في ذكرى ميلادها.. هكذا ساهمت نوال السعداوي في سن قوانين حماية المرأة
شهد العقد الأخير من الألفية الثانية، مكتسبات حققتها المرأة المصرية، من بينها ــ وربما أهمها ــ تغليظ عقوبة ختان الإناث لتصل إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، وهو القانون الذي سنه مجلس النواب في الربع الأول من العام الجاري.
لم يكن الوصول إلى هذا القانون التاريخي إلا بمجهودات ونضالات النساء اللاتي حملن راية المطالبة بحقوق بني جنسهن "النساء"، وتأتي الدكتورة نوال السعداوي، والتي ولدت في مثل هذا اليوم من العام 1931. فعبر كفاحها ومثابرتها الطويلة بلا كلل ولا ملل، جنت المرأة المصرية ثمار كفاحها فكانت حزمة من القوانين المناصرة للمرأة، من بينها وأحدثها أيضا، قانون تغليظ العقوبة على المتحرش في شهر يوليو الماضي، وإلغاء البند المالي من العقوبة لتصبح السجن وتتحول العقوبة من جنحة إلي جناية.
ــ "نوال السعداوي".. السيرة أطول من العمر
ورغم مرور عام علي رحيل الدكتورة نوال السعداوى٬ إلا أنها مازالت ملء السمع والبصر، سواء تبجيلا لمواقفها والتزامها الحديدى فيما يخص قضايا المرأة، والتي جاهرت وعبرت عنها بشجاعة، وبشرت مبكرا جدا بقضية الجنوسة والنوع باعتبارها قضية إنسانية أخلص مفاهيم العدل والحرية والمساواة. كما أنها لم تتوقف عند مجرد الدعوة والحث والتحريض على احترام جدارة المرأة واستحقاقها للاحترام والاعتبار ولكنها تعد أول من عمق تلك الفكرة بأدلة علمية ودراسات فلسفية ورؤى فكرية ثاقبة.
والدكتورة نوال السعداوى مناضلة من طراز رفيع وكان نضالها ومعاناتها مع مجتمعها شهادة بطولة بالنسبة لها، بابداعها وصمودها أثبتت الكثير مما كان ينبغي أن يكون من المسلمات فى مجتمع القرن العشرين والحادى والعشرين وفى بلد رائد وعريق كمصر. ودفعت قضية المرأة مرتبطة بقضية العدل والحرية إلى الأمام بقوة ومضاء فائقين.
كانت نوال السعداوي أول من عرّت ــ من خلال كتبها ــ ذل المرأة العربية وضعف الرجل المتمترس برجولته. ولم تخجل من تعرية نقاط ضعفها هي في الشكل والمضمون وسخّرتها لتوصيل أفكارها للقراء ولتشجيع المرأة ألا تخجل من ضعفها.
ــ «المناطق المحرمة بالخوف والإثم»، ما يشبه السيرة الذاتية للدكتورة نوال السعداوي
وفي كتابها الصادر تحت عنوان «المناطق المحرمة بالخوف والإثم»، تروي الدكتورة نوال السعداوي، ملامح من سيرتها الذاتية بلا تردد ولا خوف من البوح كما هي عادة السير الذاتية العربية، تقول "السعداوي" عن والداتها التي تعلمت منها النضال والمثابرة: أصبحت أمّي تحذّرني من المساس بالذات الأعلى، لم أعرف بالضبط ما هي الذات الأعلى، لكـنّي ابتعدت تمامًا عن أمور السياسة، تخرجت في كلية العلوم بتفوّق، وحصلت على وظيفة ممتازة في شركة كـبيرة، ذات يوم من شهر مارس، سمعت زميلاتي يتحدثن عن مسيرة نسائية في عيد المرأة، قالت أمي: «اذهبي يا بنـتي وأنا معك فالجميع يتحدّثون عن تمكين المرأة يا بنـتي أمور النساء لا تدخل في السياسة ولا تمسّ الذات الأعلى يا بنـتي»، ارتدت أمي فستانًا جديدًا لونُه أبيض، وضعت شالًا أخضر حول كتفيها، سارت بين صفوف النساء بخطوة نشيطة، عادت فتاةً عذراءَ تضحك وتمرح، أول مرّة أسمعها تضحك، سرت إلى جوارها، يدي في يدها، نهتف مع الشابّات: "صوت المرأة ثورة، صوت المرأة ليس عورة».
فجأة هجم علينا البوليس، ورجال بالجلاليب والشوم، أصابت أمي ضربة فسقطت فوق أسفلت الشارع، تجمعنا حولها أنا وزميلاتي نلفّ الشال الأخضر حول رأسها لإيقاف النزيف، لكنّ ضربة أخرى أصابتني أفقدني الوعي، حين أفقت وجدت نفسي في السجن ومعي أمي ومجموعة من البنات، كانت أمي تـنزف ولا أحد يسعفها، وأنا في شبه غيبوبة.
ماتت أمي بعد إعادتها للبيت بأسابيع قليلة، وأنا تعرّضت للفحص الطبّي بالسجن، لم أعرف ماذا كانوا يفحصون بالضبط، لم أملك الشجاعة لأنظر لجسدي بعد خلع ملابسي، خاصة إلى تلك المنطقة المحرّمة المحاطة منذ طفولتي بالخوف والإثم، وبقيت في زنزانتي العام وراء العام، ستة أعوام، ثم توقّف عقلي عن التفكـير تمامًا وشعرت بالراحة.
ــ ماذا دار بين نوال السعداوي والفيلسوفة الهندية
وتلفت نوال السعداوي إلي دور الأب والأم في شغفها بالترحال والمعرفة: «أخذت عن أمي وأبي منذ الصغر حب القراءة والاستطلاع والسفر والبحث في التاريخ والعلوم والفنون، عشت في الهند خلال السبعينيات من القرن العشرين، وقابلت الأدباء والأديبات منهن كاملة داس وأمريته بريتام، قابلت أنديرا غاندي وناقشتها في أفكارها، تمددت مع الهنود فوق المسامير، عشت بعض الليالي القمرية في أشرم غاندي، قابلت فيلسوفة هندية في الأشرم، وقالت لي: "لم يفرق غاندي بين الدين والسياسة، وقال لو أراد الله أن يؤمن به الهنود فلا بد أن يظهر لهم على هيئة رغيف الخبز"، عكفت عدة أيام في نيودلهي أقرأ كتاب "الجينا" وهو فلسفة الدين الهندوكي والمنبع الذي نهل منه كثير من علماء النفس والسياسة في العالم الحديث، لكن تظل الفلسفة الدينية وإن تقدمت عاجزة عن مواكبة التقدم السريع في العلوم، ويظل الدين سلاحا في الحروب الطبقية الأبوية العنصرية حتى اليوم».