في ذكراه.. «شامبليون» قدم لنا الأدب المصري القديم بجميع ألوانه
يحتوي حجر رشيد علي عبارة مكتوبة بثلاث لغات، الهيروغليفية وتحتها ترجمة بالديموطيقية ــ اللغة المصرية الدارجة ــ تحتها نرجمة باللغة اليونانية، وينسب الفضل إلي الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، الذي تحل اليوم الذكري الــ 231 لميلاده، فقد ولد في مثل هذا اليوم من عام 1790.
ظهر نبوغ شامبليون ــ الذي يحمل أحد شوارع وسط القاهرة اسمه ــ في دراسة تاريخ مصر القديمة، كان أول من وفق في كشف طلاسم تلك اللغة المندثرة، وكان أيضا أول من وضع لها أجرومية، ومنذ ذلك الحين، ازدادت معرفة العالم بتاريخ مصر القديم.
ويشير مؤلفا كتاب "أحداث شهيرة من التاريخ"، الصادر عن دار مدبولي للنشر والتوزيع، الكتاب وليام دي ويت وصمويل نيسون، إلي أن شامبليون عكف علي دراسة حجر رشيد عام 1820، وأكد صحة ما كان قد أثبته الطبيب "يونج"، من أن بعض الخراطيش المنقوشة تحتوي علي اسم بطليموس.
وسرعان ما أعلن شامبليون كشفه في سبتمبر 1822، في محاضرة ألقاها بأكاديمية الكتابات المنقوشة، أثبت فيها أسماء أكثر من سبعين حاكما من حكام مصر بدءا من الإسكندر الأكبر إلي أنطونيوس بيوس.
وواصل شامبليون كشوفه، فاهتدي إلي أسماء كثيرين من ملوك مصر القدامي، كما أنه كشف عن بعض قواعد اللغة المصرية.
الكتابة الصوتية في اللغة المصرية
قبل وفاته في مارس 1832، وهو في الثانية والأربعين من عمره، كان قد انتهي من تحقيق مئات من كلمات اللغة المصرية القديمة، وأثبت أن الهيروغليفية ليست كتابة رمزية بحتة، وإنما في معظمها كتابة صوتية تتكون من علامات مختلفة لكل منها قيمة صوتية محدودة.
وقد استخدم المصريون القدامي الهيروغليفية حوالي 3500 بدءا من 3100 قبل الميلاد، إلي نهاية القرن الثالث الميلادي، وقد وصل إلينا آخر نص هيروغليفي مورخ في عام 296 ميلادية في أيام حكم ديوكليتيان. ومنذ ذلك الحين، بدأ المصريون يدخلون حروف الأبجدية اليونانية مع بعض حروفهم، ونشأت اللغة القبطية.
ويشدد وليام دي ويت وصمويل نيسون علي أنه عكف كثير من علماء الآثار المصرية علي دراسة الهيروغليفية منهم السويدي "آكربلاد"، والفرنسي "دي ساسي"، والألماني "أرمان"، وأحمد كمال المصري، وغيرهم كثيرون. وعلي أكتاف هؤلاء نهض علم المصريات، ووضحت معالم الحضارة المصرية القديمة وتاريخها وآدابها وأحوال مجتمعها. وليس هناك بلد في العالم استطاع أن يهب العالم مثل تلك الألوان المتعددة من المعرفة كمصر وشعبها.
ففي تاريخ العلوم والفلك احتل قدماء المصريين مكانة بارزة لا مثيل لها بين الشعوب المعاصرة لهم. عرفوا قياس الزمن بواسطة الساعة المائية والمزاول الشمسية، وهم الذين قالوا إن النهار يستغرق 12 ساعة وإن الليل يستغرق مثلها، وكانت ساعات الليل تقاس بحركات النجوم بالنسبة لخط الزوال، وكانوا يقيسون موقعهم بواسطة آلة مبسطة تؤدي عمل التيودوليت. وكان لهم باع طويل في الطب وفروعه المختلفة، كشف عن ذلك ما جاء في أوراق البردي العديدة.
ويؤكد الكتاب: نحن لا نستطيع كتابة تاريخ تطور الطب في العالم دون الرجوع إلي ما أسهم به أطباء مصر القديمة الذين ألفوا في طب العيون والأسنان والأمراض الباطنية، كما أنهم كتبوا عدة بحوث عن علاج كثير من الأمراض بواسطة الأعشاب الطبيعية، بل ظهرت لهم بحوث هامة في الجراحة أثناء الدولة القديمة، وتنسب هذه البحوث إلي "إمحوتب" الطبيب المصري.
ولولا حجر رشيد، لما وقفنا علي ما وصل إليه الأدب المصري القديم في جميع ألوانه وصوره: الشعر، الملحمة، القصة، الأسطورة، الأغنية، فقد ثبت أنه كان للمصريين آدابهم القومية قبل 2000 سنة قبل الميلاد.