الحقيبة السوداء للتعليم
ماذا فى جعبة وزارة التربية والتعليم لأطفالنا حماة المستقبل وبناة الجيل الرابع والخامس؟
ليس هناك مخطط واضح ولا خريطة عمل تضع نصب أعينها تنمية عقول الصغار.. كنا نشكو قديما- وقديما هذا ليس بعيدا إلى حد كبير- من صعوبات تعلم من حيتان الدروس الخصوصية، وتعسف المدرسين، على الأقل كان هناك عملية تعليمية تتم إلا أن المدرسين كانوا كبش الفداء، حمّلناهم عبأ التخلى عن نزاهتهم رغم علمنا بأنهم مغلوبون على أمرهم، ولم يدفعهم لإهمال التعليم داخل الفصل وتفضيل الدروس الخصوصية بمبالغ كبيرة إلا ضيق ذات اليد والمرتبات الهزيلة التى لم تلتفت إليها الوزارة، وضيقت عليهم الخناق حتى شقوا سبيلهم بأنفسهم وبالطريقة التى وجدوها مرضية لأسرهم وتملأ جيوبهم ليتمكنوا من مواصلة العمل دون الاضطرار إلى عمل إضافى مهين.
وبالفعل هذا ما حدث لأحد مدرسي ابنى ممن أطلقوا عليه «حوت دروس»، حيث وقف فى فترة كورونا الأولى بمشنة خضار أمام مدرسته التى نصب بها وكيلا، أراد بوقفته هذه أن يعلن احتجاجه على الأوضاع، أن يضع حدا لمهانة المدرسين والجور عليهم، وفعل مثله مدرس آخر وآخر، ومنهم من شغل سيارته تاكسي وآخر عمل منظفا للحدائق ورش المبيدات وتنظيف الكلاب.. هذا يا سادة كان مصير شريحة من المعلمين، هذه النتائج بسبب تضييق الخناق، بسبب عشوائية التنظيم، بسبب تجاهل الإنسانية، والبحث الدائم عن كبش فداء، عن الأضعف الذى نلقى عليه كل اللوم وننهال عليه بالتهم.
دارت الدائرة وبعد مرور ثلاث مراحل «كورونا» ينقلب الوضع على الطفل نفسه، لم تعد يعنينا طفولة، ولا فى حسباننا تنمية أجيال أسوياء، وكأننا عمينا أعيننا عن رؤية المستقبل، من فقأ عينىّ وزارة التربية والتعليم؟ إذا كانت لم تر الطفل هو صاحب الحق الأول، هو الملك الذى لا بد من خدمته وتيسير كل العقبات من أجله، لماذا تصر على وضعه تحت مقصلة لم يقوَ على نزعها من رقبته ولم يدرك أصلا ما هى المقصلة؟.. أطفالنا الآن سجناء خوف الأهالى من عدوى الوباء، وسجناء مدارسهم ووزارتهم التى تنظر إليهم على أنهم مجرد صرة فلوس فقط ليسوا آدميين، ليسوا جيلا ولا أطفالًا، إنهم مأدبة غداء طويلة تكفى لملء كافة البطون، إذا كانت الوزارة فرضت غرامة غياب موحدة على كل طفل قدرها 40 ج، دون الاشتراط بعدد الأيام لكل طفل، المهم أن تدفع عن غيابك وغيب براحتك.. حتى الشهادات التى كانت معفاة من الغياب وأعمال السنة.. كم 40 جنيها تحصدها وزارة التربية والتعليم؟، وأى هدف وأى مغزى؟.. لو احترمتم عقولنا وقيل لنا مثلا إنها معونة لتجهيز المدارس لاستقبال الوباء، أو لبناء أكشاك طبية وماكينات تعقيم لدخول المدارس، أو حتى لشراء كحول وتوزيع كمامات مجانية، كان لا ضير فيها طالما للصالح العام.. وأبقتيتم أيضا على نظرتكم للطفل بأنه المخدوم الأول والأساسي.
الأمر ليس فى الأربعين جنيها، فهى ليست مبالغ يتذمر منها الأهالى، ولكن الأمر كله فى الهدف والمغزى والنظرة للطفل.. الغريب أن الأهالى لم يعودوا يتذمرون، فاض بهم الكيل، استعوضوا ربنا فى دماغ عيالهم.. من يذهب إلى المدرسة لكى يظل محافظا لدى طفله على هيبة الدراسة وضرورتها، لا يحصل على شيء سوى اللعب طوال اليوم، ومضيعة الوقت، فالمدرسون أغلبهم يوقّع فى دفتر الحضور ويختفى وراء أكل عيشه، والأطفال يلهون، والأهالي يمسكون قلوبهم بأيديهم كل يوم انتظارا لعدوى ابنهم الذى تضطره للذهاب للمدرسة لاستكمال ما يسمى العملية التعليمية.. يالسخرية القدر!
ناهيك عن جهل الأهالى فى منظومة التكنولوجيا التى تصر الوزارة على تطبيقها، فإذا كنت على جروب أحد مدارس أولادك سترى المهازل بين أولياء الأمور فى محاولة ملأ استمارة الطالب والبحث عن الكود وخطوات التسجيل، ناهيك عن وجود أمهات وأهالى لا يحملون الهواتف «السمارت» ولا يعلمون شيئا عن الإنترنت.. هل نظرت وزارة التعليم لهؤلاء؟
تجتهد الأم وتسأل بالمدرسة وعليها أن تدفع لمسئول الإنترنت كى تحصل على استمارة ابنها، ولا أدرى ما الداعى لكل هذا؟ وما الداعى لشراء دوسيه يحتوى على 20 ظرفا صغيرا تظل فارغة فى الدوسيه «أبو كبسونة» بلا داعٍ؟، المهم أن يكون الدوسيه محشوا بأوراق ومظاريف لا تستخدم، وكأننا نعانى من وفرة فى الأوراق نحاول التخلص منها.. هل تعتقدون أن هذا تطوير؟ ألا ينبغى أن يتم تدريب مجموعة من العاطلين الحاصلين على شهادات جامعية وتعيينهم فى إدارة تخزين معلومات أرشيفية وعمل سجلات للطلبة كما حدث فى منظومات المرور والشهر العقارى والسجل المدنى، وكلها تجارب مشرفة وناجحة أفخر بأنها تم تطبيقها فى بلدى لتريح المواطن وتسهل الأمور؟.. هذا لأن هناك مخططا واضحا، وأن المواطن غاية وليس هدفا طازجا تسعون لالتهامه.
ألتمس من سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فتح تلك الحقيبة السوداء للتعليم ويعيد النظر فيها بنفسه، فكلنا نراهن على إنسانيته وحبه لمصر وأبنائه.