من العقاب إلى التأهيل
تذكرت وأنا أشاهد ذلك الصرح الكبير الذى قامت وزارة الداخلية ببنائه وتجهيزه كمركز للإصلاح والتأهيل بوادى النطرون فى مدة لا تتجاوز عشرة أشهر... تذكرت تلك المأموريات التى كنا نقوم بها لتسليم المتهمين فى العديد من القضايا إلى السجون المختلفة لتنفيذ العقوبات التى صدرت بشأنها الأحكام وكنت أرى فى كل مأمورية أقوم بها تلك المحاولات الجادة التى تقوم بها مصلحة السجون لتحديث وتطوير المرافق والخدمات التى تقدم للمحكوم عليهم فى إطار التوجيهات الصادرة لهم بتطبيق قواعد حسن المعاملة وتوفير الغذاء والعلاج وأيضاً الدراسة لمن يرغب فى ذلك ولكن لم يكن فى مخيلتى آنذاك أنه سوف يأتى اليوم الذى تتحول فيه تلك المؤسسة العقابية إلى مؤسسة تأهيلية وإصلاحية بهذا الشكل الراقى الذى تم تصميمه بأسلوب علمى وتكنولوجيا متطورة تمت خلالها الاستعانة بأحدث الدراسات التى شارك فيها متخصصون فى كافة المجالات ذات الصلة للتعامل مع المحتجزين وتاهيلهم وتمكينهم من الاندماج الإيجابى فى المجتمع حتى وهم يقضون فترة عقوبتهم.
لن أقوم هنا بوصف ذلك المركز حيث سوف أكتفى بالقول إنه قد روعى فى تصميمه توفير كافة الأجواء الملائمة فى مناطق الاحتجاز من حيث التهوية والإنارة والمساحات الخضراء وأماكن للتريض ومراكز للتدريب المهنى والفنى والورش المجهزة على أعلى الإمكانيات بخلاف مناطق الزراعات والصوب الزراعية والثروة الحيوانية حيث تم تجهيز المنطقة الخارجية للمركز كمنافذ لبيع تلك المنتجات يخصص جزء من العائد المالى منها للنزيل...ناهيك عن بناء مستشفى مركزى مجهز بأحدث المعدات والأجهزة الطبية وغرف عمليات ورعاية مركزية وغيرها من الخدمات التى تقدم بدون مقابل لهم.
إلا أن أهم ما استلفت نظرى - كرجل أمن - هو وجود مجمع للمحاكم داخل هذا المركز والذى يضم 8 قاعات لجلسات المحاكمة حيث يتم عقد المحاكمات بها وتنفيذ الأحكام الصادرة عنها فى نفس المركز وهو ما يمكن اعتباره بالفعل نقطة تحول كبيرة فى التعامل مع المتهمين خاصة فى المعاناة التى كانوا يتعرضون إليها عند انتقالهم إلى المحاكم المختلفة وأيضاً لتفويت الفرصة على أى محاولات للهروب أثناء ذلك.
لقد أصبح يمكننا القول إن الاستراتيجية الأمنية فى إدارة المؤسسات العقابية قد تحولت إلى مؤسسات إصلاحية وتأهيلية ترتكز على محاور الفلسفة العقابية الجديدة التى تقوم على تحويل أماكن الاحتجاز التقليدية إلى أماكن نموذجية لإعادة تأهيل النزلاء من منطلق أحقية المحكوم عليهم بألا يعاقبوا مرتين عن جرمهم وهو ما يعد ترجمة حقيقية لما جاء فى مشروع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتى تم إطلاقها مؤخراً...ويأتى كل هذا مواكباً لاتجاه المجتمع الدولى بالاهتمام بتحسين ظروف المحتجزين باعتبارها أحد الجوانب المهمة لحقوق الإنسان وهو ما يعد ترسيخاً لاتجاه الدولة المصرية لاحترام قيم ومبادئ تلك الحقوق فى إطار السياسة التى قام السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى بتدشينها منذ توليه مسئولية إدارة الدولة المصرية والتى بدأها بالعمل على توفير المسكن اللائق للاسرة المصرية بديلاً من العشوائيات التى كان يتواجد بها الآلآف من تلك الأسر وجاء ذلك متوازياً مع المبادرات الصحية التى كان يطلقها سيادته بين الحين والأخر والتى أسفرت عن خلو الدولة المصرية من مرضى فيروس سى وغيرها من المبادرات التى كانت محل تقدير واحترام المجتمع الدولى.
وتأتى بعد ذلك الرؤية الأمنية التى من المؤكد انها محل اعتبار من القيادات الامنية بوزارة الداخلية وعلى رأسهم السيد الوزير وهى ضرورة ألا يضم ذلك الصرح هؤلاء المتهمين فى قضايا إرهابية وأيضاً أعضاء جماعة الإخوان وقضايا العمالة لدول أجنبية فمراعاة حقوق الإنسان لسجين فى تلك القضايا يجب ألا تجعلنا نجور على حق أسر الشهداء فلا يمكن بطبيعة الحال أن يتمتع ذلك الإرهابى بتلك المزايا الموجودة بمركز التأهيل والإصلاح فحقوق الإنسان لأسر الشهداء مقدمة على حقوق الإنسان المتهم بقتل هؤلاء الشهداء....وأيضاً فيما يتعلق بالمتهمين فى قضايا عقائدية والذين من الممكن أن يكون لهم تاثير سلبى على عقول وإذهان وتوجهات المسجونين فى قضايا أخرى خاصة من الشباب والذى من الممكن أن يتأثر بتلك الأفكار والمعتقدات الهدامة والتى قد تجعل منه إرهابياً أو متطرفاً ... وكما ذكرت فإننى على يقين أن ذلك لن يغيب عن رؤية وتقدير الأجهزة الأمنية المعنية.
ويبقى أخيراً أن أشير وأشيد برؤية القيادة السياسية لتبنى هذا الاتجاه الإصلاحى الذى يهدف إلى تحقيق عدة نتائج ليست قاصرة فقط على التأكيد على حقوق الإنسان ولكن أيضاً تاهيل وإصلاح نزلاء هذا المركز بالشكل الذى يجعلهم مواطنين صالحين يشاركون أبناء وطنهم فى بناء الجمهورية الجديدة التى نسعى جميعاً فى الوصول إليها وهى دولة العلم والإنتاج والأمن والاستقرار بإذن الله.. وتحيا مصر