يقوم بكتابة الفانتازيا أو غيرها طالما أنه قام بالفعل الكتابي على النحو الصحيح وتلقى الجمهور العمل بشكل جيد فالمسألة منتهية.
أما بخصوص اتهام رواية الفانتازيا بأنها مغامرة خالية من العمق أو المعني، فهذا من عجائب القول، كيف تكون أي رحلة حتى لو كانت لمدينة ترفيهية أن تكون بلا معنى؟ إذ إن الترفيه نفسه رسالة يقوم بها الملايين في العالم.
ثم دعني أسأل السؤال لأحد أهم الأمثلة في عالم الفانتازيا وهو الأديب الإنجليزي الكبير تولكينز في رواياته الهوبيت وسيد الخواتم وأرض السليماريين كيف لأي شخص أن يلقى اتهاما لمثل هذه الأعمال بالخفة أو بفقدان المعنى؟
دائما ما أستشهد بجملة من رواية الهوبيت عندما سألت السيدة جلادريال الساحر جاندالف عن سبب استدعائه للقزم الصغير السيد بيلبو باغنز فابتسم لها الساحر العجوز وقال لها لا أعرف تحديدا سببا مقنعا لهذا، لكن صديقي الساحر الكبير سارومان يعتقد أن القوة الكبيرة فقط هى من تستطيع أن توقف الشر، ولكني لا أؤمن بهذا الأمر، بل إن أقل فعل صغير يقوم به أي انسان يجعل قوى الشر دائما تعود إلى جحورها لقرون كما كان يفعل بيلبو باغنز . لماذا الهوبيت؟ ربما لأنني أختبئ وأنا الساحر العليم خلف طيبته وقوة خيره .
دعني أيضا أنوه إلى أن مسألة النظر لرواية الفانتازيا بهكذا نظرة أمر في منتهى العبث وغير موضوعي ومبني بالأساس على الأقوال الرائجة لا أكثر، والتى تتجاهل أن القراء من البشر الذين تختلف ذائقتهم من شخص إلى آخر بل من الشخص إلى نفسه في بعض الأحيان تحت تأثيرات تغير العمر أو الوقوع في غرام عمل أدبي ما، فتخيل لو كانت المسألة معكوسة وأن راديكاليي الفانتازيا يتهمون ما يسمى بالأدب "الرسمي" بأنهم متزمتون أو عاديون أو أن أعمالهم مكررة، فهل يكون ذلك اتهاما حقيقيا؟ بالقطع لا. ربما يجب أن نترك الأمور إلى حالها فمن يريد أن يكتب أي شىء فليكتبه ومن يريد أن يقرأ أي شىء فليقرأه دون اتهام لأحد بالخفة أو بادعاء العمق فلا صواب أو خطأ هنا.
◄رواية "هانا سيندا".. تتناول كائنات فوق واقعية في أزمنة ما قبل التاريخ.. ما المعاني التي أردت توصيلها؟
منذ كنت صغيرا وأنا أرى الجميع يتهم البشر بالحُمق والسخف، وأنهم سبب بلاء كوكب الأرض وأننا قتلة بلا قلب، وهو أمر أستهجنته دائما فكيف لمخلوقات قامت بعمل حضارات كالتي قامت على مر التاريخ أن تكون على هذا القدر المدعى بالحماقة والسخف؟ ربما نعم أقمنا حروبا على مر نفس التاريخ ولكن الحيوانات تقوم بالفعل نفسه مثل حروب جومبي بين قرود الشامبانزى والتي استمرت لأربع سنوات بل إن أصغر المخلوقات مثل الفيروسات والبكتيريا تقوم بالفعل ذاته، وفيما يبدو أن الأمر متعلق بالحياة نفسها أو أنه من سنن الحياة، لكن هل تريد أن تقول لي إن مخلوقات اخترعت الموسيقى والفن والطب الحديث، وحتى القديم مخلوقات حمقاء؟ هل نقدر أن نقول بملء الفم إن مخلوقات بنت الأهرامات واخترعت الأرقام ودجنت الزراعة والحيوان وداوتها مخلوقات سخيفة؟
مخلوقات اخترعت فنًا مثل السينما مخلوقات جديرة بالاحترام، لذا فأنا أعتقد أنه ربما في لحظة من اللحظات سيجد البشر نقطة تلاق يتجاوزون بها اختلافاتهم العرقية والدينية والأيديولوجية ليتحدوا في نسيج واحد وقد اخترت في روايتي هذه النقطة عند مواجهتهم مخلوقات تفوقهم قوة وذكاءً وحكمة.
◄تكتب السيناريو ولك تجربة في المساهمة في سيناريو فيلم "الغسالة".. كيف كانت التجربة وكيف تم استقبال الفيلم وهل أنت راضٍ عن شكله النهائي؟
فيلم الغسالة ليس أول سيناريو لي سبقته كتابات أخرى لعمل درامي وآخرين سينمائيين، لكن الغسالة هو من رأى النور أولًا، وأرى أن التجربة لم تكن سيئة على الإطلاق فهو العمل الأول لي ولزميلي وصديقي عادل صليب الذي قام بجهد كبير جدًا لا يوصف لإنجاح هذا العمل كما أنه العمل الأول للمخرج الشاب عصام عبد الحميد، ولقد لاقى الفيلم استحسانًا لدى الجمهور لا بأس به.
بالطبع راضٍ عن التجربة نظرًا للظروف التي مر بها العمل لتوقف التصوير بسبب جائحة كورونا، كما أن الأمور مختلفة في عالم السينما عن عالم الأدب ففي الأخير أنت تكون سيد قرارك في عملك الكتابي أما في السينما فهناك عملية إنتاجية وفنية تعيد توجيه الكاتب أحيانًا لمقتضيات السوق لتوفر القدر الأدنى من النجاح للعمل.
◄هل سنرى لك قريبًا عملًا سينمائيًا أو دراميًا؟
في الحقيقة كنت أعمل على أكثر من عمل منذ فترة، لكن الظروف الإنتاجية لا تسير بشكل جيد بسبب كورونا فالجميع محجم عن المخاطرة الآن. ربما المسألة تحتاج إلى بعض الوقت.
◄أين أنت من كتابة القصة القصيرة؟
لدي بالفعل بعض التجارب في القصة القصيرة، ومنذ فترة هممت بعمل كامل وبدأت بالفعل فيه، لكني لست راضٍ عما تم حتى الآن، فأنا شخص لا يرضى بشكل سريع عن أعماله كما أخبرتك في البداية؛ لذا فإن مسألة كتابة القصة القصيرة ستحتاج مني جهدًا مضاعفًا لتخرج إلى النور بشكل مرضي.
◄كيف ترى المشهد الأدبي في مصر والعالم العربي؟
أنا لا أمتلك للأسف أرقامًا توضح عدد ما ينتجه العالم العربي من كتابات سنويًا ولكني أرى تزايدًا ملحوظًا في عدد الكتاب، وما يتم إنتاجه، بل وأرى أيضًا توسعًا في في منصات عرض الأعمال المكتوبة بشكل عام، سواءً كانت ورقية أو رقمية، ورغم ذلك هناك عدة أمور شائكة تحيط بالمشهد الأدبي في المنطقة، ربما يكون السبب فيها من يتصدرون المشهد ويستأثرون بصناعة القرار، فهم لا يواكبون العصر وحداثته وسرعته، صحيح أن بعض الأمور يتم حلها رويدًا رويدًا، لكنها تبقى محاولات فردية غير منظمة ولا تستطيع أن تلاحق ما يحدث في العالم.
◄لك تجارب قديمة في كتابة المسرح.. هل ستكتب نصوص مسرحية مرة أخرى؟
كانت تجربتان لا ثالث لهما، وكانتا منذ زمن طويل أعتقد أن الأولى حدثت عندما كنت لا أزال في الجامعة وأتذكر أن الاستاذ سمير العصفورى سلمني جائزة أفضل كاتب مسرحي شاب في مصر في ذلك العام والأخرى بعد التخرج مباشرة وشاركت في إخراجها أيضا، ولكني لم أجرب المسألة مرة أخرى. المسرح مرهق ورغم ذلك له متعة كبيرة جدا أثناء العمل، ربما أعود يوما للمسرح إذا وجدت الفرصة مواتية لذلك فهو صاحب الفضل علي ككاتب اليوم فقد بدأت معه ولكم أود أن انتهى معه.
◄ما هو عملك الأدبي التالى؟ أعطنا بعض التفاصيل
أعمل على التفاصيل الأخيرة لرواية "في بلاد التمني" وهى تنتمى لعالم الفانتازيا أيضا ولكنها لن تكون في حجم هاناسيندا في عدد الصفحات، سيراها البعض موجهة للأطفال، ولكن إذا نظرت إلى الأمر بروية عند قراءتها ستكتشف أن ما وراء عالم التمني ما هو عصر للبالغين الذين سرقت أعمارهم وأحلامهم خلسة دون أن يدركوا، وربما تكون هذه دعوة إلى التوقف قليلًا وإدراك ما ينسدل من بين أصابعنا أثناء العمل وترك أبنائنا وأهالينا في البيت دون عناية ودون الغرق في عالمهم الدافئ الملىء بالسحر والمغامرات .