أطفالنا بين الوعى والتوعية
امتدادًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بنشر الوعى والتوعية بين أبناء الشعب المصرى بمختلف أعماره وطوائفه.. ونحن نستعد لاستقبال العام الدراسى الجديد، أجد أنه من الضرورى أن أعرض قضية مهمة، وهى بناء الوعى والتوعية وتشكيل وجدان وثقافة الطفل المصرى.
نحن دائمًا ما نتحدث عن الشباب والمرأة وعن طوائف بعينها متجاهلين أطفالنا الذين هم أملنا فى المستقبل، وللأسف الشديد فإنهم يتعرضون حاليًا لحملات مكثفة ومغرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية، وجميعها يهدف إلى الغزو والاحتلال الفكرى والثقافى، واختطاف الهوية المصرية وذلك فى غياب كامل لإشراف الأم والأب إلا من رحم ربى، وجميعنا يشعر بذلك خاصة خلال الإجازات المدرسية الصيفية الطويلة.
لاحظت مؤخرًا، عندما قمت بالتركيز على برامج الأطفال، أن هناك غيابًا ثقافيًا واضحًا لهم، علاوة على خلو وسائل الإعلام من أى محتوى أو مضمون، أو برامج تُقدم للطفل إلا فى القليل النادر.
بطبيعة الحال، فإن التحديات والصعوبات والملفات الكبيرة التى تتحملها الدولة المصرية حاليًا والانشغال الإعلامى بالقضايا السياسية للبلاد، بالإضافة إلى تداعيات جائحة «كورونا» ودوران عجلة التنمية والبناء، وأيضًا تحديات الإرهاب والتطرف وغيرها من القضايا التى تشغل دولاب العمل الإعلامى- قد جعلت جزئية الاهتمام بالطفل وتوعيته وثقافته تأتى فى مرتبة متأخرة تمامًا.
أما وإننا اليوم بدأنا نعيش حالة واضحة من الهدوء والاستقرار الداخلى، فقد كان لا بد أن نشير إلى ضرورة توعية الطفل وزرع روح الولاء والانتماء لوطنه منذ الصغر، وذلك إعمالًا لتلك المقولة المأثورة: «التعليم فى الصغر مثل النقش على الحجر».
ونحن اليوم على مشارف عام دراسى جديد أرى أنه من الواجب وضع برامج مدرسية تستهدف تشكيل وجدان الأطفال، وبناء وعيهم من خلال الأنشطة المختلفة داخل مدارسهم، بحيث يقوم عليها مدرسون من الشباب الواعدين المقتنعين بفكرة نشر الوعى والانتماء لدى الطفل منذ الصغر.
لقد رأيت نوعيات خطيرة من الألعاب الإلكترونية الواردة إلينا من الخارج، تؤدى ممارستها إلى الحد الذى يقوم فيه الطفل بالانتحار أو بالقفز من مسكنه، أو الاعتداء على أشقائه وأصدقائه.. كما رأيت بعض أفلام الكارتون التى تؤدى إلى العبث فى العقول وتزييف وتغييب الوعى.
رأيت أطفالنا وقد أصبحوا أسرى لأجهزة التليفون المحمول، وما يتضمنه من محتويات خبيثة تسعى إلى النيل من عقول أبنائنا وتضرب منظومة القيم والأخلاق والمبادئ المصرية والعربية التى تشكل جوهر الأديان السماوية وتلبى الحاجة إلى ثقافة وطنية.. ومن هنا كان لا بد أن ندق ناقوس الخطر فى ظل افتقار الإعلام محتوى ومضمونًا إعلاميًا وثقافيًا يستهدف الأطفال وتشكيل وجدانهم وبناء وعيهم.
إننى اليوم أناشد السادة المسئولين، من ذوى الاختصاص، ضرورة العمل على وضع آلية إدارية وإعلامية وثقافية وتربوية وتعليمية، تسهم جميعها فى العمل على الحفاظ على أطفالنا من محاولات اختطافهم إلى مجتمعات غريبة عن حياتنا وطبيعتنا وتقاليدنا.. وبالطبع فإن المسئولية هنا هى مسئولية تشاركية وتضامنية إذا فشل أحد أضلاعها فى استكمالها سقطت المنظومة ككل.
يأتى البيت والرقابة العائلية فى مقدمة تلك المنظومة، وهنا أرى ضرورة تكثيف البرامج الموجهة للآباء والأمهات، التى تهدف إلى كيفية التعامل مع أطفالهم خاصة فيما يتعلق باستخدام أجهزة التليفونات المحمولة التى أدت بالفعل إلى إصابة أعداد كبيرة منهم بمرض التوحد، وتم علاجهم لدى إخصائيين نفسيين لفترات طويلة.
ثم يأتى دور المدرسة، وما أدراك ما أهمية هذا الدور، حيث يقضى الطفل معظم نهاره فيها يتعامل مع أقرانه وزملائه فى نفس مرحلته العمرية، حيث من الممكن أن يتأثر بفكر بعضهم الذى يختلف عن بيئته وفكره، وهنا يأتى دور السادة المعلمين والمعلمات المهم فى حماية وتوحيد الأفكار بما يحقق الهدف الأهم من مجرد تلقين المواد العلمية إلى غرس روح الانتماء والوطنية والولاء للوطن، وقد يكون للمسجد والكنيسة دور فى هذا الاتجاه، ولكننى لا أعتقد أنه سيكون دورًا مؤثرًا نظرًا لعدم تردد أطفالنا على دور العبادة بشكل منتظم خلال فترة الدراسة.
ثم يأتى دور وسائل الإعلام، وهو دور لا يقل أهمية، بل قد تفوق أهميته على تلك المراحل التى أشرنا إليها، لأن ثقافة أى شعب بل أى مرحلة سنية من الممكن أن تتشكل من وسائل الإعلام فى الدول المختلفة، وهنا نطالب بتكثيف البرامج والأعمال الفنية التى تسهم فى ترسيخ مبادئ القيم والمثل العليا، مثلما كنا فى السابق نسمع ونشاهد حلقات «أبلة فضيلة»، «ماما نجوى»، «بوجى وطمطم»، «بكار»، حيث كان أطفالنا يتسابقون وينصتون لهذه الأعمال بل يحفظون أغانيها ويرددونها فى حفلاتهم ورحلاتهم.
لن أناقش هنا آلية تحقيق ذلك، لأننى على قناعة بوجود العديد من الخبراء والمتخصصين فى مجال الطفولة والتوعية والثقافة الذين من الممكن أن يشكلوا هيئة أو مجلسًا أو ورش عمل أو ندوات تهدف إلى الوصول لصياغة استراتيجية كاملة وشاملة، تستهدف بناء الوعى وتشكيل الوجدان وربط الطفل المصرى بهويته المصرية ولمنظومة القيم والأخلاق والثوابت الأصيلة التى تسعى إلى حماية شباب المستقبل من الاستهدافات الفكرية، ومحاولات الاستقطاب وغزو عقول أطفالنا الأبرياء.
إنها رسالة رأيت أن أوجهها إلى المسئولين عن هذا القطاع، ولا أشك لحظة أنها غائبة عن حسابات وأولويات الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لم يترك فئة أو قطاعًا أو منظومة إلا وكانت أفكاره وتطلعاته تسبق ما نفكر به بمراحل طويلة، وأغلب الظن أن أطفالنا سيكون لهم ذات الاهتمام من سيادته خلال المرحلة المقبلة بإذن الله.
وتحيا مصر.