الاقتصاد المظلم: كيف تسعى الدولة لضم غير الرسميين لمظلّتها؟
بعد العديد من الإحصائيات التي صدرت لحصر الاقتصاد غير الرسمي وحجم المساهمة التي يمكن أن يشارك بها في الحصيلة الإجمالية للناتج المحلي القومي في حال تم دمجه مع المظلة الرسمية للدولة، وهو ما تسعى له القيادة السياسية من خلال العديد من الإجراءات التي أصبحت تتخذها وتوفرها لتيسيير السبل على أصحاب هذه الأنشطة لدمجهم.
في تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء، أوضح أنه وفقًا لبيانات التعداد الاقتصادي في مصر عام 2017/ 2018، استحوذ القطاع غير الرسمي على نسبة 53% من إجمالي المنشآت في قطاعات الأنشطة الاقتصادية، وكانت له النسبة الكبرى ببعض القطاعات.
قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد غير الرسمي ظهر نتيجة التخوفات من الاندماج في الاقتصاد الرسمي الذي يعني فرض ضرائب ورسوم على العاملين فيه وبالتالي يقلل من هامش الربح بالنسبة لهم، لكن الابتعاد عن السجلات التجارية والرسمية للدولة قد يعطي لهم زيادة أرباحهم والابتعاد عن الرقابة من جانب الدولة وفقًا لمنظورهم الذي تبنوه.
مصانع بير السلم
وتابع أنه من هذا المنطلق ظهرت مصانع بير السلم والباعة الجائلين وبعض الأعمال الحرفية كل هذه الأنشطة تمثل اقتصاد غير رسمي تلجأ للابتعاد عن الاقتصاد الرسمي للابتعاد عن الاجراءات والتراخيص وبعض التعقيدات والأمور الصعبة.
وعن الاتجاه الذي أصبح منتشر بكثافة من كتابة السجل الضريبي والتجاري لأي نشاط تجاري سواء في الإعلانات المتلفزة أو على الاعلانات المطروحة على وسائل التواصل أو على مواقع الانترنت وأي وسيلة أخرى، يجيب الادريسي، لـ"الدستور"، أن الدولة تؤكد على وسائل الإعلام المختلفة إن عمليات الترويج تكون لسلع ومنتجات معتمدة ورسمية من جانبها.
استطرد: "حدث خلال الفترة الماضية للأسف كان يتم الإعلان في التليفزيون والقنوات الفضائية عن منتجات مجهولة الهوية والمصدر، وتم الاكتشاف بعد ذلك أنها مصانع بير سلم واستطاعت أن تقدم منتجها دون الاستعلام عن السجل التجاري والضريبي وكان يتم الإكتفاء في الإعلانات بوضع إشارة "بتصريح من وزارة الصحة" دون تحديد أي تفاصيل تثبت ترخيصه "وترخيص وزارة الصحة شيء والسجل الضريبي شيء آخر.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الدولة تتحرك بقوة لعملية الدمج للاقتصاد غير الرسمي لمظلّتها هي التحول الرقمي والشمول المالي وهي الملفات الأساسية، وهناك ملفات قديمة حديثة مثل الإعفاءات الضريبية والتسهيلات في الإجراءات والتراخيص وعمل مجمعات صناعية مثل منطقة الروبيكي ومدينة الأثاث ومدينة الذهب وغيرها لتجميع الورش العاملة في هذه الحرف في إطار قانوني ووضع مقنن بشكل أفضل.
التحول الرقمي
أضاف أن التحول الرقمي والشمول المالي أصبحوا الملفيين الأساسين وخاصة التحول الرقمي لأن الإجراءات الضريبية أصبحت مربوطة بشكل واحد وتضغط بشكل كبير على الاقتصاد غير الرسمي للاندماج، فكل الخدمات الحكومية أصبحت رقمية فلا يمكن التصدير أو الاستيراد إلا من خلال تقديم الأوراق الرسمية المثبتة أو الدخول للمناقصات وهكذا كل هذه تمثل ضغط على الاقتصاد غير الرسمي للدمج.
يشير التعداد الاقتصادي إلى أن عدد المنشآت العاملة في القطاع غير الرسمي بلغ 2 مليون منشاة بنسبة 53% من إجمالي المنشآت العاملة في مصر عام 2017/2018 مع ملاحظة أن 59.4% منها تعمل في تجارة الجملة والتجزئة، تليها الصناعات التحويلية بنسبة 14.1%، وهي في معظمها منشآت صغيرة ومتناهية الصغر؛ حيث تصل نسبة المنشآت التي يبلغ رأس مالها المستثمر أقل من 100 ألف جنيه نحو 81% من الإجمالي.
تليها المنشآت الأقل من 200 ألف جنيه، وأكثر من 100 ألف بنسبة 18%، ولذلك فإن نسبة المنشآت التي يعمل بها أقل من 5 أشخاص تصل إلى 96% من الإجمالي، تليها المنشآت التي تستخدم من 5 إلى أقل من 10 أشخاص بنسبة 4%، ولذلك يتم أخذ نحو 95% منها شكلَ المنشأة الفردية من الناحية القانونية، كما يشير التعداد إلى أن نحو 72% من هذه المنشآت تم إنشاؤها بعد عام 2010.
تعظيم الحصيلة الضريبية
وأكد الدكتور مصطفى أبو زيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الدولة المصرية خلال الفترة الماضية قامت بمحاولات عديدة لضم الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي بهدف تعظيم الحصيلة الضريبية وانعكاس الوضع الحقيقي الذي يمثله الاقتصاد المصري، خاصة أمام المؤسسات الدولية لأنه وفقا للتقديرات الخاصة بحجم الاقتصاد غير الرسمي تقدر بحوالي 4 تريليون جنيه وفقا لدراسة أعدها اتحاد الصناعات المصرية في عام 2018.
وتابع "لكن حتى هذا الرقم ليس دقيقا ليوضح الحجم الحقيقي للاقتصاد الموازي، إنما يقترب إلى حد ما لتكون هناك صور مبدئية لسيناريو إذا ما استطاعت الحكومة المصرية دمج هذا الحجم الكبير داخل الاقتصاد الرسمى سيكون له أثر إيجابي مباشر على المالية العامة للدولة؛ بما يساهم في وضع مستهدفات دقيقة لما تريد تحقيقه من معدلات نمو مستدامة وتراجع في العجز الكلى للناتج المحلي الإجمالي وكذلك توليد فرص عمل وزيادة مخصصات قطاعات التعليم والصحة وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية.
قانون للمشروعات الصغيرة والمتوسطة
وأضاف أن الدولة قدمت قانون للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وأصدر لائحته التنفيذية ليتضمّن العديد من الحوافز الضريبية منها أنه لن يتم المحاسبة بأثر رجعي وإنما المحاسبة تبدأ من وقت تقديم طلب ترخيص مؤقت لتوفيق الأوضاع وأيضا بتحديد ضريبة قطعية على حجم الأعمال التي تقل عن 250 ألف جنيه سنويا عليها ضريبة 1000 جنيه سنويًا، والمشروعات التي يتراوح حجم أعمالها من 250 ألف - 500 ألف جنيه يتم فرض ضريبة 2500 جنيه والمشروعات التي يتعدى حجم أعمالها 500 ألف جنيه يفرض عليها ضريبة 5000 جنيه.
وذكر مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أنه مع كل تلك الحوافز لم تؤت ثمارها لعدة أسباب أولا لا بدّ أن يكون هناك شرح وتبسيط لقانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل مكثف ومستمر من خلال وسائل الإعلام المختلفة حتى تصل الرسالة التوعوية عبر بيان كافة الحوافز والفوائد التي ستعود على أصحاب الأعمال عند انضمامهم داخل منظومة الاقتصاد الرسمي، وأهم نقطة هو أن يطمئن هؤلاء على عدم تحميلهم أي أعباء إضافية أو مسائلة قانونية عن فترة التخلف خارج المنظومة الرسمية.