كُتّاب عن استبدال النقد بالانطباعات: ناتج سيولة الإدلاء بالأراء
تشهد الصحف والمدونات والمواقع الثقافية مقالات مشغولة برؤى انطباعية وثقافية عن الأعمال الإبداعية، وعلى مسافة مع النقد الأكاديمي، بل إنها صنعت جدارا عازلا معه، عن طبيعة تلك الانطباعات والرؤى التي شغلت المنصات الثقافية، يطرح "الدستور" السؤال الصعب، هل يمكن إدراجها تحت أحد أشكال النقد الأدبي أم تظل رؤى انطباعية ولا يمكن توصيفها بالنقدية؟
يرى المترجم والكاتب الروائي أشرف الصباغ أن مسألة القراءة (وإعادة القراءة) تمر بعدة درجات، تبدأ ببوست عادي على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنتهي بإصدار كتاب عن عمل إبداعي أو عدة أعمال، وربما تنتهي برسالة ماجستير أو دكتوراه عن عالم هذا المبدع أو ذاك، مرورا بانطباعات الصحفيين عن كتاب أو رواية، ورأي المثقفين على مدوناتهم وصفحاتهم ومقالاتهم الصحفية في رواية أو كتاب.
ويتابع الصباغ: “نحن بصدد سيولة جبارة في الكتابة والإدلاء بالآراء (على الفاضي وعلى المليان من أجل إثبات الحضور) في كل شيء، هذه السيولة هدمت الحدود بين أشكال النقد (القراءات وإعادة القراءات) المختلفة، وأهدرت قيمة النقد الأكاديمي، وتكاد تحل محل المدارس والمذاهب النقدية، والرؤى الرصينة، والتعامل العميق المسؤول”.
ويلفت الصباغ إلى أن “ما يحدث في الصحف وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات هو محاولات للتواجد (لتواجد أصحاب الكتابات أنفسهم وليس من يكتب عنهم أو عن أعمالهم)، ولكن السهولة والاستسهال والركض والعجلة والتسرع تقلل كثيرا من قيمة هذه المحاولات والمساعي”.
ويري الصباغ أن “ما يكتب في الصحف والمدونات كلام من ضمن فوائض كلامية كثيرة. ولكن للأسف الشديد، نحن أمام أمر واقع يقضي أو يفرض أهمية هذه الكتابات العابرة والسهلة والبسيطة وغير المعبرة في ظل غياب النقد الحقيقي وفي ظل غياب المنابر والمنافذ الجيدة والجادة للنقد الحقيقي الجاد والعلمي والأكاديمي الذي يؤسس لحركات فكرية وثقافية ومعرفية”.
ويختم الصباغ: “يبدو أننا كلنا مجبرون على قبول كل ما يحدث لعدم وجود البدائل الجيدة والحقيقية، إننا نواجه كوارث متلاحقة ومتصلة ومتواصلة بسبب الكسل والاستسهال بتصدير انطباعات ورؤى لا ترقى لمفهوم النقد”.
من جانبه، يرى المترجم والروائي إسحاق روحي الكتابات النقدية الأجنبية متأثرة بمدارس النقد الحديث وهي تهتم بدراسة النص وفهم مراد الكاتب منه وما يضمنه في سطوره من أفكار ورؤى، النقاد يتجاوزون عن الحديث الشائع عندنا عن إن السرد كذا وكذا، والحوار كذا كذا، وهناك النص كذا وكذا، من باب تصديرادعاء الموضوعية.
ويؤكد روحي أن الكتابات النقدية الأجنبية موضوعية أكثر كثيرًا وتتجاوز طفولية الامتداح أو التسفيه بشكل غير منطقي كما يحدث كثيراً عندنا، ويلفت روحي إلى أن النقد الأكاديمي هام جدًا، بالرغم أن نقد أكاديمي صرف وعامر بمصطلحات وصياغات صعبة على القارئ العادي، وهذا جزء من الخلل الذي يعيشه النقد.