«الأبطال لا يموتون».. فيديو نادر للمشير طنطاوي يروي بسالة الكتيبة 16 مشاة
في ليلة السادس عشر من أكتوبرعام 1973، كان محمد حسين طنطاوي، قائد الكتيبة 16 مشاة، يُحاول أن ينتزع قسطًا من النوم الذي هجرّه منذ ساعات طويلة وسط نيران المعارك الضارية على جبهة القتال.. حاول الضابط المصري أن يفعلها هذه الليلة، غير أن حدثًا استثنائيًا كان في انتظاره، وهجوم خطط له العدو في تلك الليلة؛ غير أنه صار جحيمًا عاشه المهاجمين، بعد أن حولت القوات المصرية ثغرتهم إلى كُتلة من اللهب.. فمات أكثرهم، ووثّق الآخرون ما مرّوا به في كتاب يكشف اللحظات المُرعبة التي ذاقوها على أيدي القوات المصرية هذه الليلة.. كان بطلها الراحل المشير حسين طنطاوي.. والأبطال لا يموتون.
في فيديو نادر؛ روى «العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوي، قائد الكتيبة 16 مشاة بحرب أكتوبر» ـ هكذا عرّف الرجل نفسه ورتبه آنذاك ـ مضيفًا أن «الكتيبة 16 مشاة» كانت من أوائل الكتائب التي عبرت قناة السويس، بل هي عبرتها قبل موعد العبور بالدفع بعناصر اقتناص الدبابات، وكانت أحد العناصر التي رفعت علم مصر بالضفة الشرقية قبل عبور القوات الرئيسية.
«لو تحدّثت عن المعارك التي خاضتها الكتيبة، فإن الوقت لن يُسعفني لأرويها كلها، لكنني سأختار معركة منها، وسأستشهد بكتاب كتبه الإسرائيليين أنفسهم، اسمه «عيد الغفران».. يقولون في كتابهم عن المعركة: على بعد بضعة كيلومترات من القناة؛ كانت ما تزال المعركة قائمة حول المزرعة الصينية (موقع من المواقع الموجودة شرق الإسماعيلية) وعندما حل يوم 16 أكتوبر كانت المعركة ما زالت مستمرة، فقد تعثّرت القوة الإسرائيلية التي بدأت منذ 48 ساعة تُهاجم الموقع، ومُنيت بخسائر فادحة، وعندها تقرر اللجوء لوحدات المُشاة والمظليين للقضاء على التحصينات المضادة للدبابات (يقصدون التحصينات المصرية).
ويروي قائد هذه القوات (الإسرائيلية) تفاصيل المعركة فيقول: لقد وضعوا أمامنا خريطة مقياس 1 إلى 100 ألف، وقالوا لنا إن هناك وحدة بجوار الشاطئ، إن التحصينات التي يملكها العدو المضادة للدبابات، تحول بيننا وبين تعزيز قواتنا لمهمتها.. مهمتكم إذن هي تطهير هذه التحصينات بأسرع ما يُمكن.. وعندئذ، تقدمت ليلًا مع وحدات المظلات حتى بضع مئات من الأمتار صوب الهدف، غير أن وابلًا من الرصاص كان في استقبالنا، وهُنا قال أحد ضباطنا (يقصد الضباط الإسرائيليين) «إن هذا أمرٌ جديد؛ كيف يُمكن أن يكون بين طابورين إسرائيليين وحدة مصرية».
يُضيف المشير طنطاوي وهو يقرأ الكتاب الإسرائيلي حول المعركة ـ كما يرويها قائد القوات الإسرائيلية: «ولسوء الطالع؛ اصطدم المظليون بمواقع مصرية مُحصنة مُسلحة بـ 10 مواقع للرشاشات، وحدتي دبابات، وفصائل مشاة مزودة بالصواريخ المضادة للدبابات، وعلى مقربة من هذا الموقع كان هناك موقعًا آخر، ثم ثالث، ثم رابع. وقد احتدمت المعركة طوال ساعات الليل، ولم تتمكن عناصر المظليين من الهجوم أو الانسحاب، واستمرت عملية إخلاء الجرحى طوال الليل، كما أن فرق الإغاثة تعرضت بدورها لخسائر فادحة، وعند الفجر كان لابد من إنقاذ ما يُمكن إنقاذه من قوات المظليين؛ بإرسال قوة مدرعة لإخلاء من تبقى على قيد الحياة».
يُغلق القائد المصري، الكتاب الإسرائيلي حول المعركة، ويبدأ هو في سرد تفاصيل ما دار في هذه الليلة؛ قائلًا: كنت قد وصلت إلى نحو 48 ساعة دون نوم، وفي الساعة الواحدة (يقصد يوم 16 أكتوبر) شعرت بالهدوء، فأخبرتهم (قواته) أنني سأنام قليلًا، وحينما يحدث شئ أيقظوني، لكنني لم أنم سوى نصف ساعة، وفي الساعة الواحدة والنصف؛ فوجئت بمن يُوقظني، ويخبرني أنهم يسمعون أزيز لطائرات هيلكوبتر، فطلبت منهم تزويد المراقبة وإبلاغ القيادة، ثم أكملت نومي، وبعد ساعة أيقظوني مرة ثانية وأخبروني أنهم يرون من خلال أجهزة الرؤية الليلية؛ قوات إسرائيلية تُحاول عبور حقول الألغام الموجودة في المواجهة، فاستيقظت فورًا ونظرت في جهاز الرؤية بمركز القيادة، وأيقنت أنهم عناصر كبيرة من المشاة تُحاول عبور ثغرة باتجاه الكتيبة، فأعطيت أوامر لقادة الوحدات الفرعية بأن تتجه كل أسلحة الكتيبة والمدفعية والهاون وجميع الرشاشات، حتى الأسلحة المضادة للطائرات؛ باتجاه الثغرة، وأخبرتهم بألا يُطلق أحد طلقة واحدة إلا بإشارة حمراء مني أنا شخصيًا.
بعد اقتراب العدو ـ والحديث على لسان القائد طنطاوي ـ أعطيت طلقة إشارة، وفتحت جميع أسلحة الكتيبة باتجاه القوات المظلية للعدو، وهو ما ذكروا بشأنه في كتابهم أنهم «لم يستطيعوا الانسحاب أو الهجوم» وكانت المعركة في طوال ساعتين ونصف الساعة، حتى الصباح، ولحسن حظهم أن الضباب جعل تركيز النيران عليهم في ساعات الصباح لم يكن بالكفاءة الكافية، مما أمكنهم من سحب خسائرهم وبعض من تبقى على قيد الحياة، وبالطبع كان كل همي في هذه الليلة ألا يعود أي فرد من الأفراد الذين أتوا نحو الموقع (يقصد المهاجمين).
يختم الرجل حديثه قائلًا: هذه معركة من معارك كثيرة خاضتها الكتيبة منذ يوم العبور في السادس من أكتوبر، حتى إطلاق النيران.. وهنا إذا حاولت أن أتحدث عن البطولة؛ فالبطولات كثيرة، لكن يكفي أن أذكر أنه في عملية العبور لم تتكبد الكتيبة أي خسائر سوى شهيد واحد، وهذا الشهيد أتذكره جيدًا وهو الشهيد عادل بسطاروس، كما أذكر النقيب محمد عبد العزيز الشهيد الذي استشهد على مدفع مضاد للدبابات بعد أن استشهد اثنين من طاقم هذا المدفع، مما اضطره بمنتهى الشجاعة أن يجلس على المدفع بنفسه ويستشهد.. كما يحضرني هُنا ألا أذكر الشهداء فقط، بل هناك أبطال أحياء كثيرون، فأتذكر قائد السرية اسمه عبد العزيز بسيوني، وهذا حينما كان هجوم الدبابات محتدمًا يوم 14 أكتوبر، فطلبت منه أن يحصر عدد الدبابات التي أمامه، فقال لي إنه ليس لديه وقت لحصرها لأن أعدادها كبيرة للغاية، فأخبرته أنني سوف أعاونه بالمدفعية، لكن لا أريد أن تمر دبابات، لأنه إذا مرّت فإنها سوف تخترق وتأتي خلف مواقعنا، فكان رده «لا تخف.. لن تعبر دبابة إلا على جثتي وجثث 100 واحد معي».