ما بعد العاصفة.. تداعيات «مؤتمر التطبيع» فى العراق
لا يزال المؤتمر الذى انعقد فى إقليم كردستان بالعراق، الأسبوع الماضى، ودعا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يثير ردود أفعال متباينة داخل العراق، بعدما فتح الباب أمام التساؤلات عن العلاقات الإيجابية التى تجمع الدولة العبرية ببعض القيادات الكردية، ودور تل أبيب فى دعم انفصال الإقليم عن الدولة العراقية.
وبين تنديد البعض بالمؤتمر وتأييد آخرين له، ترصد «الدستور»، فى السطور التالية، مواقف الجهات المعنية من ملف تطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل، واحتمالات تحول أفكار مؤتمر التطبيع إلى واقع على الأرض، بالإضافة إلى تسليط الضوء على العلاقات الإسرائيلية العراقية، والإسرائيلية الكردية، فى السنوات الأخيرة.
رفض رسمى من بغداد.. مذكرة اعتقال للحاضرين.. وحكومة أربيل: لم نعلم أونوافق على انعقاده
بحضور نحو ٣٠٠ شخصية عراقية، من بينهم بعض شيوخ العشائر، قرأت سحر الطائى، مديرة الأبحاث فى وزارة الثقافة ببغداد، البيان الختامى للمؤتمر الذى أُقيم بمدينة أربيل العراقية، برعاية مركز اتصالات السلام، ومقره نيويورك، تحت عنوان «السلام والاسترداد».
وقالت» الطائى»، فى إشارة إلى اتفاقات تطبيع العلاقات، التى وقعت العام الماضى بين إسرائيل وبعض الدول العربية برعاية الولايات المتحدة: «نطالب بانضمامنا إلى اتفاقيات إبراهيم، وكما نصت الاتفاقيات على إقامة علاقات دبلوماسية بين الأطراف الموقعة ودولة وإسرائيل، فنحن أيضًا نطالب بعلاقات طبيعية مع إسرائيل، وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها بغية التطور والازدهار». وردًا على ذلك، أعلنت الحكومة العراقية والرئاسة وأطراف سياسية فى العراق رفضها المؤتمر وحديث المجتمعين فيه عن التطبيع مع إسرائيل، مع إصدار مذكرة اعتقال بحق «الطائى» من محكمة فى بغداد، والأمر باعتقال الزعيم العشائرى وسام الحردان، الذى شارك فى المؤتمر، ودعا للتطبيع مع إسرائيل فى مقال رأى نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
قالت السلطات القضائية العراقية إنه سيتم اعتقال المشاركين الآخرين، البالغ عددهم نحو ٣٠٠ شخص، بمجرد تحديد هوياتهم.
كما أعلنت وزارة الداخلية، فى إقليم كردستان العراق، عن أن المؤتمر الذى انعقد فى أربيل تم دون علم أو موافقة أو مشاركة حكومة الإقليم، مشددًا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعة كيفية انعقاد هذا الاجتماع.
ونأت حكومة كردستان العراق، التى تتمتع بدرجة من الحكم الذاتى، بموجب النظام الفيدرالى العراقى، بنفسها عن الحدث، داعية الفصائل العراقية الأخرى للتعامل مع الأمر بهدوء أكبر، فيما أكد نيجيرفان بارزانى، رئيس الإقليم، عدم درايته بالاجتماع أو بمضمونه.
وووجه المؤتمر كذلك بانتقادت من عدة فصائل عراقية، خاصة أن المؤتمر جاء بعد عدة مشاهد لافتة فى العلاقة الطيبة بين إسرائيل والأكراد، مع تداول تقارير عن سفر مسئولين أكراد من حين لآخر إلى إسرائيل، بالإضافة إلى زيارات سرية لشخصيات إسرائيلية إلى المناطق الكردية.
ترحيب إسرائيلى.. وخطط لمزيد من التقارب مع الأكراد
من جانبها، رحبت إسرائيل بشكل واسع بمؤتمر أربيل للتطبيع، وقال وزير الخارجية الإسرائيلى، يائير لابيد، إن الحكومة الحالية تستهدف توسيع اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الدول العربية. وأشار محللون إلى أن التقارب بين إسرائيل والأكراد مستمر منذ سنوات طويلة، وكشفت الصحف العبرية، مؤخرًا، النقاب عن عملية سرية نفذتها إسرائيل فى عام ٢٠١٧ لإنقاذ وترميم قبر النبى ناحوم فى كردستان العراق، أثناء سيطرة تنظيم «داعش» على المنطقة القريبة من القبر. وقالت صحف عبرية إنه من المفاجئ أن يتمكن الإسرائيليون من التعامل فى تلك البيئة العدائية، مشيرين إلى أن فريق العمل المسئول عن العملية تسلل إلى داخل الأراضى العراقية لتقييم الأضرار التى لحقت بالقبر، مع الحصول على موافقة من المسئولين الأكراد على ذلك، على حسب قولها. كما نشر موقع القناة الـ١٢ فى التليفزيون الإسرائيلى تقريرًا عن جهود تل أبيب فى التقارب مع أكراد العراق، لتعزيز قدرتها على التصدى لإيران ونفوذها فى المنطقة، ناقلًا عن مصادر استخباراتية إسرائيلية قولها إن العلاقات القوية مع كردستان العراق تمنح تل أبيب «آذانًا وعيونًا» لمعرفة ما يحدث فى إيران والعراق وسوريا. واستشهد التقرير، الذى أعده نير دفورى، المعلق العسكرى للقناة، بتقرير نشره موقع «TankerTrackers.com»، الذى يدار من السويد، كشف فى ٢٠١٧ عن عمق التعاون الاقتصادى والدبلوماسى والأمنى بين إسرائيل وأكراد العراق، مشيرًا إلى أن نفط الإقليم يجرى نقله إلى عدة دول، ويصل نحو ثلاثة أرباعه إلى إسرائيل، عن طريق ميناء جيهان التركى.
ونوه المحللون فى الصحف العبرية إلى أن إسرائيل كانت أول من دعا، فى ٢٠١٧، إلى منح أكراد العراق استقلالًا عن دولتهم، موضحين أن رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، بنيامين نتنياهو، مارس ضغوطًا على كثير من قادة الدول الغربية للتدخل لصالح انفصال الإقليم. وأشاروا إلى أن إسرائيل استطاعت عن طريق التعاون مع الأكراد، فى شمال العراق وسوريا، أن تضع قدمها فى تلك المنطقة، ما ساعدها على تنفيذ عملياتها هناك.
إعلام عبرى: الدعوات ليست جديدة وسبقتها لقاءات
فى أعقاب مؤتمر أربيل للتطبيع، تناول الإعلام العبرى والدولى ملف العلاقات الخفية بين إسرائيل والعراق، مع الإشارة إلى أن يهود العراق أرسلوا أكثر من مرة رسائل تأييد لإسرائيل على صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع «فيسبوك».
ونوهت الصحف العبرية إلى أن ناشطًا عراقيًا، دشن بمساعدة آخرين فى النرويج، موقعًا يهدف لتجنيد المعارضين التوجهات العراقية الرافضة للتطبيع، مع دعوتهم لتدشين خطة استراتيجية لتطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل خلال ٣٠ عامًا.
وأشارت إلى أن نشطاء بالمجتمع المدنى العراقى سبق لهم لقاء وفود إسرائيلية، منوهة إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قالت، فى يناير ٢٠١٩، إن ٣ وفود عراقية زارت إسرائيل خلال عام ٢٠١٨، وذكرت أن نائب رئيس البرلمان العراقى، حسن كريم الكعبى، دعا فى حينه، وزارة الخارجية العراقية إلى التحقيق فيما ورد بوسائل إعلام غربية وإسرائيلية بشأن زيارة ثلاثة وفود عراقية إلى إسرائيل.
ولفتت الصحف إلى أنه، فى أكتوبر ٢٠٢٠، قال مثال الآلوسى، النائب السابق فى البرلمان العراقى، إن ملف التطبيع بين بلاده وإسرائيل سيطرح على الحكومة العراقية خلال زيارة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمى، إلى لندن، وقتها. وأفادت الصحف العبرية بأن مسئولين إسرائيليين، من بينهم حاييم ريجيف، المدير السابق لقسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية، أكدوا أنهم على اتصال بعدد من الدول العربية التى تصنف رسميًا على أنها دول معادية، ومن بينها العراق.
واستشهدت الصحف العبرية، أيضًا، بأن فريد ياسين، السفير العراقى فى واشنطن، فى عام ٢٠١٩، قال إن هناك أسبابًا موضوعية قد تدعو إلى إقامة علاقات بين العراق وإسرائيل، مع الإشارة إلى أن هناك جالية عراقية مهمة فى إسرائيل ما زالت فخورة بهويتها العراقية.
وأضاف «ياسين» أن هناك أسبابًا عاطفية وأسبابًا أخرى تجعل التواصل المفتوح بين إسرائيل والعراق أمرًا مستحيلًا، رغم ذلك، وهو ما ووجه برد فعل عنيف من مسئولين عراقيين، وقتها. وأوضحت الصحف العبرية أن مؤيدى التطبيع من العراق يرون أن هناك مصالح قد تجمع بين بغداد وتل أبيب، خاصة فى ضوء ما تكبده العراق بسبب موجة الإرهاب التى ضربت البلاد منذ سنوات طويلة، كما أن إسرائيل أصبحت أمرًا واقعًا، بعدما أقامت دول عربية أخرى علاقات معها فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد بدء الانسحاب الأمريكى من المنطقة.