فض الاشتباك.. كيف يصل قطاع غزة إلى تهدئة طويلة؟
خلال الأسابيع الأخيرة، تصدر ملف المباحثات بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية الأنباء، التى تحدثت عن قرب الاتفاق بين الجانبين على صفقة تبادل أسرى، بعد اتصالات غير مباشرة، استضافتها مصر، ولم يتكشف جميع تفاصيلها بعد، وإن اكتسبت هذه الجولة من المباحثات أهمية خاصة؛ كونها تأتى بعد ٥ أشهر من الهدنة التى وقعت بين الجانبين فى مايو الماضى، إثر اشتباكات عنيفة وتصعيد من الجانبين استمر عدة أسابيع.
«الدستور» تستعرض فى السطور التالية تفاصيل المفاوضات بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، وأهم الملفات المطروحة على مائدتها، ومطالب الطرفين خلالها، والموضوعات التى تم الاتفاق عليها، وعلى رأسها صفقة تبادل الأسرى، وكذلك نقاط الخلاف بين الطرفين، التى لا يزال النقاش يدور بشأنها.
الفلسطينيون طالبوا بتسهيل الإعمار.. والإسرائيليون تمسكوا بوقف «البالونات»
قبل أسبوعين، وصل وفد رفيع المستوى من حركة «حماس» إلى القاهرة، لعقد مباحثات استغرقت عدة أيام، كما وصل إلى مصر وفد أمنى إسرائيلى للاطلاع على نتائج المباحثات مع الحركة الفلسطينية.
قبل وصول وفد «حماس» بـ٣ أيام، كان منسق شئون الأسرى والمفقودين فى الحكومة الإسرائيلية، يارون بلوم، قد وصل إلى القاهرة، وحسب تقرير لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فقد قدم «بلوم» لمصر تصورًا يمكن أن يكون بمثابة نواة للتحرك على ضوئه من أجل إتمام اتفاق بشأن تبادل الأسرى بين إسرائيل و«حماس».
مباحثات القاهرة تناولت ٥ ملفات رئيسية، هى ملف تثبيت التهدئة بين إسرائيل وحماس، التى تم التوصل إليها برعاية مصرية فى مايو الماضى، والعمل على رفع الحصار عن قطاع غزة، وإعمار القطاع، وصفقة تبادل الأسرى بين الجانبين، بالإضافة إلى ملف المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
فى المراحل الأولى من المباحثات، قالت مصادر تابعة لحركة «حماس» لمواقع إعلامية فلسطينية: «طرحت قيادة الحركة خلال المباحثات جميع الأسباب التى من شأنها التوصل لاتفاق تهدئة، وهى ذاتها التى قد تكون سببًا فى تفجير الأوضاع فى أى لحظة إذا مسها الجانب الإسرائيلى».
وبحسب التصريحات فإن هناك تشديدًا على أن أى اتفاق تهدئة مرهون بالوضع فى القدس والضفة الغربية، وكذلك أوضاع المعتقلين والأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، وليس بالأوضاع فى قطاع غزة فقط.
وبوساطة مصرية، اطلع وفد «حماس» على نتائج الاتصالات مع الجانب الإسرائيلى، لمحاولة التوصل لتفاهمات تسمح باستمرار حالة الهدوء لفترة طويلة، يتم خلالها تخفيف الإجراءات الإسرائيلية بشكل كبير عن المعابر وحركة الأشخاص من وإلى القطاع، وتقديم تسهيلات للتجار والعمال والبضائع التى كانت إسرائيل تمنع إدخالها إلى غزة، مع العمل على تنفيذ مشاريع ممولة، دوليًا وعربيًا، بالقطاع، مثل بعض المناطق الصناعية ومشروعات البنية التحتية لتحسين الوضع الاقتصادى للسكان فيه.
فى المقابل، تضمنت مطالب الجانب الإسرائيلى خلال مباحثات القاهرة ضرورة تشديد الرقابة على جميع المواد والبضائع التى تدخل غزة، مع منع التوتر وإطلاق البالونات الحارقة أو الصواريخ نحو البلدات المحيطة بالقطاع، مقابل عدم الممانعة فى إطلاق عملية واسعة لإعادة إعماره.
وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن هناك عملية تطوير للمعابر سيجرى الشروع فيها، خلال الفترة المقبلة، تتضمن تركيب أجهزة مسح ذات قدرة عالية للكشف على جميع الشحنات التى تدخل القطاع. كما قالت مصادر إسرائيلية، لـ«هآرتس»، إن الحكومة الإسرائيلية مستعدة للسماح بإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، تحت إشراف ومراقبة هيئة دولية متفق عليها، بالتنسيق مع دول مانحة عربية وغربية، لتمويل نفقات أعمال الترميم وإعادة الإعمار التى تتطلب مليارات الدولارات. وذكر مراقبون أن الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى أكدا للأجهزة الأمنية المصرية، التى قامت بجهود الوساطة، أنهما اتفقا على تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار، وأبدت «حماس»، وفقًا لما أعلنته مصادرها، تجاوبًا كبيرًا مع خارطة الطريق التى تسعى إليها مصر، فى الفترة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بملفات التهدئة وصفقة تبادل أسرى، وكذلك ملف المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية. كما كشف مصدر فى «حماس» عن أن المباحثات حول اتفاقية تهدئة طويلة المدى تندرج فى إطار اتفاق وقف إطلاق النار، الذى تم بين الجانبين فى مايو الماضى، الذى طالبت فيه الحركة بعدم السماح للجيش الإسرائيلى بالدخول بالقرب من المناطق الحدودية الشرقية لقطاع غزة، وحماية المزارعين الفلسطينيين العاملين بالقرب من السياج الفاصل، بالإضافة إلى تسريع عملية إعادة الإعمار، ونوه المصدر إلى أن مطالبة «حماس» بحرية الحركة قرب الحدود تأتى بعد نحو شهر ونصف الشهر من حادث مقتل الجندى بارئيل شموئيل بالقرب من الحدود، الذى وقع عندما اقترب مئات الفلسطينيين من السياج، ما أدى للاشتباك مع قوات الأمن الإسرائيلية وأسفر عن الحادث.
اتفاق مبدئى على الأسماء فى صفقة الأسرى.. وإجماع على نجاح المباحثات
خلال المفاوضات، نجحت مصر فى إحراز تقدم فى ملف صفقة تبادل الأسرى، مع التأكيد على أنه يمكن فيه التوصل لحلول وتفاهمات أولية بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى من أجل إتمام الصفقة التى ستسهم بشكل كبير فى عودة الهدوء بين الجانبين، وتحسين الأوضاع بقطاع غزة، وذلك رغم استمرار عدة عقبات تحول دون إعلان اتفاق نهائى بينهما.
أولى العقبات كانت فى تمسك الإسرائيليين بعدم السماح بإدخال أموال ومواد مُعدّة لترميم قطاع غزة وإعادة إعماره قبل إعادة الأسرى وجثامين الجنود المفقودين، وهو ما رفضته «حماس»، أما العقبة الثانية فتتعلق بتفاصيل قائمة الأسرى الذين طلبت «حماس» الإفراج عنهم، خاصة أن إسرائيل ترى أن بعضهم متورط فى قتل إسرائيليين ولا يمكن الإفراج عنه.
ورغم تلك العقبات، نجحت الوساطة المصرية فى تقريب وجهات النظر، وأصبحت قائمة أسماء الأسرى موضع اتفاق تقريبًا، مع التوصل إلى صيغة تفاهم مبدئية بخصوص الصفقة تتضمن تخفيض أعداد أصحاب الأحكام طويلة الأمد، الذين تطالب «حماس» بالإفراج عنهم، وترفض إسرائيل إطلاق سراحهم، مقابل زيادة أعداد من سيفرج عنهم من غير المتورطين فى قضايا خاصة بالدماء.
وقالت مصادر فلسطينية إن «حماس» طلبت بشكل واضح الإفراج عن عدد من قادتها السياسيين والعسكريين، وعدد من الفلسطينيين من أصحاب الأحكام طويلة المدة، لكن إسرائيل رفضت هذا تمامًا، وأكدت أنها لن تفرج عن قيادات بارزة فى كتائب «القسام»، الجناح العسكرى لحركة «حماس».
وأوضحت المصادر أن الحكومة الإسرائيلية ما زالت ترى أن مطالب حركة «حماس» مبالغ فيها، خاصة أن حالة الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى «حماس» غير معروفة، وهناك من يشكك بالأساس فى أنهما على قيد الحياة.
ورغم العقبات، أكد المحللون فى إسرائيل أن المباحثات بين الطرفين نجحت بالفعل، مع الإشارة إلى أن الهدوء النسبى الذى شهده القطاع، فى الفترة الأخيرة، ليس صدفة، بل نتاج تحركات مصرية فاعلة، ورغبة حقيقية من «حماس» فى تحسين الوضع الاقتصادى فى القطاع، والحصول على تسهيلات إضافية من مصر.
وأشاروا إلى أن المستوى السياسى فى إسرائيل عليه أن يتخذ، فى الفترة المقبلة، قرارات حاسمة تتعلق بالمسائل المدنية فى القطاع، ودخول المساعدات، والتفكير فى الثمن الذى ستكون تل أبيب مستعدة لدفعه، مقابل صفقة مع «حماس» تتعلق بالأسرى والمفقودين.
كما أكدوا أن المباحثات عكست تغييرًا واضحًا فى السياسات التى كانت ذات يوم غير قابلة للتغيير، مشيرين إلى أن حركة «حماس» تجاوزت أخيرًا العائق الأيديولوجى المتمثل فى تعريفها واعتبارها حركة مقاومة ملتزمة بمحاربة إسرائيل بمختلف الوسائل، وذلك حين وافقت على إجراء مفاوضات معها بشأن وقف إطلاق النار لمدى طويل، ثم الدخول فى مفاوضات جديدة بشأن صفقة تبادل الأسرى والجثامين.
أما من ناحية إسرائيل، فرأى المحللون أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة رئيس الوزراء نفتالى بينيت، أبدت أيضًا مرونة كبيرة فى التفاوض مع «حماس»، وذلك فى إطار حاجتها إلى إنجاز سياسى.
إلى جوار ذلك، طلبت مصر من وفد «حماس»، وفقًا لمصادر فلسطينية، ضرورة حدوث اختراق مماثل فى ملف المصالحة الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن القاهرة ستواصل مساعيها وتستأنف عما قريب سلسلة لقاءات مع مختلف الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركتا «فتح» و«حماس»، وكذلك قيادة السلطة الفلسطينية فى رام الله، من أجل وقف المناكفات بينها، وإتاحة الفرصة أمام إمكانية تغيير الأوضاع بما يسمح بالاتفاق على بعض الخطوات، التى تساعد على فتح ملف إجراء انتخابات فلسطينية جديدة.