النص الكامل لكلمة المبعوث الأممى إلى ليبيا أمام مجلس الأمن
أكد كوبيش، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا وخروج القوات الاجنبية والمرتزقة.
وقال كوبيش خلال الإحاطة المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي مساء اليوم، إن إحاطته في وقت دقيق للغاية إذ تبقى شهر واحد على الانتخابات في ليبيا وفي أعقاب المؤتمر الذي استضافه الرئيس الفرنسي ماكرون وشاركت في رئاسته كل من ليبيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والأمم المتحدة وعُقد في باريس في 12 نوفمبر، وبمشاركة 30 من الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية، حيث مثل هذا المؤتمر فرصة لتعزيز التوافق الدولي دعماً لتنفيذ العملية السياسية التي تقودها ليبيا وتملك زمامها وتيسرها الأمم المتحدة، بما يفضي إلى حل سياسي للأزمة الليبية. وجدد المشاركون، بمن فيهم السلطة التنفيذية المؤقتة في ليبيا، دعمهم لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي طال انتظارها، وذلك بحسب بيان للبعثة عبر موقعها الالكتروني.
وأضاف: "شدد البيان الختامي الذي اتفق عليه مؤتمر باريس على أهمية التزام جميع الأطراف الليبية المعنية بشكل لا لبس فيه بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية في 24 ديسمبر 2021 على النحو المنصوص عليه في خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي وصادق عليها قرارا مجلس الأمن 2570 و 2571 لسنة 2021 وكذلك خلاصات مؤتمر برلين الثاني في 23 يونيو 2021، وعلى قبول نتائج هذه الانتخابات.
وكرر كوبيش دعوة جميع الأطراف الليبية والمرشحين إلى الوفاء بالتزاماتهم إزاء إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر 2021، والالتزام بشكل علني باحترام حقوق خصومهم السياسيين قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، والامتناع عن استخدام خطاب الكراهية أو الانتقام والتهديدات والتحريض على العنف والمقاطعة، وقبول نتائج الانتخابات، والتمسك بالتزامهم بمدونة السلوك التي أعدتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وأكد المبعوث الأممي على أهمية تجنب أي فراغ في السلطة، وأن انتقال السلطة من السلطة التنفيذية المؤقتة الحالية إلى السلطة التنفيذية الجديدة، ينبغي أن يتم بعد إعلان المفوضية للنتائج النهائية بشكل متزامن لكل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
واضاف “في إحاطتي الأخيرة في 10 سبتمبر، أعلمتكم أن رئيس مجلس النواب قد أحال إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات القانون رقم 1 لسنة 2021، والذي يحدد الإطار القانوني للانتخابات الرئاسية. وفي 4 تشرين الأول/ أكتوبر، أحال رئيس مجلس النواب القانون رقم 2 لسنة 2021 حول الانتخابات البرلمانية والذي يقوم إلى حد كبير على قانون الانتخابات البرلمانية لعام 2014. وينص القانون رقم 2 لسنة 2021 على أن يحدد مجلس النواب موعد الاقتراع للانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد 30 يوماً من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية بناءً على مقترح من المفوضية.
ومن المتوقع أن تقترح المفوضية المواعيد المحددة للانتخابات بعد الانتهاء من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية مطلع ديسمبر، وذلك بعد عملية البت في الشكاوى والطعون. من الضروري أن يصادق مجلس النواب على الفور على مواعيد الاقتراع التي تقترحها المفوضية لكل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
وأوضح أنه بعد اخفاق ملتقى الحوار السياسي الليبي في الاتفاق على قاعدة دستورية وإطار قانوني للانتخابات، وبهدف التخفيف من المخاطر التي تحيط بالنزاعات الانتخابية، فقد حثت البعثة وباستمرار مجلس النواب والجهات الفاعلة المؤسسية والسياسية الأخرى على معالجة المخاوف التي أعربت عنها الأطراف الليبية فيما يتعلق بالمآخذ الإجرائية والجوهرية في قوانين الانتخابات، وتعديل الإطار الانتخابي.
كما ألزمنا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على اتباع العملية التشاورية على النحو الوارد في الاتفاق السياسي الليبي، وشجعنا على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة في وقت واحد بما يحقق اتساقها مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وخلال شهري أكتوبر ونوفمبر، لم يصدر مجلس النواب سوى بعض التعديلات الفنية التي طلبتها المفوضية على كل من قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وأردف “عقب استلام قوانين الانتخابات المعدلة من مجلس النواب، أعلن رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في 7 نوفمبر وعبر مؤتمر صحفي بدء عملية تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في اليوم التالي.
واختُتمت هذه العملية في 22نوفمبر بالنسبة للانتخابات الرئاسية. وتعتزم المفوضية إعلان القائمة الأولية للمرشحين بعد ظهر هذا اليوم من بين 98 مرشحاً، بينهم امرأتان، من جميع أنحاء البلاد سجلوا للترشح للانتخابات الرئاسية. وحتى الآن، هناك 2001 مرشح، بينهم 276 امرأة، سجلوا للانتخابات البرلمانية في عملية التسجيل الجارية التي يفترض أن تنتهي في 7 ديسمبر”.
ونوه كويش إلى أنه خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 7 نوفمبر، أكدت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أيضاً اعتزامها إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر، بينما ستجرى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد حوالي خمسين يوماً من 24 ديسمبر، للقيام بجدولة النتائج والنظر في الطعون الانتخابية المحتملة، كما ذكرت أنه سيتم إعلان النتائج النهائية لكل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد.
واضاف “بالتوازي مع ذلك، بدأت المفوضية في 8 نوفمبر بتوزيع بطاقات الناخبين على مستوى البلاد على أكثر من 2.8 مليون ناخب مسجل. وحتى اليوم، تم توزيع أكثر من 1.84 مليون بطاقة ناخب في 1906 مركز انتخابي في جميع أنحاء البلاد ضمن هذه العملية الجارية، ما يغطي حوالي 64.3 بالمائة من إجمالي عدد الناخبين المسجلين”.
ودعا كوبيش حكومة الوحدة الوطنية إلى توفير كل الدعم الأمني والمالي واللوجستي للمفوضية وضمان حُسن سير العمل في مكاتبها وسلاسة العمليات في جميع أنحاء البلاد.
وأوضح المبعوث الاممي أنه بدءاً من 5 أكتوبر، عكفت المفوضية على اعتماد مراقبين محليين ودوليين ووسائل إعلام. وحتى اليوم، قدم أكثر من 3200 مراقب محلي، و320 ممثلاُ لوسائل الإعلام المحلية و20 من وسائل الإعلام الدولية و9 منظمات دولية طلباتهم للاعتماد من قبل المفوضية للانتخابات المقبلة، داعيا الى المزيد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية إلى تقديم طلب اعتمادها إلى المفوضية في الوقت المناسب لإرسال مراقبين لانتخابات ديسمبر.
وأضاف “بينما أشيد بالجهود المستمرة التي تبذلها المفوضية لتنفيذ الانتخابات رغم التحديات الفنية وفي إطار زمني قصير، لا بد لي من الإشارة بأن المناخ السياسي لا يزال شديد الاستقطاب.
ويؤكد عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وكذلك عدد الناخبين المسجلين أن الشعب الليبي من جميع أنحاء البلاد متلهف للتوجه إلى صناديق الاقتراع وانتخاب ممثليه بشكل ديمقراطي. وفي ذات الوقت، تتواصل الأصوات المجاهرة بمعارضتها لإجراء الانتخابات بناء على الإطار القانوني الحالي، حيث يواصل بعض القادة والفئات التشكيك في شرعية القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب بحجج مختلفة وبالتالي في شرعية العملية برمتها.”
كما أشاروا بحسب كوبيش إلى أن الظروف ليست بالملائمة لإجراء الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، ومع المضي في هذه العملية، تتصاعد التوترات حول أهلية بعض المرشحين الرئاسيين البارزين تصاحبها مخاوف من حدوث مواجهة مسلحة أو من أن الإطار الحالي قد يعيد البلاد إلى الحكم الاستبدادي.
وأدعو كل من لديه اعتراض على العملية أو المرشحين إلى توجيه هذه الطعون عبر الآليات القضائية القائمة وإلى إبداء الاحترام الكامل لحكم السلطة القضائية.
وأضاف “في الوقت ذاته، حتى أولئك الذين يعارضون الانتخابات بحجة الإطار التشريعي الحالي والقاعدة الدستورية وعدم وجود دستور دائم أو قاعدة دستورية ناهيك عن عدم توفر الظروف المثالية، متفقون على أن ليبيا بحاجة إلى انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. وعن لسانهم، فإن سبيل الوصول إلى ليبيا مستقرة وموحدة يكون من خلال صناديق الاقتراع وليس من خلال صناديق الذخيرة.
كما أن المؤيدين للانتخابات يؤكدون أن المواجهات السياسية يجب ألا تتحول، ولن تتحول، إلى مواجهة مسلحة، وأنهم لن يسلكوا هذا السبيل وأن الليبيين سيجدون فيما بينهم حلولاً لمشاكلهم إذا ما تركوا دون تدخل خارجي".
وكرر المبعوث الاممي الدعوة للأطراف الليبية المعنية لأن يتخذوا خطوات، بما في ذلك مع المساعي الحميدة للبعثة، من أجل تعزيز الثقة المتبادلة وبناء الدعم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة وقبول النتائج، وأكرر الدعوة لجميع المؤسسات الليبية المعنية لتقديم الدعم اللازم للمفوضية لإجراء انتخابات نزيهة وشاملة وذات مصداقية، في بيئة آمنة وسلمية، وبمشاركة وتمثيل كامل ومتساوٍ وهادف للمرأة واشراك للشباب.
وفيما يخص الملف الأمني، أوضح كوبيش أنه في الوقت الذي يستمر فيه صمود وقف إطلاق النار، ما يزال وجود المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة يؤرق ليبيا والمجتمع الدولي، بما في ذلك دول المنطقة وتحديداً دول جوار ليبيا.
ومع ذلك، تستمر اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في إحراز التقدم. فبدعم من البعثة وتيسير منها، اجتمعت لجنة (5+5) في جنيف في 8 تشرين الأول/ أكتوبر ووضعت خطة عمل لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية على نحو متزامن ومرحلي وتدريجي ومتوازن.
وتتماشى هذه الخطة مع اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 23 أكتوبر 2020 وقراري مجلس الأمن الأممي 2570 و2571 لسنة 2021 بالإضافة إلى خلاصات مؤتمر برلين.
ومن المفترض لهذه الخطة أن تمهد السبيل للمراحل الأولية من انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، مع أخذ احتياجات ليبيا ودول الجوار ومخاوفها بكامل عين الاعتبار كخطوة نحو التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن الأممي رقم 2570.
وبحسب كوبيش تم تقديم خطة العمل أثناء مؤتمر دعم استقرار ليبيا الذي نظمته حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس في 21 أكتوبر، والذي أرحب به كونه أول لقاء دولي يُعقد في ليبيا منذ بداية الأزمة، ونظراً لكونه شاهداً مهماً على ملكية ليبيا وقيادتها للعملية السياسية نحو تحقيق الوحدة والاستقرار في البلاد.
وأضاف "بالبناء على هذه المستجدات الإيجابية، استضافت جمهورية مصر العربية في القاهرة في الفترة من 29 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 1 وفمبر المحادثات التنسيقية للجنة (5+5) مع دول جوار جنوبي ليبيا وهي تشاد والنيجر والسودان. واختتمت المباحثات الإيجابية بين الدول الأربعة باتفاق على مفهوم آلية ناجعة للتواصل والتنسيق دعماً لتنفيذ خطة العمل الرامية لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية. ويسرني أيضاً أن أبلغكم أنه في الوقت الذي نلتقي فيه اليوم، تجتمع لجنة (5+5) مع الاتحاد الإفريقي في تونس.
ويسرني أيضاً أن أعلمكم بأن هناك ترحيباً للجنة (5+5) لخوض مشاورات مماثلة في كل من أنقرة وموسكو حيث تنوي اللجنة التشاور مع الدول الإقليمية الأخرى، لا سيما دول الجوار”.
واستكمالاً لهذه الخطوات الإيجابية ودعماً لها، أُرسلت أول مجموعة من مراقبي الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار إلى ليبيا في 10 أكتوبر 2021. ووفقاً للتكليف الصادر عن مجلس الأمن، سوف يقدم المراقبون الدعم للجنة (5+5) وكذلك لآلية مراقبة وقف إطلاق النار التي تقودها ليبيا وتملك زمامها في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ولا سيما انسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة حسب طلب لجنة (5+5).
وقال كوبيش “ندرك أيضاً أنه مع اقتراب موعد الانتخابات، تتجلى خطورة تحول الانقسامات السياسية والمؤسسية المترسخة إلى مواجهة مسلحة تشعلها المواقف المتعنتة والخطاب التحريضي. ففي المنطقة الغربية ولا سيما في العاصمة، يتصاعد الاحتقان ويمكن أن يؤدي إلى تصعيد أكبر في خضم الاستقطاب المقترن بالانتخابات.
إن التشظي الحاصل في السياق السياسي والافتقار إلى عملية سياسية وانتخابية تقوم على الشمول والتشاور وما يترتب على ذلك من غياب الثقة والتوافق، واستمرار الجدل حول العملية الانتخابية يمكن أن يقوض تنفيذ العملية الانتخابية.”
وأكد كوبيش تسجيل بعض الحوادث التي طالت المراكز الانتخابية المعنية بإصدار بطاقات الناخبين. وقد استحدثت وزارة الداخلية خلية تأمين الانتخابات لضمان تأمين محطات الاقتراع وهي ملتزمة بالتصدي لأية حوادث أمنية تعيق الوصول للمراكز الانتخابية، حيث قد تتسبب الأعمال التي تمارسها المجموعات المناهضة للانتخابات في حالات عرقلة للمواطنين الراغبين بتسلم بطاقات الناخبين الخاصة بهم بغية الإدلاء بأصواتهم لاحقاً.
كما أن إمكانية إجراء الحملات الدعائية بحرية في الشرق والجنوب والغرب هي أيضاً على المحك. فالطعون القانونية الرامية إلى إلغاء نتائج الانتخابات ربما تعيد إحياء أزمة مؤسساتية ودستورية عقب الانتخابات، بالإضافة إلى أنه لا يمكن استبعاد تزايد احتمالية ارتكاب منظمات تنتهج التطرف والعنف لأعمال متفرقة بهدف تعطيل عمليات الاستقرار.
ما يزال توحيد النظام المصرفي في ليبيا بالغ الأهمية بالنسبة لإعادة الاستقرار والثقة بالنظام المالي الليبي. وما تزال عملية إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي تستدعي الاهتمام والدعم مع المضي قدماً فيها وسوف تعمل مجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا على جمع الأطراف مجدداً للاطلاع على المستجدات المتعلقة بآخر ما قاموا به من مجهودات.
ويعدّ الأداء السليم للاقتصاد أمراً أساسياً للبلاد كي يتسنى لها مواجهة التحديات العديدة الشاخصة أمامها. والأهم هو استمرار عمل المؤسسة الوطنية للنفط التي تبقى المصدر الرئيس لعائدات البلاد.
وأعرب بيان مؤتمر باريس عن بالغ القلق بشأن استمرار محاولات المجموعات المسلحة لبسط سيطرتها على المؤسسة الوطنية للنفط وصادرات النفط وشدد على أن هذه الأفعال قد تشكل تهديداً لسلام ليبيا وأمنها واستقرارها.
وفي هذا الصدد أتابع عن كثب التنافس الحالي على قيادة المؤسسة الوطنية للنفط وأحث جميع الأطراف على تجنب تسييس هذه المؤسسة والمحافظة على نزاهتها ووحدتها، فثروات ليبيا الطبيعية يجب أن يستفيد منها جميع الليبيين عبر إدارة تتسم بالشفافية وعبر التوزيع العادل للثروات وتقديم الخدمات العامة.
ما يزال وضع حقوق الإنسان في ليبيا حرجاً رغم وقف إطلاق النار. ففي هذه الفترة السابقة للانتخابات، ثمة مخاوف بشأن القيود المفروضة على الحريات الأساسية من خلال تدابير تشريعية، إذ ارتفع عدد الحوادث الموثقة لاستهداف الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني والأفراد ممن يعبرون عن آرائهم المناهضة لأجهزة الدولة والمجموعات المسلحة والأطراف السياسية.
ويستمر فرض الإجراءات الرامية لتقييد منظمات المجتمع المدني. فقد يُرفض تسجيل منظمات المجتمع المدني أو يتم حلّها بأمر من السلطة التنفيذية ولأسباب واسعة النطاق. كما يُطلب من منظمات المجتمع المدني أيضاً أن تبلغ عن أي تواصل بينها وبين العاملين في الأمم المتحدة، الأمر الذي يثير مخاوف جدية بشأن عملنا مع المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية. فهذه اللوائح لا تتماشى مع التزامات ليبيا القانونية الدولية وهي أيضاً تقيد الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات وتمثل مصدر قلق متزايد مع سير البلاد نحو الانتخابات. وهنا أدعو السلطات الليبية إلى رفع هذه القيود وضمان إتاحة فضاء مدني آمن لجميع الأفراد والمنظمات وإلى حماية المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين الحقوقيين.
وسعياً لدعم مجتمع مدني مستقل وحر وقوي في ليبيا، نظمت البعثة في الشهر الجاري اجتماعاً تشاورياً مع ممثلي العديد من منظمات المجتمع المدني تخللته مناقشات مع لفيف من الخبراء بمن فيهم المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع. وتعد التوصيات الرئيسية التي خرجت بها هذه المناقشات الأساس الذي سوف تستنير به استراتيجية حماية المدافعين عن حقوق الإنسان وخصوصاً النساء منهم.
ويساورني أيضاً قلق شديد إزاء الاستمرار في اللجوء لخطاب الكراهية والتحريض على العنف، بما في ذلك العنف الجنسي ضد ناشطي المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، ولا سيما النساء المنخرطات في الشأن السياسي. حيث طالت العديد منهن أعمال عنف وإساءة وتشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتهديد بما في ذلك التهديد بالاغتصاب وغير ذلك من صنوف العنف الجنسي، وفي بعض الحالات آلت إلى عواقب مميتة.
ويعد النهوض بحقوق المرأة وتمكينها إلى جانب التصدي للانتهاكات وضمان حماية المرأة أمر ذو أهمية خاصة في السياق السياسي الحالي ومع الانتخابات المقبلة. ومن المهم للغاية أن تتطابق دعواتنا لتمثيل المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية مع أفعالنا لإيجاد بيئة تمكّن المرأة من التعبير عن نفسها بحرية وأن يقترن ذلك بتدابير تكفل حماية المرأة.
وما يزال الإبلاغ عن ارتفاع معدلات الاحتجاز التعسفي وغير القانوني وتوثيقها في ليبيا مستمراً، فضلاً عن حالات الاختفاء القسري، التي تطال الرجال والنساء على حدٍ سواء. ويتعرض العديد من المحتجزين، بمن فيهم المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء، للتعذيب والعنف الجنسي وغيرها من ضروب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تورط فيها موظفون حكوميون، فيما يقبع آلاف المحتجزين في مرافق سرية تديرها مجموعات مسلحة وشبكات الاتجار بالبشر. وأحث الدول الأعضاء التي تقدم الدعم لسلطات الأمن والهجرة الليبية على ضمان النظر في الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان ومعالجتها.
وتواصل البعثة العمل مع السلطات الليبية لإنهاء الاحتجاز التعسفي ومنعه، حيث يسرت مؤخراً عقد اجتماع لكبار المسؤولين في النيابة العامة ووكالات إنفاذ القانون من جميع أنحاء ليبيا. وإقراراً منهم بأن الاحتجاز التعسفي واسع الانتشار، وافق المجتمعون على إنشاء لجنة رفيعة المستوى تضم 10 أعضاء يمثلون المؤسسات الرئيسية، لمعالجة جميع أشكال الاحتجاز التعسفي. وسينصب التركيز على وضع خطة عمل لتيسير الإفراج عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفاً وتنسيق الجهود الرامية إلى إنهاء ممارسة الاحتجاز التعسفي. وتواصل البعثة تقديم الدعم الفني والتوجيه لهذه العملية. وأجدد التأكيد أن معالجة قضية الاحتجاز التعسفي التي طال أمدها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلام المستدام وسيادة القانون وإصلاح القطاع الأمني والمصالحة الوطنية القائمة على الحقوق في ليبيا.
وكما يعلم أعضاء هذا المجلس، فإن أحد أبشع التجليات التي تذكرنا بأهوال الصراع الليبي هي اكتشاف مقابر جماعية في ضواحي ترهونة، وذلك عقب استعادة القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني للمدينة في حزيران/ يونيو 2020. ومع تقدم عملية استخراج الجثث، اكتشفت السلطات الليبية المزيد من المقابر الجماعية في المنطقة. وظهرت على الكثير من الجثث التي تم استخراجها آثار إصابات تتفق مع التعذيب الشديد أو تدل على عمليات إعدام بإجراءات موجزة. وحتى الآن، تم الكشف عن رفاة ما يربو عن مائتي شخص في هذه المقابر الجماعية؛ ولم يتم بعد تحديد هوية معظمها. وأجدد من هذا المقام دعوات البعثة المستمرة إلى إجراء تحقيق شامل وشفاف في هذه الجرائم الفظيعة وتقديم مرتكبيها إلى العدالة، كما ينبغي تأمين المقابر الجماعية كمسرح للجريمة، وتحديد هوية الضحايا، وتحديد سبب الوفاة، وإعادة الجثث إلى أسر الضحايا.
يساور البعثة بالغ القلق إزاء الحالة المزرية لآلاف المهاجرين واللاجئين الذين وجدوا أنفسهم دون مأوى نتيجة لعمليات الإخلاء القسري واسعة النطاق وتدمير منازلهم على أيدي قوات الأمن باستخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة في أوائل أكتوبر. إن جهود المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الرامية إلى تقديم المساعدات الإنسانية والحماية لهؤلاء اللاجئين وطالبي اللجوء في مقر المفوضية في طرابلس تتعرض للعرقلة من قبل مجموعات من الأفراد الجانحين إلى العنف والذين يستخدمون التهديد والابتزاز ضدهم. وهنا أحث وزارة الداخلية على ضمان أمن مباني المفوضية لتمكين الناس من الوصول الآمن إلى الخدمات الإنسانية. كما أدعو السلطات الليبية إلى توفير المأوى والحماية للاجئين وطالبي اللجوء في المناطق الحضرية للمتضررين من عمليات المداهمة في كتوبر.
وأرحب بتعاون الحكومة في استئناف رحلات الإجلاء الإنساني والعودة الطوعية للمهاجرين واللاجئين التي تديرها المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين إلى خارج ليبيا. وأكرر ضرورة أن تعمل هذه الرحلات دون انقطاع وعلى أساس إجراءات راسخة وشفافة، إذ تمثل رحلات العودة الإنسانية أحد الخيارات القليلة للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في ليبيا والمعرضين بصورة بالغة لخطر الاحتجاز التعسفي، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والاستغلال من قبل شبكات التهريب والاتجار بالبشر، والجهات الفاعلة التابعة للدولة.
وأشجع السلطات الليبية على مواصلة تعزيز القنوات القانونية الآمنة للعمال المهاجرين إلى ليبيا من خلال المناقشات المستمرة مع بلدان المنشأ الرئيسية بما في ذلك مصر والنيجر لتسهيل فتح قنوات لهجرة العمالة النظامية ومعالجة المخاوف بشأن رعاية العمال المهاجرين في ليبيا. وأرحب بالمائدة المستديرة الإقليمية المزمع عقدها في نيامي لمناقشة الممارسات الجيدة بشأن اتفاقيات العمل الثنائية بين ليبيا ودول الجوار.
ويسرني أن أبلغكم بأن عدد النازحين في ليبيا آخذ في الانخفاض، حيث يقدر عدد النازحين بأقل من 200000 شخص مقارنة بـ 278000 شخص في بداية هذا العام. ويسعى العاملون في المجال الإنساني مع السلطات الليبية -على المستويين الوطني والمحلي- إلى تسريع العودة الطوعية والآمنة والمستدامة للمجتمعات النازحة كجزء من جهود المصالحة الوطنية وتحقيق الاستقرار. ومع إيلاء الأولوية القصوى لإيجاد حلول دائمة للنازحين، يقوم مكتب المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية بانتداب خبير في إيجاد الحلول المستديمة لزيادة دعم الجهود الحكومية لمساعدة 648000 عائد في مناطق العودة، والمضي قدماً في تنفيذ استراتيجية وطنية بشأن النزوح.
وأشكر الدول الأعضاء على دعمها لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2021. وفي الوقت ذاته، أشدد على ضرورة الاستمرار في مساعدة الفئات الأشد استضعافاً في ليبيا وأؤكد أن تمديد الخطة الحالية حتى أيار/مايو 2022 يستلزم تمويلاً إضافياً لدعم الاستجابة الإنسانية.
وفي حين انخفض عدد الحالات المؤكدة من كوفيد-19 في الأسابيع الأخيرة، لا يزال انتقال العدوى في أوساط المجتمعات المحلية مرتفعاً في جميع المناطق في ليبيا. ولا يتجاوز معدل استخدام الإمدادات الكافية من اللقاحات 49 في المائة فقط، حيث تم تطعيم 8 في المائة من السكان تطعيماً كاملاً 16 في المائة تطعيماً جزئياً حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر. وعلى الرغم من أن ليبيا قد حددت هدفاً في نهاية العام بتطعيم 40 في المائة من سكانها، غير أنه ما يزال هناك تردد في تلقي التطعيم الذي تستهدفه حملة التطعيم الوطنية ضد كوفيد-19 بدعم من وكالات الأمم المتحدة.
لا تزال ليبيا تمر بمنعطف دقيق يتسم بالهشاشة وهي تشق طريقها نحو الوحدة والاستقرار. ففي حين أن المخاطر المرتبطة بالاستقطاب السياسي المستمر جلية وقائمة، إلا أن عدم إجراء الانتخابات يمكن أن يؤدي إلى تدهور خطير للوضع في البلد وقد يفضي إلى مزيد من الانقسام والنزاع.
وكما يتضح من خلال العدد الكبير من الناخبين والمترشحين المسجلين، فإن الشعب الليبي يتوق إلى فرصة لانتخاب ممثليه ومنحهم تفويضاً لحكم ليبيا من خلال الشرعية الديمقراطية. يجب تحقيق تطلعات الليبيين وتصميمهم على المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كمرشحين أو كناخبين.
ومن المهم أن يظل المجتمع الدولي متحداً في دعمه للانتخابات كما تجلى في مؤتمر باريس. وفي الوقت ذاته، من الضروري الانخراط في مشاركة عملية لضمان نزاهة العملية الانتخابية وتقليل مخاطر الاستقطاب والمواجهة إلى أدنى حد. وأحث الأطراف الليبية الفاعلة على ضمان إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شاملة وحرة ونزيهة، وضمان قبول النتائج كخطوة أساسية في زيادة استقرار ليبيا وتوحيدها. ولن نألوا جهداً لمعالجة الشواغل والتخفيف من مخاطر عملية انتخابية موضع خلاف، وبناء توافق في الآراء لإجراء الانتخابات والتعامل مع وضع ما بعد الانتخابات.
وللقضاء الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالاعتراضات التي أثيرت بشأن العملية وكذلك بعض المترشحين للرئاسة. ويجب احترام حكم الجهات القضائية.
والقرار النهائي يعود للشعب الليبي الذي سيختار من خلال الانتخابات. الليبيون هم من يملك مستقبلهم ومستقبل ليبيا بين أيديهم. وينبغي أن يشاركوا في الانتخابات، وأن يصوتوا لمن يلتزم بليبيا مستقرة يسودها الرخاء والوحدة والسيادة والديمقراطية وتحكمها سيادة القانون ومن يلتزم أيضاً بمكافحة الفساد ومواصلة المصالحة الوطنية والعدالة والمساءلة.
لقد آن الأوان لتتحرر ليبيا من التدخلات الخارجية، بقيادة سلطات ومؤسسات تحظى بتفويض ديمقراطي قوي مستمد من الانتخابات. لا يمكن لليبيا أن تواصل تدمير نفسها، وتستمر في تقديم أرضها كمسرح للمصالح والأطماع الأجنبية.
في ضوء التحولات السياسية والأمنية الجارية، فضلاً عن العمليات الانتخابية الدقيقة والمعقدة في ليبيا، ازدادت الحاجة إلى عملية وساطة ومساعٍ حميدة أممية من داخل ليبيا. ولذلك، فمن الضروري، في رأيي، نقل منصب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى طرابلس على وجه السرعة، وحبذا لو يتم ذلك استناداً إلى قرار يصدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يأذن بعودة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى سابق هيكلها. وتجدر الإشارة إلى أنه ومنذ لحظة تعييني، أعربت عن تأييدي للفصل بين منصب المبعوث الخاص ومنصب رئيس البعثة، ونقل رئاسة البعثة إلى طرابلس. ولتهيئة الظروف لذلك، تقدمت باستقالتي في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
وأضاف "في رسالة الاستقالة، أكدتُ أيضاً استعدادي للاستمرار للعمل كمبعوث خاص لفترة انتقالية- وهذا في رأيي يجب أن يغطي الفترة الانتخابية - لضمان استمرارية تصريف الأعمال شريطة أن يكون ذلك خياراً ممكناً. أتمنى أن يتم إيجاد حل مناسب.
واختتم بياه قائلا “رداً على خطاب استقالتي المؤرخ في 17 نوفمبر 2021، قبل الأمين العام في رسالته المؤرخة في 23 نوفمبر 2021 استقالتي اعتباراً من 10 ديسمبر 2021”.