نقاد وكتاب: رواية «جبل التيه» لمنى العساسي تقرأ الواقع عبر الفانتازيا
استضاف قصر ثقافة كفر الزيات، الكاتبة الروائية منى العساسي لمناقشة روايتها "جبل التيه"، والتي ناقشها فيه الكاتب والناقد محمد صالح، والشاعر والناقد أحمد محمد زايد، وقدم للندوة الروائي على الفقي، بحضور رواد النادى من الأدباء والكتاب.
سبيكة من الواقع والخيال وكثير من الإسقاطات
ومن جانبه، قال الكاتب والناقد أحمد زايد إن رواية "جبل التية" مختلفة عما قرأت من قبل، فنحن بصدد عوالم متداخلة ومتعددة ما أن دخلت إحداها حتى يسلمني لآخر، عالم من الأساطير والخرافات التي كتبت بوعي تام وبحرفية فائقة الجودة تحمل الكثير من الدلالات، والإسقاطات على واقع سياسي واجتماعي واقتصادي معاش وأن وراء السرد القصصي مهزوم ثقافي ومعرفي وفلسفي كبير مغلف بالخيال اللامحدود، الأمر الذي أحيي فيه الكاتبة التي احترمت عقل القارئ وقدمت له إبداعها ورؤيتها بالبراهين والأدلة على صدق عالمها ما جعل القارئ رغما عنه مشارك في الأحداث.
ولفت «زايد»، إلى أن الزمان أتى متحررًا من كافة القيود فهو عبارة عن كوكتيل من الأزمنة أتت مجتمعة تتحرك فيه الكاتبة بانسيابيه تامة، فقد انزلقت الرواية لذكر أزمنة تتعلق باصحاب الحضارات القديمة ثم يعود الى الحديث فيلقي الضوء على مصر في 2019، مارا بالعقود الأخير من تاريخ مصر، وما حدث فيه من ثورات.
وتابع: "المكان في الرواية له دينامكية خاصة فمنها أماكن معلومة تم الاشارة إليها صرآحة كمحطة مصر ومنها أماكن أتت تلميحا كانت ذات دور بطولي كأرض الغريق وجبل التيه.
وأشار «زايد»، إلى أن "الشخوص في رواية جبل التيه منهم من لعبت دور بطولي مثل أمينة وخالد وإسماعيل ومنهم ضيوف الشرف مثل ربيع وهانم القابلة ومصطفى وفتحية الجيران التي برعت الكاتبة في رسمهم.
وأكد «زايد»، على أن اللغة لغة الرواية متماسكة لا يعتريها اضطراب كتبت بالفصحى تحتوي في بعض المواضع على تركيب مبتكرة ولا تخلو من الصورة الشعرية، وأن سابعا في بعض المواضع بعض الأخطاء اللغوية.
واختتم، باللتأكيد على أن البناء الدرامي للرواية شيد على أسس متينة تتسم بوحدة البناء وتماسك المضمون بتقنيات مغايرة بدا فيه الخط الدرامي كخط بياني يعملو ويهبط طبقا لحالة الحكي يخبو صوته في مواطن ويزداد صداه في مواضع أخرى، أما الحبكة الدرامية فقد استطاعت الكاتبة ان تمنحنا المتعة والدهشة والتشويق على طول النص الذي احيي عليه الكاتبة.
تيه مني العساسي وعوالم من المتعة والدهشة
ومن جانبه، قال الشاعر والناقد محمد صالح: "لا بد للابداع الحقيقي أن يثير لدي المتلقي المتعة والدهشة أو أحداث المفارقة، كما يعيد طرح أسئلة الحياة بل ويجددها دون البحث عن إجابات، وتيه مني العساسي كان من أهم التي حظيت بأغلب ما سبق مقارنة إلي الكثير من الإصدارات في الآونة الأخيرة.
ويرى صالح أن تيه مني العساسي يأخذنا عبر نسقه الفانتازي إلي عالم أكثر خصوبة يترع بالصراع بين قوي الخير وقوي الشر، متسلحا بحمولات ثقافية ومعرفية متعددة المشارب، ولغة متماسكة تتجلي من خلالها قدرة المبدعة على اسطرت البسيط والعادي والمألوف والمعاش وسبكه بعناية فائقة في رائعتها جبل التيه، كما تتجلي قدرتها على سحب العالم «عاليه وسافله» إلى قرية صغيرة تسميها الغريق، هذا الغريق الذي دارت من حوله الأساطير المتعددة التي التي كرست للخرافة وكفية تنقيتها من مجتمعاتنا، وأوسعت من الخيال لتغيير الواقع، من حيث أن كل الواقع هو بن لخيال سابق، كما مهدت عبره لتيه يتشكل لممالك الظلام وقوي الشر في مقابل عالم الخير الذي يتصر مشهده إسماعيل والأم وخالد وعلم بالقدرات الخارقه والعلم، وكل ذلك في حبكة درامية تتنامي حتى تصل إلي ذروتها، أحكمت المبدعة السيطرة عليها من أول الحكي وحتى منتهاه.
ويختم صالح: «وما لا يغفل في هذا الصدد هو مقدرة المبدعة على صناعة شخوصها ببراعة وحنكة وتجلس ذلك في شخصيات أمينة وإسماعيل وخالد والذين وصلوا إلى نهاية العمل وهم بكامل ما شحنتهم به الكاتبة من مقدره بدنية وعقلية ومعارف متعددة».
جبل التيه ملحمة تعود بنا إلي عالم خصب من الخيال والمثيولوجيا بما تتضمنه من متعة وتشويق لا تستطيع الفكاك منهما حتى تأتي على الرواية دفعة واحدة ثم تعاود القراءة من جديد.
منى العساسي "جبل التيه" رواية تنتمي إلى الواقعية السحرية
ومن جانبها تقول الكاتبة الروائية منى العساسي "جبل التيه رواية تنتمي الي الواقعية السحرية تتداخل فيها الأساطير الغرائبية والفنتازيا مع الواقع الحالى بشكل ربما يكون مربك بعض الشيء للقارئ ، فقد تم البناء الفني للنص عبر تناولين
وتابعت: "أولا التناول الواقعي الذي يطرح مأسآة اسرة ريفية من خلال علاقة امينة واسرتها بالريف المصري وصدمة الفقد،وكذلك طرح الآم ومشاكل الشباب في وقتنا الحالي خالد بمريم والتي تجسد لنا حالة انسداد الافق الذي يعاني منه المجتمع بشكل عام والعجز عن تحقيق حياة إنسانية سوية ليس فقط بسبب الضغوط المادية بقدر تعلقه بزيوغ القيم التي تحكم العلاقات بعضها ببعض.
ثانيا، الجانب الأسطوري الذي يكون الملجأ عندما يعجز الانسان عن فهم متغيرات العالم فيجد نفسه في مواجهة حالة من الغموض والضبابية وعدم القدرة على المعرفة أو الوقوف على السبب العلمي فيلجأ مباشرة الى المخيلة بحثا عن عوالم رمزية موازية مثل الأساطير والخرافات حيث التحليل غير المنطقي للأحداث وأيضًا عندما يختل ميزان الخير والشر يستحضر الأسطورة ليعيد التوازن لذاته.
وأضافت: "لذا نجد في جبل التيه ان الأسطورة كانت بالنسبة لـ أمينة هي الطريقة المثلى لعبور الهوة من الواقع الدستوبي الي عالم اكثر رحابة وقدرة على تحقيق الذات ومواجهة الشر المرمز له بالغريق وليليث وعالم الجحيم بكل ما يحويه من عنف وقبح.
وأكدت العساسي: "بالنسبة لي لا نوع ادبي يمنحني الحرية و القدرة على جعل الخيال اكثر تعبيرا عن الواقع كالواقعية السحرية، وفي جبل الايه كانت الأسطورة هي حل مناسب لتمثيل بيئة النص التي تُعتبر الميثولوجيا جزء لا يمكن فصله عن تفكير هذه الجماعة ويتم التعامل معها كجزء من الواقع، ففكرة الميلاد والموت والحلول والسحر والخير والشر جميعها عوالم واقعية كانت اومتخيلة تسير جنبا إلى جنب في أذهان قطاع واسع من المجتمع، كما مثل الانتقال إلى ما وراء الطبيعي أو الانتقال عبر الزمن من خلال مفردات البيئة كالبئر والشجرة ومحطة القطار العلاقة العضوية بين الزمان والمكان.
وألمحت، الى أن "النص يحمل قد من الغموض والاسقاط الذي حاولت من خلالها الاشتباك مع رؤية القارئ العادي وما يستهويه من عوالم وموضوعات غرائبية تجذبه استمدت جذورها من اسطورتيّ الغريق وليليث لتكون ركيزة لبناء أسطورة جديدة تتسم بالرمزية التي أراهن فيها على قدرة القارئ النخبوي على التفكيك والتحليل والتأويل، وأيضا تناول مجموعة من قضايا الواقعية والأفكار التي تتماس مع لاوعي القارئ فتساهم في إعادة البناء المعرفي للعقل الجمعي.
وختمت العساسي: «أما عن التأويلات والرؤى التي تناولت النص فتعددها واختلافها تباينها واتفاقها أمر طبيعي في هذا النوع الأدبي، الذي يمنح القارئ متسع لفك رموزه التي تشبه تماما لوحة سريالية تخرج من الأفق الضيق للتجسيد المادي الى مساحة أوسع من التجريد الرمزي فتكون عملية التأويل النقدي عملية إبداعية خلاقة ترتقي بالنص لافاق عالية مهشمة القشرة الكلامية الظاهرة وصولا إلى الجوهر».