الرحالة الأجانب وطقوس الصوفية لهاني حمزة في «صحراء المماليك»
في كتابه "صحراء المماليك.. بوابة السماء الشرقية"، الصادر عن دار العين للنشر والتوزيع، يذهب دكتور هاني حمزة إلى أن الوظيفة الأكثر شيوعا بين جميع منشآت صحراء المماليك بعد وظيفة دفن الموتى بالطبع هي المنشآت الخاصة للأنشطة الصوفية.
وثائق الوقف تدعم هذا الاستنتاج وتذكر بالتفصيل الموارد المخصصة لاستمرار هذه الأنشطة الصوفية، علاوة علي ذلك، فإنه من المعتقد أن مسمي تربة «ضريح أو مقبرة»، والذي أطلقته المصادر على الأغلبية العظمي من منشآت الصحراء كان يحمل معنى واسعا في الفترة المملوكية، حيث أنه كان في كثير من الأحيان يعني ضمنا أية مؤسسة دينية بوجه عام أو خانقاه ملحقا بها ضريح أو قبة بوجه خاص.
في حالات كثيرة أطلقت المصادر مسمي تربة علي منشآت معروفة بأنها خانقاه أو أنها منشأة لإيواء جماعة صوفية، مثل خانقاه فرج بن برقوق ومجمع الأشرف إينال.
ذكريات ابن بطوطة عن صحراء المماليك
عندما زار الرحالة ابن بطوطة القاهرة قرابة العام 1325 فإنه يذكر خوانق القاهرة وسكانها وأغلبهم من الصوفية من الفرس، ويعطينا صورة شاهد عيان لحياتهم اليومية وعادات تناولهم للطعام ونظامهم الداخلي وأنشطتهم المعتادة، الجزء الأهم من أنشطتهم كان توزيع جميع أجزاء القرآن الثلاثين علي جماعة الصوفية ويقوم كل واحد منهم أو مجموعة بقراءة جزء واحد منها. بهذه الطريقة كانت تختم قراءة القرآن يوميا ويعقب هذا طقوس الذكر.
الرحالة الأجانب وطقوس الصوفية
ويؤكد مؤلف كتاب "صحراء المماليك.. بوابة السماء الشرقية"، الكاتب هاني حمزة علي: كان الرحالة الأجانب يبهرون بمثل تلك الطقوس الصوفية عندما يزورون الصحراء وأعطوا وصفا حيا لها. زار الصحراء اثنان من الرحالة الأجانب خلال زيارتهم للقاهرة في القرن الخامس عشر في عصر الأشرف قايتباي وتركا لنا وصفين متشابهين. الوصف الأول لأحد الحجاج واسمه "برايدباخ" ويقول: لقد نزلت علي منحدر حاد بشكل خطر وعبرنا عدة جبانات حتي وصلنا إلي مقابر السلاطين. فإن كل سلطان بني علي حدة جامعا علي قطعة أرض اختارها لنفسه. السلطان الحالي اسمه قايتباي بني جامعا كبيرا ومتسعا وبه برج عال مزخرف بأناقة. وقد بني منازل ضخمة تحيط به من جميع الجوانب وبها عدد كبير من الحجرات كما في الدير، حيث يقيم قسس علي قانون ودين محمد".
والوصف الآخر هو للرحالة "فليكس فابري" الذي زار القاهرة عام 1483، وكتب مرة أخري يصف الصحراء: "لما اشتدت العاصفة فقد نزلنا من فوق الجبل من ناحية أخري علي طريق سيئ للغاية حتى أننا اضطررنا لسوق دوابنا المرتعشة خلفنا بأيدينا حتى وصلنا إلي القاع، ما إن وصلنا إلي الأرض المستوية حتى واجهتنا عاصفة قادمة من الصحراء وألقت الرماد علي وجوهنا وغطي التراب عيوننا وملابسنا عندئذ وصلنا إلى جزء من القاهرة يسمي "تربي" حيث توجد مقابر السلاطين والأعيان.
يوجد هنا عدد كبير من الجوامع الضخمة بالقرب من المقابر مثل ما يحدث في البلدان المسيحية حيث يقوم الأغنياء والعظماء ببناء كنائس في أمكان قبورهم ويعينون الرهبان للعناية بها ويجمعون لها التبرعات ويحدث مثل هذا مع المسلمين. في الحقيقة فإن الأغنياء يشيدون قبل وفاتهم مقابر ومساجد وآثارا لتخليد ذكراهم.
وقد قادونا إلى ميدان فسيح به جامع ضخم وجميل ملحق به برج عال. يوجد بجوار الجامع منزل طويل به خلاوي منفصلة كالتي توجد في الأديرة الدينية ويعيش فيها قسس ليل نهار يصلون ويرتلون من الجامع ويصيحون من أعلي البرج.
في الحقيقة فقد كانوا يصيحون بمدح محمد في وجودنا وربما كانوا يلعنوننا، أمكننا رؤية عدد كبير من المصابيح المعلقة المضاءة من خلال باب الجامع، كذلك محراب مزخرف بطريقة جميلة وفقا لأسلوبهم. أنشأ السلطان هذا الجامع حديثا ووضع فيه تلك المصابيح وهي موقدة طوال الوقت، كذلك عين القسس الذين يقيمون بها بصفة مستمرة لأداء وظيفتهم.
اقترب منا رجل عجوز ينتمي إلي المسجد وبدأ في توبيخ المماليك للسماح لنا بالدخول، ولكنهم وعدوه بدفع مبلغ مالي مما جعله راضيا، لا يوجد أحد في الحقيقة يجرؤ علي دخول الجامع إلا إذا كان مسلما.