أطفالنا هل نربيهم أم نفسدهم؟
الطفل في هذه الأيام متخم بالمعلومات التي لا يعرف كيف ومتى يستخدمها؟ أما الأهل فهم دائمًا على عجلة من أمرهم وأمامهم أشياء كثيرة وليس لديهم عادات روتينية ولا يستريحون أبدًا من الأبوة والأمومة؟، مشكلة الكثير من الآباء والأمهات أنهم يرمون التقاليد القديمة من أجل الجديد خوفًا من أن يتسببوا في صدمات لأبنائهم والنتيجة أن الولد المدلل الذي كان في الماضي استثناء أصبح اليوم هو القاعدة.
نحن نحتاج إلى إيجاد درب من الاحترام المتبادل بين الآباء والأمهات وأولادهم، كيف نرشد أبناءنا بمحبة وحزم؟ كيف نصحح أخطاءهم دون أن نجرح شخصياتهم؟ متى نقول لهم لا؟ هذه التساؤلات تجيب عليها د. "روزا باروسيو" من خلال كتابها "أطفالنا هل نربيهم أو نفسدهم؟ والذي تلقي من خلاله الضوء على أشكال التربية المختلفة وتوضح لنا مزايا وعيوب كل طريقة وأثرها في تربية الأبناء والتركيبة الأسرية:
أولًا: التربية المتسلطة
عاش عدد كبير منا في ظل تربية استبدادية فقد تربوا على قاعدة " افعل ما أقول، لأني أقول ذلك"، لقد كان الآباء والأمهات حازمين واثقين من أنفسهم لا يترددون أبدًا في اتخاذ القرارات ونادرًا ما أخذوا مشاعر الطفل أو ما يفضله بعين الاعتبار، في تلك الحقبة كان نظام التعليم ديكتاتوريًا، فالمهم أن يحصل الطفل على درجات عالية حتى وإن تعرض في سبيل ذلك للضرب والسخرية والإذلال.
في تلك العائلات كان الطفل يعرف الحدود ويعرف عواقب أفعاله إذا رفض أن يطيع الأوامر وكان الأهل يمارسون حقوقهم في توجيه أطفالهم دون الخوف من انتقادهم وهذا ما أعطاهم السيادة الحصرية على حياة أبنائهم.
غير أن التربية الاستبدادية لها أوجه إيجابية، فالتركيبة العائلية واضحة، الأوامر تصدر عن الأكبر سنًا الذي يحمل كل المسئولية على عاتقه وعلى الطفل الطاعة، وبهذه الطريقة يمكنه أن يكبر الطفل دون أن يقلق على القرارات التي ليس عليه اتخاذها، والفروق بين عالم الكبار وعالم الأطفال واضحة ومحددة ولا يسمح بأي انتهاك.. فكل من الطفل والأهل يعرفون أماكنهم جيدًا.
كان الأهل الذين يعتمدون الطريقة الاستبدادية يهتمون بالطفل ويعطون الأولوية لصالحه وسعادته منظمين يومه بأعمال روتينية كانت تعتبر مقدسة، كان يتناول فطوره وغداءه وعشاءه في أوقات ثابتة وكان وقت النوم جزءًا من الروتين اليومي، هذه الأعمال الروتينية كانت تعطي الطفل أمانًا عاطفيًا لأنه كان يعرف ما المطلوب منه فقط، ولم يكن مطلوبًا منه التأقلم والتكيف، وهما أمران يسببان الضغط النفسي، لم يكن على الطفل الصغير إلا اللعب.
كان الطفل حتى عمر المدرسة يقضي معظم وقته في المنزل ويتعلم كيف يساعد بأعمال في منزل عائلته الكبيرة، ونادرًا ما كان يخرج على عجله من أمره فليس هناك من كان يستعجله. وعندما يصبح في عمر المدرسة كان يقوم بواجباته المدرسية ولكن جزءًا من وقت فراغه كان ملكًا له ليستمتع به.
كانت الأمهات ينعمن بدعم نساء العائلة، الأم، الخالة، الجدة وكانت الغريزة تتيح لهن اتخاذ قرارات حازمة بدون تردد أو شك ولم تكن الأم تعتقد أن عليها تبرير قراراتها لابنها أو لأي شخص آخر، ولم تكن أيضًا تقارن نفسها بجيرانها أو تستشير طبيبًا نفسيًا أو مختصًا بالمشاكل الأسرية.
ثانيًا: التربية المتساهلة
الأمهات اللاتي عانين في طفولتهن من النظام الاستبدادي قد يلجؤون إلى التساهل المفرط مع أبنائهم خوفًا من أن يكرروا مع أبنائهم نفس الأخطاء التي أخطأها أهلهم في حقهم. وأحد مظاهر هذا الميل هو الرغبة في إلغاء الفرق بين الأطفال والمراهقين والراشدين والكهول.
عندما نعامل الطفل كراشد فنحن لا نلغي طفولته بل نشوهها ونقصر عمر الطفولة ونعبئها بالخوف والقلق. وعندما يفقد الطفل براءته بسبب ادخاله في عالم الكبار تضمحل روحه ويصبح قاسي القلب.
الأهل المتساهلون هم أهل يخافون من ارتكاب الأخطاء، يخافون أن يؤذوا أبناءهم، يخافون أن يكرههم أولادهم، يشعرون بالعجز عن مواجهة غضب أبنائهم وخيبة أملهم، يشعرون بعدم الثقة في قدرتهم على تربية أبنائهم، والنتيجة أنهم يقللون أو يتجنبون المشاكل إلى أقصى حد، يعهدون بالمسؤوليات إلى الآخرين، يحبون أن يظهروا عصريين.
يرافق الحب دومًا الخوف من الخسارة، وكلما عظم الحب عظم الخوف والسؤال هل أسمح للخوف بأن يستولي على حياتي وأن يلوث الحب؟ هل أدع حبي لأولادي يعقيني عندما أعرف أن على أن أقول (لا) لابني أو عندما يكون عليَّ وضع الحدود أو أن أقف بحزم؟
أمامنا خياران أما أن نتلقى من ابننا وابنتنا حبًا قائمًا على التلاعب وإما أن نتلقى حبًا قائمًا على الاحترام. الحب القائم على التلاعب مصدره الاتكالية والأنانية والشعور بالذنب والابتزاز أما الحب القائم على الاحترام فيأتي من المسئولية والاستقامة. فما هو الأفضل؟
الأولاد في ظل التربية المتساهلة يحصلون على كل شيء بسهولة ، لذا نجدهم أنانيين غير راضين، مزاجهم متقلب، قدرتهم على التحمل ضعيفة، يحبطون بسرعة، لا يتحملون أن يعترضهم شيء، يرغبون في القيام بكل شيء على طريقتهم دون مراعاة لمشاعر الآخرين، يغضبون ويتوقفون عن اللعب عندما لا يقوم الأولاد بما يريدون وينزعجون كثيرًا عندما يخسرون، يجدون صعوبة في المشاركة لأنهم يريدون دائمًا المزيد، والغريب أنه كلما حاول الأهل إسعاد قلوبهم وشراء أشياء لهم ازداد شعورهم بعدم السعادة، يعتمدون على الآخرين ليقوموا عنهم بكل شيء، يهتمون بالأشياء للحظات قليلة وسرعان ما يضجرون منها ويطلبون شيئًا آخر.
التربية المتساهلة ليست كلها عيوب، فمن الأمور الإيجابية للتربية المتساهلة أن الطفل يعتبر ذكيًا جدًا أو خارق الذكاء لكن هل الطفل حكيم؟ نعم في بعض الأحيان لكن هذا الطفل لم ينضج بعد، قد يكون الأولاد أذكياء جدًا بحيث يفاجئوننا بملاحظاتهم الذكية لكن ذلك لا يعني أنهم قادرون على إدارة حياتهم أو أنهم يملكون النضج المطلوب لاتخاذ القرارات.
ثالثًا : التربية الواعية
تحتاج إلى تدريب، تشجيع، ثقة، الأهل يظهرون الاحترام، يقبلون تحمل المسؤولية، يتخذون القرارات بضمير حي، هناك احترام متبادل، حازمون، يسمحون للطفل بالتعبير عن عواطفه ويقدمون له الإرشاد، يشيرون إلى عواقب الأمور، يساعدون أبناءهم على إيجاد الحلول، هم قدوة حسنة لأبنائهم.
ونظرًا لأن تربية الأولاد عملية معقدة والنية الطيبة لا تكفي لتجعلنا نرافقهم في عملية نموهم. قديمًا كان الأهل يملكون ثلاثة مصادر للدعم غير المشروط: المجتمع، الغريزة الأبوية وغريزة الأمومة والحس السليم ولكن بعد أن فقدنا هذه العناصر الداعمة نحن بحاجة الى تنمية ثلاثة عناصر هي:
المعرفة مع الفهم والإدراك: وتعني التغلغل في مراحل الطفولة والمراهقة من أجل أن نفهم بشكل كامل عملية النضج وتعني أن نعرف أن الطفل أولوياته واهتماماته وهمومه مختلفة عن أولوياتنا واهتماماتنا وهمومنا.
فحص الذات: أن نميز بين مصلحة الطفل ورغباتنا كأهل، علينا أن نراقب بصدق لماذا نتخذ بعض القرارات؟ عندما نتعود على تقييم أنفسنا، نتعلم التمييز بين حاجاتنا العاطفية وحاجات أولادنا العاطفية، ومتى ننسى أنهم الأولاد وأننا الأهل وأنهم لم يخلقوا من أجل إمتاعنا أو تعظيم صورتنا في أعين الآخرين ولا من أجل تحقيق أحلامنا بل من أجل ان نرشدهم ونوجههم محترمين بعمق شخصيتهم وقدرهم.
الشجاعة: لنتغلب على الخوف الذي يهددنا أو يشلنا، الشجاعة مطلوبة من أجل الاعتراف بعيوبنا ونقائصنا ومن أجل المخاطرة بارتكاب الأخطاء.
وهذه الأشياء الثلاثة هي جزء متمم لشخصية الأب أو الأم أو المعلم الذي يسعي إلى التوجيه عن وعي والذي يرغب في أن يصبح شخصًا أفضل من خلال علاقته مع أولاده وتلاميذه.