مواجهات مؤجلة.. تقدير استراتيجي للوضع الأمني الإسرائيلي في 2022
مع اقتراب العام ٢٠٢١ على الانتهاء، صدر التقييم السنوى للجيش الإسرائيلى ليرصد التقديرات الاستراتيجية لما كان فى العام الماضى، والمتوقع أن يكون فى العام الجديد، فى كل ساحات المواجهة المعتادة، التى وإن أصبحت أهدأ إلا أن فرص الاشتعال بها لا تزال قائمة.
ورصد التقييم، الصادر منذ أسابيع قليلة، ساحات الصراع مع إيران، والساحة الفلسطينية القابلة للانفجار فى قطاع غزة والضفة الغربية، وتقدُّم عمليات بناء القوة لـ«حزب الله» اللبنانى، وتداعيات انتهاء الحرب الأهلية السورية، وتمركُز قوات إيرانية وروسية فى سوريا، والسباق الإقليمى على موارد الطاقة والنفوذ فى الحوض الشرقى للبحر المتوسط، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية العميقة فى لبنان، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
تراجع احتمالات التصعيد على كل الجبهات.. وغموض الموقف مع إيران فى العام الجديد
وفقًا للتقييم السنوى للجيش الإسرائيلى، تشهد إسرائيل واقعًا أمنيًا مريحًا نسبيًا، لكن فى الوقت نفسه فإن تحديات الأمن القومى تتعاظم، فالأطراف التى تواجهها إسرائيل تركز على بناء القوة أكثر من استخدامها، وتمتنع عن التصعيد بسبب ثمنه الكبير وبسبب مشكلات داخلية صعبة، وهو ما يجعل ملخص الوضع أن التهديد الاستراتيجى لإسرائيل غير كبير لكنه مرهون بتعاظم وبناء القوة، وتحسن وضع الأمن القومى لإسرائيل فى العام الماضى، والسبب أن احتمال شن حرب استباقية ضد إسرائيل لا يزال ضئيلًا، بل أقل مما كان عليه فى العامين الماضيين، وكذلك احتمالات حدوث تصعيد مفاجئ وغير منتظر، التى كانت مرتفعة فى الأعوام الأخيرة، تراجعت إلى حد كبير.
وفى تقدير الجيش الإسرائيلى، فإن الوضع لا يزال حساسًا داخل قطاع غزة والضفة الغربية لكن بدرجة أقل مما كان، كما أن احتمال اشتعال مفاجئ للجبهات اللبنانية والسورية والعراقية، بسبب حوادث تؤدى إلى تصعيد، تراجع فى سنة ٢٠٢١ وسيبقى كذلك فى العام المقبل.
وتشير التقديرات إلى استمرار العمليات الإسرائيلية ضمن إطار «المعركة بين الحروب»، وهو وضع يشكل تهديدًا نسبيًا لإسرائيل حسب التقديرات الاستراتيجية التى نشرت خلال الأسابيع الماضية، التى دعت إلى ضرورة بناء القوة وتطوير عقيدة عمل ملائمة، بالإضافة إلى بلورة استراتيجية شاملة تحدد أهداف المعركة والطريقة التى يمكن بواسطتها تحقيق هذه الأهداف بصورة تضمن الأمن لفترة طويلة الأمد.
وثمة سبب للتفاؤل فى قيادة الجيش الإسرائيلى، وهو إقرار ميزانية الأمن، وبينها ميزانية الجيش، وهو ما يسمح بتسريع المشتريات والتسلح والتدريبات للنظاميين والاحتياطيين فى العامين المقبلين، وكذلك بتسريع خطة رئيس الأركان لإحداث ثورة نظرية وبنيوية فى الجيش.
وتعد الجبهة الشمالية لإسرائيل من أهم الجبهات التى رصد التقييم السنوى تراجع التهديدات فيها، وذلك وفقًا لمتغيرين، أولهما: كبح التمركز العسكرى الإيرانى فى سوريا، وفى الأساس بالقرب من الحدود مع إسرائيل، وتباطؤ تعاظم القوة العسكرية لـ«حزب الله» والميليشيات الموالية لإيران، وعرقلة التزود ببطاريات دفاع جوى من إنتاج إيران، التى كانت تهدد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلى فى المنطقة.
وثانيهما، تراجع التهديدات فى الساحة الشمالية بسبب رغبة القوات الموجودة فى سوريا فى إخماد الحرب الأهلية هناك، خاصة أن الرئيس السورى بشار الأسد والرئيس الروسى فلاديمير بوتين يهمهما ترسيخ الاستقرار السياسى وسيطرة النظام على أغلبية الأراضى السورية كى يصبح من الممكن البدء بإعادة إعمار سوريا. ويوجد فى المؤسسة الإسرائيلية مَن يعتقد أنه من أجل التخلص من الإيرانيين على الحدود يجب انتهاج خطوات غير مباشرة تساعد «الأسد» على نشر سيطرته على سوريا كلها، مع مساعدة واشنطن له على إعادة إعمار بلده، كى تصبح الولايات المتحدة مركز ثقل موازيًا للنفوذ الروسى.
وفيما يتعلق بالاتفاق النووى الإيرانى، ترى إسرائيل أنه لا يمكن التأثير فى سلوك الأمريكيين فى المسار الدبلوماسى مع إيران، خاصة أنهم مصرّون على إعادة إيران إلى الاتفاق النووى بواسطة الدبلوماسية، وهم يريدون إجراء هذه المحادثات بكل الطرق.
والسبب الإضافى لتراجع تهديدات الجبهة الشمالية هو الأزمات التى واجهها «حزب الله» والدولة اللبنانية، والتى من شأنها أن تقلل الرغبة فى خوض المواجهة مع إسرائيل، كما أن الجبهة البحرية يسودها الهدوء والاستقرار.
ويرى التقييم السنوى أن إيران وإسرائيل ربما وصلتا إلى وضع من الردع المتبادل، مع تركيز الإيرانيين على عمليات بحرية استفزازية ضد الأسطول الأمريكى الخامس فى الخليج العربى وفى خليج عُمان.
وأشار التقدير السنوى للجيش الإسرائيلى إلى غموض الموقف مع إيران فى عام ٢٠٢٢، فرغم أن إيران خففت فى الأشهر الأخيرة من وتيرة تخصيب المواد الانشطارية، فإنها راكمت كميات صغيرة من اليورانيوم المطلوب على درجة عالية التخصيب وإن لم تواصل التخصيب لدرجة تسمح بامتلاك السلاح النووى، كما أنه من غير المؤكد حتى الآن أن تتوصل القوى العظمى لاتفاق جديد مع إيران، خاصة أن المفاوضات حتى الآن لا تبشر بنتائج ملموسة.
هدوء على جبهة غزة.. استقرار فى الضفة.. وتوترات داخل المجتمع العربى
بعيدًا عن الجبهة الشمالية، ركز التقييم السنوى للجيش الإسرائيلى على ملفات الداخل والعلاقة مع الفلسطينيين، ففى جبهة غزة، وبعد عملية «حارس الأسوار» التى تمت فى مايو الماضى، جرى التوصل إلى استقرار فى مقابل تسهيلات اقتصادية، ما جعل الهدوء الذى يسود الآن أطول من الهدوء فى الجولات الماضية، وذلك بسبب التدخل المصرى، وتقديم إسرائيل تسهيلات اقتصادية بوتيرة سريعة.
ورغم ذلك، فهناك توترات تظهر بين وقت وآخر، خاصة أن إسرائيل لا تزال ترفض جزءًا من المطالب الاقتصادية لحركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى» الفلسطينيتين، كما أن مفاوضات صفقة تبادل الأسرى والمفقودين فى مقابل إطلاق المعتقلين لا تزال معلّقة.
وتكمن الخطورة فى جبهة غزة، وفقًا للتقييم، فى طلب الجيش الإسرائيلى من القيادة السياسية الإسرائيلية عدم السماح لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامى» بزيادة قوتهما العسكرية، وهو ما يعنى أن أى معلومات عن تحركات للحركتين نحو تطوير قواتهما قد تقابل بعمل عسكرى لإحباطها.
وفيما يخص الأوضاع فى الضفة الغربية، فيرى التقييم السنوى للجيش الإسرائيلى أن العام الماضى، وفى مقابل تغيُّر سلبى وتفاقُم التهديدات فى ساحة غزة، فقد تميز باستمرار الواقع الاستراتيجى المُعتاد فى الضفة، مع استمرار الصيغة التى سمحت لإسرائيل منذ أكثر من عقد باستقرار استراتيجى، أى المحافظة على الواقع المدنى وتحسينه كقاعدة لهدوء أمنى.
وفى الضفة الغربية، رجحت التقديرات أن تستمر السياسة الإسرائيلية التى تستهدف تحسين الحياة المدنية وتعزيز التعاون السياسى والأمنى مع السلطة الفلسطينية، لافتة إلى أن هذه الاستراتيجية وإن كان يمكنها منع تصعيد واسع فى الضفة الغربية إلا أنها لا تشكل بديلًا عن تسوية سياسية دائمة مع الفلسطينيين يكون أساسها حل الدولتين، خاصة أن عدم وجود تسوية سيؤدى بصورة لا مفر منها إلى واقع الدولة الواحدة، وهو ما يعد أكبر التهديدات التى يمكن أن تواجهها إسرائيل على الإطلاق، وفقًا للتقديرات. أما على الساحة الداخلية، فقد أظهر العام الأخير حدوث تغييرات دراماتيكية فى المجتمع العربى فى إسرائيل، ما أثر بشكل واضح على صعيد الأمن القومى الإسرائيلى.
وبرزت تلك التداعيات خلال المواجهة العسكرية، فى مايو الماضى، بين إسرائيل وقطاع غزة، التى كشفت عن احتكاك عنيف بين العرب واليهود فى إسرائيل، وتأثير غير مسبوق لسيناريوهات المعركة الفلسطينية وسط الجمهور العربى.
وإلى جانب ذلك، أظهر العام الماضى تفاقُم معدلات الجريمة والعنف فى المجتمع العربى، ما كشف عن قصور فى الإدارة الإسرائيلية، ما حوّل الأمر إلى تحدٍ استراتيجى من الدرجة الأولى، ما يحتاج لتطوير رد فعل ملائم خلال العام المقبل.