منى العساسي: «حقي» أدرك مبكرا أن الصدام المباشر مع المعتقدات نتيجته سلبية
تمر اليوم ذكرى رحيل يحيى حقي، أحد أساطين الكتابة الصحفية والإبداعية في مصر وعالمنا العربي، وأحد جيل المؤسسين ورواد فن القصة القصيرة، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 9 ديسمبر من عام 1992.
وقالت الكاتبة الروائية منى العساسي، لـ "الدستور"، يعتبر يحيي حقي من أهم الأدباء الذين تناولوا الشخصية المصرية بنوع من الوعي العميق بطبيعتها النفسية، و روايته "قنديل أم هاشم " تعد أنموذجا لهذا الوعي، فقد تناول موضوع الرواية مدى عمق الأثر الميثولوجي والخرافات خاصة ذات البعد الديني في الشخصية المصرية البسيطة، المتمثلة في قصة زيت القنديل الذي يشفي من الأمراض .
و لفتت الكاتبة، إلى أن “ يحيى حقي أدر أن الصدام مع هذه الخرافات لن يؤتي الأثر المرجو منه والذي عبر عنه في إطار السرد بالعمى السيكولوجي، وبالرغم من نجاح الجراحة الطبية التي قام بها الطبيب إسماعيل ابن حي السيدة زينب الذي درس الطب في ألمانيا، والناقم على الجهل والتخلف الذي يقع أهل الحي فريسة له لم تشفى فاطمة ابنة عمه، وهنا ادرك يحي حقي ان الصدام المباشرة مع المعتقدات المتجذرة داخل أهل الحي لن ينجح ابدا فكان لابد من التحايل حتى يحصل على النتائج المرجوة، فأوهم مريضته أنه يستخدم زيت القنديل في علاجها من ثم شفيت حالة العمى النفسي الناتجة عن الصراع الداخلي بين معتقدات راسخة وبين ازدراء العلم لهذه القناعات".
وتابعت “كانت استراتيجيته للتعامل مع التأثير العميق للخرافة عامة، أو للخرافة ذات الطابع الديني من خلال التحايل عليها من أهم الحيل التي جعلتني ادرك حقيقتين مهمتين جدا أولهما: أن المجتمعات المصرية البسيطة ذات طبيعة خاصة جدا فيما يخص الأشياء ذات البعد الديني فعمق تأثر البسطاء بأي شيء يحمل طابع ديني حتى لو كان خرافة بالغ جدا وربما هذه الحقيقة أدركتها الجماعات الدينية منذ نشأتها و هي ما استندت عليه لاستقطاب البسطاء.
والحقيقة الثانية، أن الصدام المباشر مع هذا المعتقدات لن يأتي إلا بنتائج عكسية، وهنا وجوب التعامل بنوع من الحكمة وسياسة المدى الطويل لكسب ثقة المجتمع وتمهيد العقول للتفكير من خلال أسانيد عقلية لاستقبال الحقائق وقبولها.