التكلفة الاقتصادية للعنف ضد النساء
لأول مرة فى تاريخ مصر، يحدث هذا التغير الجذرى والنوعى فى وضع النساء وتمكينهن، سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى أو الثقافى، فخلال ٦ سنوات فقط كانت فيها القيادة السياسية مساندة وداعمة لإمكانات النساء وقدراتهن، بداية من دستور ٢٠١٤ الذى اشتمل على ٢٠ مادة دستورية تضمن حقوق النساء فى جميع المجالات، ومنها المادة ١١ التى تنص على أن «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور».
وعملت مؤسسات الدولة كذلك على حزمة من القوانين أُدخلت عليها تعديلات تتسق وما تم إعلانه فى الدستور من العمل على مساواة المرأة وتمكينها من ناحية، وإتاحة الفرص المتكافئة وتوفير بيئة آمنة لها، خالية من العنف بأشكاله وأيضًا إنهاء التمييز ضدها على جميع المستويات.
وتحقق ذلك بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية ٢٠٣٠، اللى اعتمدها الرئيس السيسى فى سنة ٢٠١٧ «عام المرأة المصرية»، وأقرها كخارطة طريق للحكومة المصرية.
كل ده يدينا أمل نقدر نعيشه فى واقعنا، خاصة إحنا الستات اللى بننشد نعيش بكرامة وإنسانية ونستبشر بمستقبل آمن لبناتنا وأولادنا كمان.
لكن الفجوة بين كل الجهود التى تقوم بها الدولة وبين الثقافة الاجتماعية المستمدة من الأفكار الغريبة التى تم ترسيخها فى مجتمعنا، كأن يظهر أستاذ أزهرى فى برنامج نسب مشاهداته عالية ومع إعلامى محترم ويقول: «النساء مبالغات فى الشكوى»ـ واعتبر أن هذه قاعدة لازم قبل ما نسمع أى شكوى من أى ست، حتى لو كان زوجها قد ضربها بسكين وحرمها من أطفالها بما فى ذلك طفلة بعمر أسبوعين، ثم يسخر من الست المعنفة بشكل قاس ويطالبها بعدم استفزاز الزوج وهدم البيت ويكمل بخفة: «من أجل الورد يتسقى العُلّيق».
وبعيدًا عن رأى الأزهر الرسمى، فإن الشىء المؤسف فعلًا إن ده رأى آلاف المشايخ فى الجوامع، واللى لهم تأثير قوى على الناس فى مجتمعاتهم المحلية.
ونرجع لثقافة المجتمع المتوارثة لشكل العلاقة المفترض تكون بين الرجل وزوجته بداية من «ادبح لها القطة» وانتهاء بـ«هتجوز عليكى وأسيبك زى البيت الوقف» وبين ذلك يكون «اكسر لها ضلع» ويبدأ التحكم فى المرأة بداية من ميلادها وحتى مماتها من كل «الذكور» فى مجتمعها، سواء على صلة قرابة أم لا عن طريق فرض الوصاية والهيمنة، سواء فى البيت أو الشارع أو العمل، وإذا ظهر أى اعتراض أو عدم انصياع للمنظومة الاجتماعية دى والمدعومة دينيًا وثقافيًا، فإن العنف هو الأداة اللى من خلاله بيتم الترويض والإخضاع لإرادة الأوصياء.
فى خلال عملى لسنوات طويلة مع الستات المُعَنَّفَات، كانت الحكايات متشابهة، وآثار العنف البدنى والنفسى كانت تترك علامات متشابهة وندبات غائرة لا تمحوها المساندة والدعم، طالما أصل المشكلة موجود والجانى لا يعترف بجرمه أو ينوى تغيير سلوكه، بل يعتبر العنف واجبه من خلال ما يتخيل أن الأديان والثقافة قد منحته له من «حق التأديب والتقويم»، وحين كانت تتم مقابلات بعد جهد مع بعض المُعنّين فى تلك العلاقات المسمومة، سواء كانوا أزواجًا أم آباءً أم إخوة، كان السبب اللى بيتقال من معظمهم: أصلها ما بتسمعش الكلام، أصلها بترد علىّ، أصلها بتخرج من غير إذنى، ما بتعملش اللى عايزه.. و.. و.. وأسباب كثيرة ومتشابهة ونتائجها متشابهة أيضًا.
العنف ضد الستات لا يترك آثارًا بدنية ونفسية عليهن فقط، بل له تبعات سلبية على المجتمع ككل، فبحسب مسح قام به الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بالتعاون مع المجلس القومى للمرأة سنة ٢٠١٥، فإن التكاليف الاقتصادية الناتجة عن العنف ضد الستات بينت أن ضحايا العنف وأسرهم بيتكلفوا ١.٤٩ مليار جنيه سنويًا نتيجة لعنف الزوج فقط من بينها ٨٣١.٢٣٦ مليون جنيه تكلفة مباشرة، و٦٦١.٥٦٥ مليون جنيه تكلفة غير مباشرة.
ويقدر أن تصل التكلفة الإجمالية ٦ مليارات و١٥ مليون جنيه مصرى سنويًا إذا ما استمر نفس المعدل من العنف على يد الزوج أو الخطيب.
وقد وضح التقرير أن تكلفة السكن البديل أو المأوى عندما تترك المرأة منزلها بسبب العنف على يد الزوج تصل إلى ٥٨٥ مليون جنيه سنويًا.
وتقدر التكلفة الإجمالية التى تتكبدها النساء وأسرهن بسبب العنف ما لا يقل عن ٢ مليار و١٧ مليون جنيه، استنادًا إلى تكلفة آخر ما واجهته النساء من حوادث العنف الشديد.
ويتكلف ضحايا العنف وأسرهن نحو ٥٤٨ مليون جنيه سنويًا للوقت الإضافى الذى يقضونه فى تغيير الطريق أو وسيلة المواصلات أو الاستعانة برفيق لتجنب التحرش فى الأماكن العامة.
وتقدر تكلفة العنف ضد المرأة فى الأماكن العامة بنحو ٥٧١ مليون جنيه سنويًا.
والدولة تفقد نحو نصف مليون يوم عمل للنساء المتزوجات الناجيات من العنف الزوجى، و٢٠٠ ألف يوم عمل للزوج سنويًا بسبب العنف الأسرى.
أخيرًا العلاقات المسمومة ينبغى أن يخضع أطرافها لتأهيل ودعم نفسى وأسرى، وأن يتم التعامل مع المُعَنِفين وفق المنظومة القانونية تحت مظلة الدولة المنصفة.
فليس هناك ما يبرر العنف مطلقًا فى جمهوريتنا الجديدة.