أزمة دبلوماسية أم عودة للحرب الباردة.. ما أسباب التوتر بين أمريكا وروسيا؟
منذ أكثر من 6 أشهر، بدأ الحديث عن التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، رغم التكهنات السابقة بأن التوتر مسألة عارضة وأن الأمور ستعود إلى مجراها الطبيعي، إلا أنه خلال الأيام الأخيرة بدا أن التوتر قد دخل مرحلة جديدة، وتدهور العلاقات بين القوتين العظميين بات يذكرنا بأيام ما قبل الحرب الباردة.
أزمة دبلوماسية
مع انخفاض العلاقات بالفعل إلى أدنى مستوياتها بعد الحرب الباردة، فإن واشنطن وموسكو الآن في نزاع حول طريقة عمل بعثاتهما الدبلوماسية، بما في ذلك عدد الدبلوماسيين الذين يمكنهم تعيينهم في عواصم بعضهما البعض.
من جانبه، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف عن المحادثات الأخيرة مع وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية فيكتوريا نولاند أنه لم يحدث أي تقدم كبير في الخلاف حول عمل سفاراتها في محادثات في موسكو الثلاثاء الماضي، وهناك خطر يتمثل في أن العلاقات يمكن أن تزداد سوءاً.
العقوبات الأمريكية تعمق التوتر
بدأ التوتر يدخل مرحلة جديدة، في أواخر سبتمبر الماضي، بعد فرض عقوبات أمريكية جديدة ضد الروس، وعلق الكرملين في حينه: من الواضح أن تطلعات بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي لفرض عقوبات مختلفة، لا تزال قوية ولم تضعف، لكن لا يزال يتعين على مشروع القانون هذا أن يمر بعدة عمليات، وبعد ذلك سيظهر السؤال: هل ستنصت الإدارة الأمريكية لهذه التوصيات".
كان مجلس النواب بالكونجرس الأمريكي قد اعتمد ميزانية الدفاع، التي تتضمن تشديد العقوبات على روسيا. وقد صوت 316 شخصا لصالح الميزانية مقابل معارضة 113 شخصا.
وتتضمن الوثيقة توسيع القيود المفروضة على الديون السيادية لروسيا، وإمكانية فرض عقوبات شخصية ضد قائمة كاملة من المسئولين، وكذلك على تدابير جديدة ضد مشروع "السيل الشمالي-2".
من جانبه، صرح الدبلوماسي الروسي قسطنطين فورونتسوف، القائم بأعمال نائب قسم عدم الانتشار ومراقبة الأسلحة في وزارة الخارجية الروسية، أن بلاده مضطرة لتطوير أنظمة متقدمة من الأسلحة لمواجهة تهديد اختلال التوازن الاستراتيجي في العالم بسبب سياسة واشنطن، وهو ما اعتبره البعض رد ضمني من روسيا على مسألة العقوبات.
قضايا خلافية بين واشنطن وموسكو
تتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بشدة بسبب مجموعة من القضايا، مثل الهجمات الإلكترونية الروسية ضد أهداف أمريكية وسجن المعارض الروسي أليكسي نافالني، وبعض القضايا السياسية الأخرى، مثل مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
لكن كما يبدو أن الخلاف الكبير الذي ظهر على السطح، خلال الأسابيع الأخيرة، كان بسبب القلق الروسي من تحالف "أوكوس" الجديد الذي أقامته الولايات المتحدة مع كل من بريطانيا وأستراليا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأكدت روسيا عدم قبولها أي شكل من أشكال الوجود العسكري الأمريكي في دول آسيا الوسطى، بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في نهاية أغسطس الماضي.
كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يأملون في التفاوض على اتفاقات لإنشاء قواعد عسكرية، والحصول على حقوق لتحليق الطائرات، وزيادة تبادل المعلومات الاستخبارية مع أوزبكستان وطاجيكستان المتاخمتين لأفغانستان أو الجمهوريات السوفياتية السابقة الأخرى في آسيا الوسطى.
لكن روسيا، التي حافظت على علاقات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وثيقة مع دول آسيا الوسطى، شعرت بالقلق من أي وجود أمريكي في تلك المنطقة، وبدأ التوتر يزداد على خلفية هذا.
تداعيات التوتر
الخطوات السابقة من الجانبين الأمريكي والروسي سببت قلقاً كبيراً في المجتمع الدولي، فهناك من رأى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يتعامل بعدائية حادة مع نظيره الروسي بشكل ينم عن تغيير في السياسية الأمريكية حيال روسيا، وأن هذه السياسية ستكون لها تداعيات خطيرة، إذ من المرجح أن يؤدي الضغط الذي ستمارسه هذه السياسة على روسيا إلى رد شرس وقوي من موسكو.
النتائج الصعبة لهذا الضغط، تفهمها واشنطن، ومن المرجح أنها لا تسعى لتدهور الأمور إلى حد المواجهة القوية، أولاً لتجنب صراع عسكري، وثانياً، لتجنب دفع روسيا إلى أحضان الصين، إذ تعتبر واشنطن أن مواجهة النفوذ الصيني على قائمة أولوياتها، وأي خلاف عميق مع روسيا حالياً سيؤثر على مواجهة الصين.
فربما تكتفي واشنطن بـ"العقوبات" كطريق للضغط على روسيا لدفعها إلى سلوك أكثر مرونة، وإذا استجابت فقد يتم السيطرة على الأزمة، لكن من يعرف روسيا وبوتين، يدرك أنه من الصعب أن يقدم الرئيس الروسي تنازلات كبيرة بسهولة، فهذا السيناريو مشابه لما حدث في عهد الرئيس الروسي غورباتشوف، والذي نتج عنه انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما يراه الروس أنه كان نهجاً فاشلاً ومهيناً، وبوتين بعيداً عن تكرار هذا، مما يعني أن التوتر سيظل لفترة أخرى من الوقت