"معركة الكوبالت".. كيف تحولت الكونغو لساحة صراع بين الصين والولايات المتحدة؟
مع زيادة الاهتمام العالمي بأزمة المناخ، تظهر بوضوح أهمية الطاقة النظيفة، ومن ثم تظهر أهمية المعادن التي تستخدم فيها، ومن ضمنها "الكوبالت" الذي بدا أنه سيشكل ساحة صراع عالمية جديدة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والصين.
عام 2016 بدأت الصين الاستحواذ على شركة (فريبورت ماكموران) الأمريكية التي تستحوذ على واحد من أكبر مناجم الكوبالت في العالم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأبرمت الشركة العملاقة للتعدين ومقرها أريزونا صفقة لبيع الموقع في الكونغو، والذي أصبح الآن في قبضة الصين التي تستعد لتكون المُتحكمة في إمدادات الكوبالت العالمية.
"الكوبالت "هو معدن هام ضمن العديد من المواد الخام الأساسية اللازمة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية - وهو الآن أمر بالغ الأهمية لإيقاف محرك الاحتراق، وفطم العالم عن الوقود الأحفوري في ظل أزمة المناخ.
أطلق أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين في إفريقيا في ذلك الوقت، ناقوس الخطر في وزارة الخارجية الأمريكية، منذ ذلك الحين بدأ اعتبار الأمر يشكل خطورة، ووفقاً لتحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الحديث الآن يدور حول أن الأمريكيين بددوا الأفضلية في الكونغو، مصدر أكثر من ثلثي الكوبالت في العالم، وأن صراع الكوبالت بدأ يُحسم لصالح "الصين".
اهتمام أمريكي تاريخي بالكونغو
أرسل الرؤساء الأمريكيون بداية من “أيزنهاور” مئات الملايين من الدولارات كمساعدات لدولة الكونغو، بما في ذلك طائرات النقل والمعدات العسكرية الأخرى، وتدخل ريتشارد نيكسون، كما فعلت وزارة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون، للحفاظ على تلك العلاقة وتطويرها، وقد استثمرت شركة “فريبورت مكبرون” مليارات الدولارات الخاصة بها - قبل أن تبيع المنجم إلى شركة صينية.
لم يقتصر الأمر على شراء الصين للمنجم المعروف باسم Tenke Fungurume ، خلال الأشهر الأخيرة من إدارة أوباما، ولكن خلال فترة رئاسة ترامب قامت بيكين بشراء الكوبالت الاحتياطي الذي طرحه “فريبروت مكبورن” في السوق. وكان المشتري هو نفس الشركة China Molybdenum.
سعي الصين وراء ثروة الكوبالت في الكونغو هو جزء من كتاب قواعد اللعبة المنضبط، الذي منحها أفضلية هائلة على الولايات المتحدة في السباق للسيطرة على كهربة صناعة السيارات، التي طالما كانت محركًا رئيسيًا للاقتصاد العالمي، وستزداد أهميتها خلال السنوات المقبلة مع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة.
معركة أمريكية مع الاتحاد السوفيتي حول الكوبالت
التحقيق الذي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" كشف عن تاريخ خفي لعمليات الاستحواذ على الكوبالت التي سلمت فيها الولايات المتحدة الموارد إلى الصين، وفشلت في حماية عقود من الاستثمارات الدبلوماسية والمالية في الكونغو، حيث كشف التحقيق أن الخسارة الأمريكية الكبيرة لصالح الصين حدثت أثناء إدارة أوباما، فيما بدأت الخسائر في الظهور في نهاية الحرب الباردة، وفقًا لوثائق سرية ومقابلات مع كبار المسؤولين في إدارات كلينتون وبوش وأوباما وترامب وبايدن.
لعقود من الزمان، كانت الولايات المتحدة قلقة من أن الاتحاد السوفيتي سوف يسيطر على النحاس والكوبالت واليورانيوم في الكونغو والمواد الأخرى المستخدمة في التصنيع الدفاعي، وكان تأمين المصالح الأمريكية موضوع قلق على المستوى الرئاسي وتضمن تدخلات مكثفة من قبل وكالة المخابرات المركزية.
لكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي، شعرت الإدارات الأمريكية بالراحة فحولت كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية الانتباه بعيدًا عن احتواء الشيوعية، وخفضت المساعدات المالية السخية التي ساعدت الشركات الأمريكية على القيام بأعمال تجارية في الكونغو، في الوقت الذي بدأ التغلغل الصيني في الكونغو.
كانت الشركات الصينية هي التي تقدمت بالعطاءات الجادة، وقالت كاثلين إل كويرك، رئيسة شركة “فريبورت مكبورن” في مقابلة: "لقد كانوا قادرين على التحرك بسرعة وأسرع من أي شخص آخر، لذلك تمت الصفقة".