الأنبا مكاريوس يكشف رأي الكنيسة الأرثوذكسية في مسألة التبرع بالأعضاء
كشف الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا، رأي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في التبرع بالأعضاء.
وقال الأنبا مكاريوس أسقف المنيا في بيان له، في ردّه على أسئلة شباب الأقباط في أمريكا، إن البابا تواضروس الثاني، شجع على نقل الأعضاء من شخص منتقل، شريطة موافقة ذوي المنتقل، فيما كان المتنيح البابا شنودة قد وافق من قَبل على التبرُّع بالأعضاء في حياة الشخص وبعد موته أيضًا.
وتابع أسقف المنيا “وتستند موافقة الكنيسة -بل تشجيعها- على التبرُّع بالأعضاء، سواء أثناء الحياة أو بعد الموت، على مبدأ العطاء غير المحدود، والذي يبدأ بالتعاطف والاهتمام وبذل الوقت، مرورًا بالعطايا المالية والعينية، إلى الأشياء التي يمكن تعويضها مثل التبرُّع بالدم أو الشعر (تضامنًا مع مرضى السرطان ولا سيما الأطفال)، إلى التبرُّع بإحدى الكليتين أو جزء من الكبد لإنقاذ حياة شخص، أو إحدى القرنيتين لإتاحة الفرصة لإبصار شخص مُهدَّد بالعمى الكامل، وكذلك أجزاء من العظام لعلاج بعض الذين تعرّضوا للحوادث، وغيرها من أنواع التبرُّع المتعدّدة لإنقاذ حياة الآخرين دون التضحية بحياة المتبرِّع”.
وواصل "وفي نفس الاتجاه واستمرارًا للعطاء، يوصي البعض بأنه لا يمانع من نقل ما ينفع من أعضائه بعد وفاته لإنقاذ حياة آخرين، وهو أمر شائع في بلاد كثيرة، حيث تكون هناك قائمة انتظار للمحتاجين، كلٍّ بحسب مواصفات العضو المطلوب.
ونُشِر على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا صورة لطفل قبل موته وبجواره الطفل الذي سيحيا بعده بقلبه، وكان البطل في القصة والدي الطفل الذيْن تأكدا أنه سيموت لا محالة، وقد وافقا من ثَمّ على التبرُّع بالقلب.
وتابع “ولكن الأعظم من هذا وذاك وكافة التبرُّعات على مُختلَف أنواعها، هو تبرُّع شخص بأعضائه مُضحِّيًا بحياته كلها من أجل شخص آخر تتوقف حياته على هذا التبرُّع، وهذا ويُعَد تبرُّع الإنسان بالأعضاء -ميتًا وحيًا- هو أسمى درجات التضحية؛ إن في ذلك صدىً لفكرة الفداء لا سيما مَنْ يبذل حياته لأجل آخر”.
وواصل “ويعبِّر البعض عن مبلغ محبتهم واستعدادهم للتضحية بالقول: أعطيك عيني، وهو تعبير المقصود به -ولو رمزيًا- التنازل عن أغلى ما يملك الشخص لأجل من يحبه، وهذا ما أشار إليه القديس بولس الرسول في حديثه لأهل غلاطية «لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي» (غلاطية 4: 15). وكثيرًا ما فضّلت الأم جنينها على حياتها هي، فحين خيّروها بين حياتها واستمرار الحمل والمولود، اختارت أن تموت هي ليحيا هو (ذلك قبل أن تراه وتتعلّق به ليكون هناك مُبرِّر للتضحية)، وكثيرًا ما ضحّت أم بنفسها لإنقاذ أولادها حين دافعت عنهم حتى الموت، سواء ضد الوحوش أو اللصوص أو النيران وغيرها”.
وأضاف “كان التبرُّع بالأعضاء والإنسان حيٌّ جائز، فكم بالحري بعد وفاته، ولكن التحفظ الوحيد في التبرُّع بالأعضاء -سواء في الحياة أو بعد الموت- هو أن يكون ذلك بكامل رغبة المُتبرِّع، وألّا تكون هناك شبهة تجارة في الأمر، سواء بغرض الحصول على المال، أو من خلال جرائم خطف الأطفال للمتاجرة بأعضائهم”.
وأكمل “كان البعض قد اعترض على التبرع بالأعضاء بعد الموت باعتبار ذلك إهانة لكرامة الميت، ولكن الذين وافقوا كتابةً على نقل أعضائهم بعد موتهم، رأوا في ذلك استمرار لعطائهم حتى بعد موتهم، وأنه لا مانع من إنقاذ البعض ومنحهم فرصة للحياة بدلًا من أن تتحول تلك الأعضاء إلى تراب. ونقرأ عن القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك أنه قد طلب إلى تلاميذه ألّا يدفنوه، بل يجرّونه إلى أعلى الهضبة لعلّ الوحوش والجوارح تجد ما تأكله، وبذلك يكون لجسده -حسب تعبيره- منفعة بعد موته”.
وتابع: كما اعترض البعض الآخر على زرع الأعضاء بشكل عام بأنه اتجاه دنيوي وتشبُّث بالحياة، ولكن أحرى بصاحب الرأي أن يحقِّق ذلك في نفسه بالتبرُّع بأعضائه مُستخِفًّا بهذه الحياة الدنيا، وليس بوعظ المريض والمشرف على الموت (بأن يمضي هو قُدمًا نحو الموت!). إنه مثل الذين يهاجمون عمل الأطباء وغرف الانعاش والعناية المركزة، باعتبارها ضد إرادة الله! ومثلهم الذين يرفضون نقل الدم من شخص لآخر حتى لإنقاذ حياته، مثل شهود يهوه.. ولكن قد صرّح السيد المسيح بأنه لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، وتحدّث يشوع بن سيراخ عن كرامة الطبيب وأهمية الأدوية.
وواصل: إن السيد المسيح مات أيضًا بالجسد عنّا وسُفِك دمه لأجلنا، كما أنه أقام البعض من الموت، وشفى آخرين كثيرين، ومن بين هؤلاء مَنْ تمّ معهم ما يشبه زراعة الأعضاء، مثلما حدث مع المولود أعمى والذي وُلِد بغير عينين، كما نقرأ عن القديسين قزمان ودميان أنهما أخذا عظم ساق ميت وزرعاها في ساق مريض.
واستطر: وهناك إشكالية اخرى طرحها البعض، وهي: على من تُحسَب أخطاء الأعضاء المُتبرَّع بها كالعين والقلب والكلى، فقد استخدمها أكثر من شخص وللردّ على ذلك نقول إن هناك إرادة للشخص. إن الحواس ليست مجرد آلات تعمل بتلقائية، وإنما هناك ما يمكن أن يُسمّى بـ"العين الإرادية" التي توجّه العين الخارجية، وهكذا بقية الحواس الإرادية، مثلما يُعطى القلم الواحد لعدّة أشخاص فيكتب كلٌّ منهم غير الآخر، ومثله استخدام المال والذكاء وغيرها.
واختتم: ولعل أحد اوجه الاعتراض على فكرة تقمُّص الأرواح أي أن روح المنتقل تقمّصت أو سكنت في جسد جديد)، وبالتالي فإن الانسان يمكن أن يعيش عدّة حيوات بأجساد متعددة، ففي الدينونة مع أي جسد منها يُدان؟! وإنما سيُدان الإنسان جسدًا ونفسًا وروحًا.