عقيدة بينيت.. حل الدولتين على أجندة رئيس الحكومة الإسرائيلية
فى المحافل الدولية تجاهل نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلى، منذ توليه منصبه فى يونيو الماضى، ذكر القضية الفلسطينية، وكان هذا واضحًا فى خطابه الذى ألقاه فى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى دورتها السابقة.
ويعتقد المحللون أن هذا التجاهل من «بينيت» سببه استمرار معارضته الشديدة حل الدولتين، وهو أمر معروف عنه منذ دخوله عالم السياسة، لذا تحاول «الدستور» فى السطور التالية التعرف على رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلى لطبيعة الصراع مع الفلسطينيين، وآليات الحل من وجهة نظره، بالإضافة إلى رؤيته ورؤية حكومته لقضايا أساسية، على رأسها حل الدولتين.
يؤيد «الدولة الواحدة» والمستوطنات.. ويتجاهل الحديث عن القضية فى المحافل الدولية
طوال سنوات ترؤسه حزب «البيت اليهودى» ثم حزب «يمينا»، عُرف عن نفتالى بينيت انتقاده «حل الدولتين»، الذى يؤيد إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧، رافضًا ما يعتبره تنازلات جغرافية، كما يتماهى عقيديًا مع حل «الدولة الواحدة»، الذى يلقى رواجًا فى صفوف اليمين الإسرائيلى.
ووفقًا لذلك، فإن «بينيت» طيلة سنوات عمله بالسياسة كان يمتلك أجندة و«عقيدة» واضحة تعارض حل الدولتين بشكل مطلق، وتؤيد فكرة ضم الأراضى أحادى الجانب، ما يعنى عمليًا إقامة دولة واحدة ثنائية القومية، مع تشجيع الاستيطان فى الضفة الغربية والجولان المحتلتين.
ويؤيد عدد من أصدقاء «بينيت»، من بينهم الوزير السابق أورى آريئيلى، بشكل صريح حل «الدولة الواحدة» على الأراضى بين البحر والنهر، يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون.
وتواجه هذه الفكرة مخاوف كبيرة داخل إسرائيل، حيث يعارض كثيرون، ومنهم معظم نواب الكنيست، حل «الدولة الواحدة»، خوفًا من أن يحصل العرب على حقوق مساوية لليهود مع فقدان الأغلبية السكانية، والتهديد بانصهار اليهود وانتهاء دولتهم اليهودية بالشكل المعروف حاليًا.
ووفقًا لذلك، تختلف أيديولوجية «بينيت» نسبيًا عن سلفه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، الذى كان يعتمد سياسة «المراوحة فى نفس المكان»، أى تجنب اتخاذ أى قرارات تاريخية، والسماح للوقت بأن يفعل فعله مع تقليص الأضرار بقدر الإمكان، دون إطلاق أى تصريحات واضحة أو اتخاذ مواقف صريحة.
أما «بينيت» ففى المرات القليلة التى تحدث فيها بوضوح عن رأيه فى «حل الدولتين» قال، فى نهاية أكتوبر الماضى، إن حكومته تعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية.
وفى سبتمبر الماضى، أجرت طال شليف، المراسلة السياسية فى موقع «واللا» العبرى، حوارًا مع «بينيت» وسألته: «عندما تدخل إلى الغرفة لأول مرة مع رئيس الولايات المتحدة فى البيت الأبيض، ومع الرئيس المصرى فى شرم الشيخ، وكلاهما يقولان لك إنهما يؤيدان (حل الدولتين)، وأنت لستَ مؤيدًا لهذا الحل، كيف تجسر الهوة؟».
وأجاب «بينيت»: «أنا أعارض الدولة الفلسطينية وأعتقد أن إقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية كارثة، وهو أمر سيجلب الصواريخ والأنفاق إلى تل أبيب، ثمة خلاف، وهذا حسن، لكنى أقول الأمور كما هى، بمن فى ذلك للرئيس الأمريكى، ويُستقبل هذا بشكل جيد».
كما سألت المراسلة: «تقول إنه لن تكون هناك عملية سياسية ولا ضم للأراضى، ومن جهة أخرى يلتقى وزير الدفاع بينى جانتس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لأول مرة، ويطلق وزير الخارجية يائير لابيد خطة سياسية، فهل ثمة عملية سياسية؟».
وأجاب «بينيت»: «فى هذا الشأن أجتهد أيضًا للتصرّف على نحو سليم مع شركائى فى الحكومة، بينى جانتس ويائير لابيد، وبالتأكيد مع رجال اليسار»، مضيفًا: «ما يحدث هو تقدم فى المجالين التجارى والاقتصادى، الكل يعى أنه لا توجد عملية سياسية نحو دولة فلسطينية، هذا غير ذى صلة على الإطلاق، ولا يعنى هذا أنه لا يجب عمل شىء، بل على العكس، فثمة مجال يمكن التقدم فيه وتقليص حجم النزاع والاحتكاك، مفهومى هو تجارى واقتصادى».
وأكمل: «تصورى يختلف عن جانتس رغم أننا نعمل بانسجام، فأنا أعارض إقامة دولة فلسطينية.. وفيما يتعلق بالزيارة، فقد طلب جانتس ذلك لفترة طويلة، لأنه تولى مسئولية عملية التسوية فى غزة.. وهو ما جعلنى أوافق عليها».
كما أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى حواره مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن مهمة حكومته هى الحفاظ على أمن الإسرائيليين، مشيرًا إلى سعيه لتقويض أنشطة الفصائل فى قطاع غزة، ومعارضته إقامة دولة فلسطينية.
يتفاهم مع «اليمين» ويرفض لقاء أبومازن ويطمئن لموقف بايدن
رغم وجود أحزاب اليسار الإسرائيلى المؤيد لـ«حل الدولتين»، ضمن الائتلاف الحكومى فى إسرائيل، إلا أن حكومة «بينيت» تضم أيضًا عناصر فعالة من اليمين، وتعد أكثر يمينية، مما يعتقد كثيرون.
ووفقًا لذلك فإن كثيرًا من المحيطين بـ«بينيت» لا يرحبون بـ«حل الدولتين»، لكن خطواتهم تجاه «الدولة الواحدة» تبقى مقيدة فى ظل وجود قادة من اليسار فى الحكومة، ما يرجح احتمالية أن تستمر الأمور كما هى لفترة من الوقت.
وتضم حكومة «بينيت» أسماء يمينية، مثل وزير المالية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان المعروف بتصريحاته ضد «حل الدولتين»، والذى صرّح فى أكتوبر الماضى بأنه «لا يمكن التوصل إلى اتفاق وتسوية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس».
وانتقد «ليبرمان» لقاء وزير الجيش بينى جانتس بـ«أبومازن» فى رام الله، مضيفًا: «ليس سرًا أن وجهة نظر جانتس السياسية مختلفة تمامًا عن وجهة نظرى، لكن بشكل عام، ميزة هذه الحكومة هى أن الجميع يفهم أن هناك اختلافًا بين الأحزاب المكونة للائتلاف».
فيما أكدت وزيرة الداخلية، إيليت شاكيد «يمينية»، أن «بينيت» لن يلتقى «عباس»، وأنه لا توجد نية لعقد لقاء من هذا القبيل مستقبلًا.
وادعت «شاكيد»، فى خطاب ألقته خلال مؤتمر لمركز «هرتسليا» الإسرائيلى متعدد التخصصات، بالتزامن مع ذكرى مرور ٢٨ عامًا على توقيع اتفاقية «أوسلو»، أن رئيس السلطة الفلسطينية «يحوّل الأموال إلى الإرهابيين وهو ليس شريكًا».
وعن إمكانية لقاء الرئيس محمود عباس «أبومازن»، قال «بينيت» نفسه، فى تصريحات صحفية، إنه لا يرى فائدة من اللقاء لأن «أبومازن» يسعى لمحاكمة جنود الجيش الإسرائيلى أمام محكمة العدل الدولية ويتهم قادتهم بارتكاب جرائم حرب.
ويرى المراقبون أن تراجع «بينيت» عن موقفه لن يحدث إلا فى حال الضغط عليه من الولايات المتحدة، وهو ضغط ليس موجودًا فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن، كما أن معظم الرؤساء الأمريكيين لم يحاولوا أبدًا الضغط على إسرائيل، بل على العكس منحوها دعمًا غير مسبوق اقتصاديًا وعسكريًا.
لذا، فقبيل مغادرة «بينيت» إسرائيل للاجتماع مع «بايدن» فى واشنطن، فى أواخر أغسطس الماضى، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلى معارضته الشديدة للدولة الفلسطينية.
وفى الوقت الذى اعتبر فيه البعض أن ذلك جرأة من رئيس الوزراء الإسرائيلى أكد كثيرون أن حقيقة الأمر هى أن «بينيت» يعرف جيدًا أن «بايدن» لن يضغط عليه أو يحاول دفعه نحو «حل الدولتين»، رغم أن الرأى السائد فى الولايات المتحدة هو أن عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية يجب أن تؤدى إلى ذلك الحل.