«القادري»: التصوف يزيل سرطان الكراهية ويشكل دعوة لنبذ التعصب والعنف
أكد الدكتور منير القادري، رئيس مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف، أن الإسلام يعترف بوجود الآخر، ويعترف بوجهة نظره في الاعتقاد والتصور والممارسة، وذكر ما روي عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن أصبت أهله فهو أهله، وأن لم تصب أهله فأنت أهله"، مضيفًا أن الإنسانية التي عمتها الكراهية والأحقاد والخلافات على سراب زائل وظل حائل، في حاجة إلى التحرر من الطاقات السلبية التي لا تفضي إلا إلى التدمير والتخريب.
ودعا "القادري"، خلال مشاركته في فعاليات ليلة الوصال الصوفية رقم 79 إلى "استثمار الطاقات الإيجابية للإنسان في استبصار الحق حقا والباطل باطلا والعودة إلى حقيقة الإنسان النورانية المنطوية فيه، المفعمة بالمحبة التي تفيض مواجيدها فتنعكس على سلوكه، فيصير متخلقا بأخلاق ربه الذي نصبه للخلافة متحققا بصفاته بقدر الطاقة البشرية، فيتخلق باسمه تعالى الرحمن فيكون رحمة تمشي بين الخلق ويتخلق باسمه السلام فيكون لمجتمعه أداة سلم وأمان ومصدر سلامة واطمئنان، ويجتهد في تطهير نفسه والعمل على ترقيتها وتزكيتها وتهذيبها حتى تسلم جوارحه من الاعتداء والآثام وقلبه من الخواطر والأوهام، ويتخلق باسمه تعالى الواسع فيتسع قلبه لجميع الخلائق بارهم وفاجرهم حتى يصير ذلك الإنسان الكوني الذي يمثل الإنسانية في أسمى صورها إنسان الفطرة النقية الناصعة"، موردًا قول الجنيد البغدادي "لا يكون العارف عارفا حتى يكون كالأرض يطأه البر والفاجر وكالسحاب يظل كل شيء وكالمطر يسقي كل شيء ما ينبت وما لا ينبت".
وأشار إلى مساهمة الطابع الإنساني والعالمي للتصوف "مقام الإحسان"، وخطابه الوسطي المعتدل في دخول الناس في دين الإسلام أفواجا، موضحًا تأثير تراث الرومي وابن عربي ومالك بن دينار وغيرهم من علماء التصوف في انتشار الاسلام في ربوع الأرض، وأكد أن الصوفية يفتحون القلوب والارواح قبل فتحهم للبلدان، موردًَا قول الصوفية المشهور "لا تكره يهوديا ولا نصرانيا ، فاكره نفسك التي بين جنبك، فإن أطاعتك أطاعك الكون كله"، وسلط الضوء على اهتمام الصوفية بالجهاد الأكبر" جهاد النفس"، مستدلا بالحديث الشريف "رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر، قيل يا رسول الله وما الجهاد الاكبر؟ قال: جهاد النفس".
وأوضح، أن منهج التصوف يرتكز على أن يجاهد الإنسان عيوبه ويتحلى بالأخلاق المحمدية عن طريق ذكر الله ومجالسة الصالحين وتلاوة القرآن والصلاة على النبي، من أجل تنقية القلب من الأدران وتزكية النفس من العجب والحقد وحتى يكون الإنسان المسلم مصدرا للسلم والسلام محبا للخير للجميع، مضيفا أن "التصوف يتوجه للإنسان باعتباره غاية في نفسه ينبغي أن يطور من استراتيجياته الخطابية ويخاطب الناس على قدر عقولهم واستعداداتهم ويفكر في السبل التي تخرجه من حيز الضيق المقصور على أهله إلى آفاق أرحب وأعم، ويسعى الى تأسيس خطاب كوني قادر على مخاطبة الجانب الروحي في الانسانية جمعاء، لأن هذا البعد الروحي هو خصوصية من خصوصيات الإسلام الإحسانية والتزكوية.
وأردف "القادري"، أن رسالة التصوف هي رسالة التسامح الذي يزيل سرطان الكراهية، وأنه يشكل دعوة صريحة الى نبذ التعصب والعنف الذي يعمي العقول قبل العيون ويولد المشاعر السلبية اتجاه ابناء البشرية عموما وينتهي الى نبذ الآخر ولو كان من نفس العرق أو الدين، موضحًا أن التصوف منظومة اخلاقية وسلوكية تدافع عن مستقبل البشرية جمعاء وعن مستقبل الأجيال المقبلة.
التصوف المغربي السني
واختتم حديثه بالتأكيد على أن «التصوف المغربي السني» يشكل رافدا للمحبة والاخوة الانسانية ودعامة لتجاوز الخلافات بين الشعوب وتأسيس لأشكال من التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات وزرع بذور الأمل والأمن والأمان والسلم والسلام في النفوس وفق نظرة شمولية سديدة والرعاية مولوية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي اتسمت كل قراراته اتجاه رعاياه بالعطف الأبوي، وفي اتجاه دول الجوار بالحكمة وبعد النظر وتغليب مبدأ رابح رابح، سياسة رشيدة هدفها الدائم إشاعة روح التعاون وجمع شمل الأمم على قيم الاحترام المتبادل والتعايش والسلام، مترفعا عن سفاسف الأمور قاصدا جلالته في كل حركاته ومبادراته خير الوطن والصالح العام للإنسان، ومد جسور المحبة والوئام لسائر البلدان، مما يدل على ان المغرب قلعة التسامح ونبذ خطاب الكراهية والعنف".