عيد الشجرة «الميلاد» عند المصريين
عيد ميلاد يسوع المسيح هو العيد الأهم بعد عيد القيامة، واللى بيكون يوم ٢٥ ديسمبر حسب الكنايس الغربية، وبيكون ٧ يناير حسب الكنايس الشرقية، يعنى بفارق ١٣ يوم، والاحتفال ده بيسمى بالكريسماس، وارتبط برأس السنة الميلادية.
وخلينا نعرف إن كلمة كريسماس «Christmas» مكونة من مقطعين: المقطع الأول هو «christ» ومعناها «المخلِّص» وهو لقب للمسيح، والمقطع التانى «mas» وهو مشتق من كلمة مصرية قديمة معناها «ميلاد»، والتسمية دى جات بسبب التأثير الدينى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى القرون الأولى.
ومن بين أبرز مظاهر الاحتفال بالكريسماس «شجرة عيد الميلاد» داخل البيوت، واللى بتعبّر عن الفرحة والبهجة فى العيد ده، خصوصًا وقت تزيينها وحط الهدايا تحتها، والشجرة الخضرا دى بيتم إقامتها قبل العيد بأيام وبتفضل لغاية عيد الغطاس فى ١٩ يناير وبتعتبر رمز النور والحياة.
خلينا نعرف دلوقتى أصل وفصل شجرة الميلاد وإيه حكايتها بالظبط وجات منين وليه.
فى البداية، وحسب قايمة الأعياد اللى سجلها الملك «رعمسيس الثالث» على جدران معبده فى مدينة «هابو» واللى ما كانش معبد للطقوس الجنائزية بس، لكنه كان معبد للأعياد، واللى بتضم قايمته تفاصيل ٢٨٢ عيد عرفتها مصر القديمة، بلغ عدد أيام الأعياد دى حوالى ١٦٢ يوم، أى ما يعادل نص السنة تقريبًا، وكان فصل الفيضان «آخت» أكتر فصول السنة اللى بتقام فيها الاحتفالات والأعياد الشعبية والدينية، وده بيرجع لامتداد الفصل ده لحوالى ١٠٠ يوم، تخلو من الشغل تقريبًا لتوقف أعمال الزراعة بسبب الفيضان، وده اللى خلّى المصريين يستغلوا أوقات أجازاتهم دى فى إقامة الأعياد والاحتفالات، وكان فى مقدمتها أعياد راس السنة وعيد الميلاد أو عيد الشجرة.
كان عيد الميلاد، أو عيد «أوزير» وتمثيل آلامه وقيامته، من أعز ما يحتفل بيه المصريين، ومن أهم أعيادهم الدينية، واتسمى بعيد الميلاد نسبة إلى ميلاد «حور» من روح الإله «أوزير».
وكان بيتم الاحتفال بالعيد ده فى نص شهر كيهك «كا هى كا» يعنى «روح على روح»، وهو رابع شهور فصل «آخت»، يعنى الفيضان فى التقويم المصرى، وده بيوافق يوم ٢٤ أو ٢٥ ديسمبر- حسب السنة العادية أو الكبيسة- بالتقويم الميلادى الحالى، وكان ده بيمثل الأرض لما بتنحسر عنها ميّة الفيضان فتعود الخُضرة للأرض اللى بترمز لبعث الحياة.. واتعود المصريين القدماء على تهنئة بعضهم فى العيد ده بعبارة «سنة خضرا» وهى من التعبيرات العامية اللى عبرت الزمان، ولسه بتعيش فى لغتنا لغاية دلوقتى.
وأصل حكاية الشجرة جه من أسطورة الثالوث المقدس أو أسطورة الميلاد، وفيها بنشوف إن «أوزير» عاش ومات واتردت ليه الحياة مرة تانية فبقى شجرة خضرا، عشان كده المصريين القدماء كانوا بيرمزوا للحياة المتجددة بشجرة خضرا.. وكان من أهم تقاليد عيد الميلاد عندهم الاحتفال «بشجرة الحياة» اللى بيختاروها من الأشجار الدايمة الخضرة اللى بتحتفظ بنضارتها طول السنة، زى السرو والصنوبر، وكان بيتم اقتلاعها بجدورها من أماكنها وبعدين إعادة غرسها وزرعها وسط الميدان قدام معبد «أوزير» فى العاصمة المقدسة «أبيدوس» اللى كان بيتزحم بالستات والرجالة والشباب والعيال، منتظرين الهدايا والعطايا، وكان كتبة الملك بيتلقوا طلباتهم وأمنياتهم وبيسجلوها على الشقافات وعلى أوراق البردى وبيحطوها تحت أقدام «أوزير الشجرة» فيحقق ليهم كهنة المعبد اللى بيتمنوه.
وخلينا نعرف إن حكاية «الثالوث المقدس» نفسه اللى تمثلت فى «أوزير» و«إست» و«حور»، واللى بتعتبر تعبيرًا فلسفيًا عن العقيدة المصرية نفسها، اتنقلت هى وأعيادها وطقوسها وتقاليدها من مصر إلى كتير من الحضارات التانية، وكده فرض عيد الميلاد نفسه، وأخد معاه شجرة الحياة أو شجرة الكريسماس لكل أنحاء العالم.
وعن نشأة عيد الشجرة بيقول «جيمس هنرى برستد»، عالم الآثار والمؤرخ الأمريكى «١٨٦٥- ١٩٣٥» فى كتابه «فجر الضمير»: «عاد هذا الرب إلى الحياة مرة أخرى متقمصًا جسم شجرة خضراء، ولذا صار رمز رجوع الحياة التى تنبعث ثانية بعد الموت، شجرة خضراء، ونشأ عن ذلك الحادث عيد جميل يقام كل سنة تذكرة لتلك المناسبة، وذلك برفع شجرة مقتلعة وغرسها فى الأرض فى محفل عظيم، وكانت تُجمل فتُغطى بالأوراق، وتلك الشجرة هى التى انحدرت إلينا فى صورة العيد الذى لا نزال نقيمه ونزينه بالابتهاج والرقص».
من أقدم التقاليد اللى ظهرت مع الاحتفال بالعيد صناعة الكحك والفطاير، واللى كانت ملازمة لمختلف الأعياد، والمصريين أصلًا خلوا لكل عيد عندهم نوع خاص بيه من الفطاير والكحك، وكانت الفطاير مع بداية ظهورها فى الأعياد بتتزين بالنقوش والطلاسم والتعاويذ الدينية.
لكن فى الدولة الحديثة اتخذت الأعياد طابعًا دنيويًا، وخرج من بين الأعياد الدينية العديد منها لتتحول لأعياد شعبية ليها أفراحها ومباهجها ومعانيها ومنها عيد الميلاد أو عيد الشجرة.
من أكلات المصريين المفضلة فى عيد الميلاد «بط الصيد» و«الوز» اللى كانوا بيشووه فى حفلات مبهجة، وكمان الأسماك المجففة اللى كانوا بيعدوا منها أنواع خاصة للعيد ده، أما مشروباتهم المفضلة فى العيد فكانت «عصير العنب» أو «النبيذ».
وأخيرًا، من حوالى ٥٠٠٠ سنة، لما كان المصريين بيهنوا بعض ببداية السنة الجديدة، كانوا بيقولوا: «وبّ نفِرّ رِنّبِتّ» ومعناها «بداية سنة جميلة»، وكان المصريين بيصنعوا هدايا مخصوصة للمناسبة دى بيقدموها لبعض، وتم العثور على قدور حافظة ميه يعنى «زمزميات»، مكتوب عليها بالهيروغليفية: «نتمنى سنة جديدة سعيدة لمن يقتنيها».
بتمنى لكل المصريين «وبّ نفِرّ رِنّبِت»، وكل عيد شجرة ومصرنا طيبة وبخير وسنة خضرا علينا جميعًا.