السينما وحرب أكتوبر «-1 2»
حلّت علينا أمس الأول ذكرى حرب أكتوبر، وقريبًا وبعد عامين سنحتفل باليوبيل الذهبى لهذه الحرب، ومرور خمسين عامًا على هذا الحدث الفريد فى تاريخنا، وعندما أقول فى تاريخنا فأنا أقصد تاريخ العرب حتى لا ننسى أن هذه الحرب كانت بالتنسيق بين مصر وسوريا، ودارت رحاها فى الإقليم الجنوبى «مصر» والإقليم الشمالى «سوريا»، كما شاركت فيها قوات رمزية من مختلف الدول العربية، ويحق لنا جميعًا أن نفخر بحرب أكتوبر، لأنها بحق «الانتصار العسكرى الوحيد للعرب فى القرن العشرين».
وفى هذا العام انتابتنى حيرة حول الموضوع الذى سأختاره للحديث عن ذكرى أكتوبر. وبالصدفة البحتة اطلعت على بوست كتبه الصديق الكاتب الصحفى «وائل لطفى» عن ذكرياته فى طفولته مع حرب أكتوبر وكيف تأثر- وتأثر جيل بأكمله- بالأفلام الروائية عن الحرب، فدخلنا فى نقاش سويًا حول ذلك الأمر، وانتقلنا إلى أننا فى شبابنا اكتشفنا أن السينما الروائية لم تفِ بحق هذا الحدث الكبير فى تاريخنا.
وهنا قررت البحث والكتابة عن هذه النقطة المهمة وهى «السينما وحرب أكتوبر»؛ حيث لم أجد إلا بضعة أفلام روائية قليلة عن هذا الحدث العظيم، وبمزيد من الدراسة والتحليل نجد أن بعض هذه الأفلام تناول الحرب على هامش أحداث الفيلم، مثل فيلم «حتى آخر العمر» والذى عُرِض فى عام ١٩٧٤، إخراج أشرف فهمى؛ إذ إن البطل هو طيار أصيب فى الحرب، وأصبح قعيدًا، ليعانى بعد ذلك من اضطراب حياته الأسرية مع زوجته، إلى أن يكتشف وفاءها له ورفضها الخطيئة مع أعز أصدقائه.
وعلى النحو نفسه نجد فيلم «بدور» الذى عُرض فى العام نفسه- ١٩٧٤- إخراج نادر جلال، وتدور أحداثه حول الحياة فى حارة مصرية، و«بدور» النشالة التى تقرر التوبة، والعصابة التى تلاحقها، ثم عودة البطل من الحرب لينقذ بدور والحارة. وهى قصة فى الحقيقة أقل بكثير من حجم ومكانة الحدث التاريخى الكبير «حرب أكتوبر».
ولا نريد التوسع فى الحديث عن هذه النقطة، لأنه ليس الهدف هو النقد الفنى لهذه الأفلام- كما أنه ليس تخصصى- وإنما الهدف هنا هو الحديث عن سلسلة الأفلام الروائية السريعة التى ظهرت فى أعقاب حرب أكتوبر مباشرةً، لا سيما فى عام ١٩٧٤.
على أى حال يعتبر فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» من أهم أفلام تلك المرحلة تعبيرًا عن حرب أكتوبر. ولقد أثار ذلك الأمر فضولى لمعرفة أسباب نجاح وتوفيق هذا الفيلم على وجه الخصوص، وعلينا أن نتذكر أن تاريخ العرض الأول للفيلم هو أكتوبر ١٩٧٤، وعلينا أن نتساءل عن السر وراء خروج هذا الفيلم الكبير بعد عام واحد من هذا الحدث، وهى مدة قصيرة لإنتاج عمل بمثل هذه الضخامة.
بطبيعة الحال قصة الفيلم التى كتبها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس وراء ذلك، إضافة إلى الحوار الرائع لرأفت الميهى، وبالقطع إخراج حسام الدين مصطفى، ويروى لنا الأستاذ سعيد شيمى، مدير التصوير الشهير، والذى شارك فى إنتاج الفيلم، عجز المنتج الكبير رمسيس نجيب عن إنتاج العمل نظرًا لضخامة الإنتاج والتكاليف، حتى إنه قال لـ«شيمى»: «ليست لدىّ أموال، ستأخذ أجرك عندما تأتينى الأموال»، لكن التحول الكبير هو تدخل السادات شخصيًا لدعم الفيلم حتى يظهر مع الذكرى الأولى لأكتوبر، ومن هنا تم وضع كل إمكانيات الدولة وراء خروج الفيلم، وتمت الاستعانة بمخرج إيطالى خاص بإخراج المعارك الحربية، وشارك ضباط وجنود الجيش الثانى فى تصوير المعارك.
وهنا تذكرت كم الإنتاج الضخم والكبير ووجود العديد من الأفلام الغربية عن الحربين العالميتين، وكيف تم توفير الأموال لذلك والإمكانيات، إن الأفلام الحربية والتاريخية بلغة السينما «سفنجة فلوس»: إنتاج كبير لا بد من دعمه، ومع غياب المؤسسة العامة للسينما ودعمها السابق للأفلام الجيدة، أصبح من المتعذر إنتاج عمل على نسق الأعمال الحربية العظيمة، كما أثرت تبعات سياسة الانفتاح على انصراف السينما- للأسف- عن تخليد حرب أكتوبر، وظهرت موجة أفلام نقد الانفتاح، ولعلنا نتذكر فيلم «سواق الأتوبيس»، وكيف تجمع أبطال الفيلم فى ليلةٍ مُقمِرة أمام الأهرام ليتذكروا أيام المعارك أثناء تجنيدهم، وكيف خرجوا بعد الحرب ليجدوا مجتمعًا آخر هو مجتمع الانفتاح.
لكن كل ذلك لا يُنسينا أنه إذا كانت السينما الروائية لم تفِ نصر أكتوبر حقه، فإن السينما التسجيلية قد خلدت ذلك، وهو ما سنرصده فى المقال القادم.