رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معاوية عبدالمجيد: «إله الأحياء» تصور الصراع الباطنى ما بين الجشع وصحوة الضمير

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر حديثاً عن مركز أبو ظبي للغة العربية بدائرة الثقافة والسياحة، مشروع "كلمة" للترجمة رواية "إله الأحياء" للأديبة الإيطاليّة جراتسيا ديليدّا، ونقلها إلى العربية المترجم السوري معاوية عبد المجيد، وراجع الترجمة الدكتور عز الدين عناية.

 

وقال معاوية عبدالمجيد، في تصريحات خاصة لــ "الدستور": صدرت رواية «إله الأحياء» عام 1922 وتأتي أهمّيّتها من رصد التغيّر الذي يطرأ على شخصيّة "زيبيديو في طوايا" نفسه، وتصوير الصراع الباطنيّ ما بين الجشع وصحوة الضمير. يتعرّض بطل الرواية لإشاراتٍ غامضةٍ يجدر به التقاطها وإدراكها ليتحوّل إلى فعل الخير الذي خُلِقنا من أجله. لذا تتحرّك الرواية على الخطّ الرفيع الذي يفصل ما بين العقلانيّة والإيحاء، وما بين العلم والإيمان. إلّا أنّ جراتسيا ديليدّا، بذكائها المعهود، لا تكشف عن موقفها، إنّما ترغم القارئَ على إرجاء أحكامه، وتمنحه فرصةً ليشكّ بالنهاية التي ستفضي إليها الشخصيّات، والتي تفتح تساؤلات جديدة بدورها.

 

وتابع "عبد المجيد": فضلًا عن أنّ الرواية ترسم لنا معالم المجتمع الريفيّ في جزيرة سردينيا، فهي تصوِّر العائلة من الداخل وتبرز منزلة كلّ فردٍ فيها وتأثُّره بمحيطه في اتّخاذ قرارٍ مّا أو في رؤيته لحدثٍ مّا. كما أنّ الكاتبة تعرِّج على تجذُّر الخرافة في ذلك المجتمع، وتصادم العلم والمنطق فيها وما ينجم عن ذلك من حيرةٍ وتردُّدٍ في حسم الموقف، في حين يبقى الإيمان الحقيقيّ ساميًا متعاليًا على البلوى والاتّقاء منها بتلك الأشكال المتخلّفة. من جهةٍ أخرى، ينال المكان في الرواية حصّةً كبرى من التأمُّل والتفصيل: الطبيعة في أدب ديليدّا جوهريّةٌ وأساسيّة، ولا بدّ من توصيفها بدقّةٍ شديدة: فمن المراعي إلى الحقول مرورًا بالمروج والأنهار، تحكي لنا ديليدّا عن لوحةٍ زاخرة بالأزهار والنباتات والألوان والطيور والعناكب والأشجار وإلى ما هنالك ممّا تجود الطبيعة به على سكّان تلك الجزيرة، ووصولًا بالبحر نفسه، فهو الذي يعطي للجزيرة فرادتها، وهو الذي يداوي العلل، وهو المكان الساحر الذي يحدّ اليابسة، هناك حيث يتكوّن عمقه من صفوة الأساطير التي تعالج الهذيان.

وأردف "عبد المجيد": اهتمّت ديليدّا بمعالجة ثيماتٍ أدبيّة كبرى في حكاياتها، فهي تركّز على أخلاق المجتمع الأبويّ في جزيرة سردينيا وما يتمحور حولها من عواطف مكثّفة وحادّة. كما تطرّقت إلى موضوعة القدر، والخطيئة والذنب، والخير والشرّ، وبرز إحساسها الدينيّ جليًّا في رسم مسارات بعضٍ من شخصيّاتها التي تختار خطورة الإيمان وولوج اللغز الإلهيّ على أن تظلّ مثقلةً بالحسرة والندم ممّا ارتكبته من آثام. أمّا من حيث الأسلوب فهو متنوّع بفضل التباين في المدارس السرديّة التي انتهجتها الكاتبة والتأثُّرات الفكريّة التي عملت على صقلها. وعلى الرغم من استنادها الراسخ إلى بيئة سردينيا وطقوسها وثقافتها فقد سعت جاهدةً إلى جعل الجزيرة مكانًا أسطوريًّا وأرضًا بلا زمن ومجالًا أنثروبولوجيًّا يطرح مسائل الوجود ويتعمّق فيها.

 

ــ من هي جراتسيا ديليدا مؤلفة "إله الأحياء"
وعن مؤلفة الرواية أوضح "عبد المجيد": "جراتسيا ديليدا" (1871-1936) ولدت في جزيرة سردينيا التي كرّست مسيرتها كلَّها من أجل الكتابة عنها وعن مجتمعها وطبيعتها، وباتت تُعرَف بناقلة العالم الساردينيّ إلى دنيا الأدب. ظهر نبوغها الأدبيّ واللغويّ منذ طفولتها، وما إن بلغت سنّ الشباب حتّى أرسلت قصصها لتُنشَر في المجلّات الأدبيّة في روما وغيرها من المدن الإيطاليّة. فاكتسبت بفضل غزارة إنتاجها شهرةً واسعة في الأوساط الثقافيّة الإيطاليّة والأوروبيّة، وكان مكسيم جوركي وديفيد هربرت لورنس من أشدّ المعجبين بقلمها.

 

وازداد الاهتمام حول رواياتها من كبار النقّاد، بل وأثارت بعض رواياتها إشكاليّاتٍ كبيرة وأصبحت محلّ جدلٍ ونقاش استمرّ عقودًا. حصدت جائزة نوبل للآداب عام 1926 «بفضل مقدرتها على الكتابة، واستنادها إلى مثاليّاتٍ سامية، والتقاط أشكالٍ فنيّةٍ للحياة في الجزيرة المعزولة مسقط رأسها، ومعالجتها العميقة والدافئة لإشكاليّاتٍ تهمّ البشريّة عامّةً».

 

يشار إلى أن معاوية عبد المجيد، مترجم سوريّ درس الأدبّ الإيطاليّ في جامعة سيينا للأجانب، وحاز درجة الماجستير في الترجمة الأدبيّة من جامعة بولونيا في إيطاليا وجامعة الألزاس العليا في فرنسا. صدرت له عدّة ترجمات في العالم العربيّ، أبرزها "ضمير السيّد زينو" لإيتالو سفيفو، "الرسائل الأخيرة لياكوبو أورتس" لأوجو فوسكولو، "الشعلة الخفيّة للملكة لوانا" لأمبرتو إيكو، "تريستانو يحتضر" لأنطونيو تابوكّي، ورباعيّة نابولي لإيلينا فيرّانتي. حصد عدّة جوائز وتكريمات عالميّة في مجال الترجمة الأدبيّة.

معاوية عبدالمجيد
معاوية عبدالمجيد