دار «ألكا» تطرح «صحيفة الغرباء» كتاب فى أدب اليوميات
صدر عن دار ألكا للنشر والترجمة، حديثا كتاب جديد للكاتب العراقي علي بدر، بعنوان "صحيفة الغرباء.. موعد في المقهي"، والكتاب ينتمي إلى أدب اليوميات.
والكاتب "علي بدر"، حصل على العديد من الجوائز وترجمت أعماله إلى خمسة عشر لغة أجنبية بينها الإنجليزية والفرنسية والهولندية والإيطالية والإسبانية والروسية والكورية والصينية والفارسية والكردية والتاميلية وغيرها.
وصدر له العديد من الروايات، من بينها: بابا سارتر٬ شتاء العائلة، الطريق إلى تل المطران٬ الوليمة العارية٬ صخب ونساء وكاتب مغمور٬ مصابيح أورشليم٬ الركض وراء الذئاب٬ حارس التبغ٬ ملوك الرمال٬ الجريمة، الفن، وقاموس بغداد٬ أساتذة الوهم٬ الكافرة٬عازف الغيوم٬ الكذابون يحصلون على كل شيء.
ومما جاء في كتابه الجديد "صحيفة الغرباء.. موعد في المقهي" نقرأ: السفر هو أحد طرقي في التفكير! هكذا قلت لكاترينا أولمان صديقتي الألمانية مرة، وأضفت لها حديثاً عن الشجاعة في السفر فهو التعبير اليائس لتحدي الانهيار الأخلاقي الوشيك، إنه صراع حقيقي مع الذات ضد أسوأ ميول المرء: الجمود، خداع الذات، الكسل والتبطل.
إنه وصية بوذا التي وصلتنا صادقة عبر آلاف السنين: عليك أن ترحل لكي تجعل روحك ترقى وتترقى، لكي تصبح أفضل. كنت أريد أن أرحل، طبقاً إلى وصية الحكيم اليوناني: لا تكن فأرا يقرض الأوراق إنما عش داخل الحياة وتعلم منها.
وهكذا كنت أنهب الحياة في قطارات الأرياف والمدن والبلدات الصغيرة في أوربا الشرقية، في رحلتي الأخيرة مع كاترينا كنا نأكل في المطاعم الشعبية الرخيصة في سكوبيا، وننام في البيوت المهجورة في سراييفو أو على شواطئ البحار على الرمل في بلغاريا وألبانيا، حيث قصص الناس الذين نقابلهم على حافة الطريق، أو في محطات القطارات أو في المقاهي والبارات حتى ولو لفترة وجيزة، بعد ذلك يتحولون إلى بناء راسخ في عمارة الذاكرة.
حينما أجلس الآن مستكيناً في مكتبي، واضعاً قدميّ الاثنتين على الكرسي المقابل، أدخن بهدوء وأفكر بالشابة الألمانية التي قابلتها في صالة الفندق في الخرطوم حيث جلست وشرحت لي خطتها في الهرب من الحياة الرتيبة في أوربا عبر قطع أفريقيا من الشمال إلى الجنوب، لا أنسى صوتها وهي تقول: "لا حرية حقيقية لي إلا في الحياة البدائية".
أفكر بالراهب الروسي التائه روحياً، والمتحول من الأرثوذكسية إلى الكثلكة، وقد قابلته في قرى بانكوك شبه الغارقة في الأمطار الموسمية وهو يأكل الرز ويشرب الماء من النهر، ويقدم الموعظة بكثير من الغبطة، أتذكر المخمورين الأمريكان مع الكثير من النساء الجميلات والمخدرات في كهوف جبال في الهند عازمين على البقاء في هذيانهم الروحي إلى الأبد.
أفكر بالعيون الجميلة لشابة أفريقية قابلتها في قرية قريبة من كنشاسا قدمت لي الماء البارد والكوكتيل ورفضت أن تأخذ مني المبلغ وقد أشعرتني بحرارة الوجود البشري وتضامنه بالرغم من الفقر والبؤس الذي صنعته الرأسمالية في هذه البلدان.
أتذكر اللحظات المهولة التي عشتها في خنادق الحرب والتي تماثل الانهيارات الجليدية التي شهدناها "كاترينا وأنا" في جبال الآي في أوزبكستان وطاجكستان وقرغيزيا وفي جبال آسيا الصغرى حيث كنا نبحث عن المشاهد التي رسمها ماركو بولو في رحلته.