صفاء النجار: محمد داود استخدم أساليب فنية جديدة غير مطروقة فى القصة القصيرة
عبرت الكاتبة والدكتورة صفاء النجار، عن تقديرها واحترامها لكتابة المثقف الكاتب الدكتور محمد داود واتجاهه الفكري، ونقده للتراث الإسلامي والمقولات المعلبة الجاهزة فيما يتعلق بالتفسيرات القديمة للدين الإسلامي وفقهه والذي توقف التجديد فيه منذ القرن السابع الهجري.
وأضافت "النجار"، خلال ندوة مناقشة المجموعة القصصية "نصف كيلو عدس أصفر"، للقاص الكاتب والروائي محمد داود، والتي عقدت في ضيافة منتدى المستقبل للفكر والإبداع، "يعبر محمد داود عن قناعاته الفكرية من خلال كتاباته الروائية والقصصية، أو حتي فيما يكتبه ويطرحه عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، خاصة وأن مجتمعنا يحتاج إلى شجاعة الشجعان من أمثال الدكتور محمد، وشخصيات تواجه الواقع، حيث يقترن الإسلام اليوم بفهم خاطئ، ولأنه دين لكل زمان ومكان، فعلينا أن نجدد المفاهيم ونفسرها بمعطيات ومنطلقات القرن الواحد والعشرين ولا نقف كما وقف تجديد المفاهيم الإسلامية عند القرن السابع".
وتابعت الكاتبة صفاء النجار حول المجموعة القصصية "نصف كيلو عدس أصفر" للكاتب محمد داود: بداية من عنوان المجموعة المخاتل والذي يعطي أكثر من تفسير من قبل القراء والمتلقين للعمل القصصي. فعدم اليقين الحاصل من النص حمل النص بحالة من الالتباس بشكل عام تسيطر على النص وأجواء المجموعة. ففي القصة الرئيسية والتي تحمل عنوان "نصف كيلو عدس أصفر"، والتي عنونت بها المجموعة القصصية، نرى حال الطفل الصغير بطل القصة، والالتباس الذي وقع فيه حول ما طلبته منه الجدة، وهل هو نصف كيلو عسل أسود أم ما قر في ذهنه بأنه نصف كيلو عدس أصفر، ولماذا أصفر، ولماذا لا يكون عدس بجبة؟.هذه الحالة الضبابية التي سيطرت على الطفل الصغير تطرح السؤال عن هذه الضغوط الحياتية التي تقع على هذا الطفل في هذه السن، فتؤدي به إلى هذه الحال وأن تلتبس عليه الأشياء.
واستطرت النجار: تمتاز المجموعة بتقنية سينمائية، فتجعل متلقيها يرى القصة من خلال أكثر من شخصية تروي الحكاية من وجهة نظرها، ويبدو هذا جليا في قصة "جلسة عرفية". كما أن المجموعة نجح كاتبها الدكتور محمد داود في رصد الواقع بكل ما فيه من وقائع تكاد تكون غرائبية الأبناء الذين يقتلون أبائهم، أو الآباء والأمهات الذين يقتلون أولادهم، وهي الوقائع التي تجاوزت الخيال.
استخدم محمد داود في مجموعته القصصية "نصف كيلو عدس أصفر"، أشكال وأساليب فنية جديدة، وغير مطروقة في كتابة القصة القصيرة، من بينها تقنية كتابة اليوميات كما في قصة "غسيل بريتوني"، ودفتر الأحوال الذي تسجل فيه كل ممرضة الحالات والأحوال في إحدي المستشفيات الحكومية، وتقدم تفاصيل دقيقة تنقل لنا عبر المشهدية العالية هذه الحال وكأننا داخل هذه المستشفي.
وبدوره قال الناقد دكتور يسري عبد الله: بعد ست روايات تضرب في فضاءات متعددة للكاتب محمد داود، تأتي مجموعته القصصية الأولى "نصف كيلو عدس أصفر"، فتنتخب لحظات هامشية من عمر الزمن، تصحبنا إلى عوالم يتجادل فيها الصخب مع السكون، وتتنوع صيغها السردية عبر أشكال مختلفة للقص، كما تتقاطع بنياتها الأساسية لتشكل جدارية عن أولئك العابرين الذين تلتقطهم عين السارد المتأمل بوعي، ومحبة، وشغف، ومساءلة واصلة بين الذات والعالم في قصص تشف وتقول في آن واحد.
في قصة "أم عفاف" يتحقق معنى الاستلاب عبر ما يسمى بالاستيلاء على المعنى. فالخطاب الوحيد في القصة يهيمن عليه السائق الثرثار على الرغم من جود أم عفاف أصل المشكلة إلى جواره وجوار الطبيب. ويبدو السائق متحدثا نيابة عن الجميع ( يغني ويرد على نفسه)، يثرثر ويزيف ويجعل من نفسه ملاكا لم يمنحه زوج عفاف مهمة إنقاذ ابنته حين جعلها تركب سيارة رضا الأعرج وهو يمسح دموع عفاف ويجعل من توصيله لها دون غيره منعا لها من إلقاء نفسها من السيارة وهي تجري مسرعة لأن اكرة الباب مخلوعة.. وتستمر ترهات السائق حتى المشهد الختامي الذي يتنصل فيه من ام عفاف التي قابلت احسانه ومعروفه لمحاولة القفز من سيارته لتضعه في الحديد.. إن التدفق الحكائي هنا آلية أصيلة في السرد ومتوائمة مع وعي الشخصية القصصية داخلها.
والكاتب محمد داود، سبق وصدر له العديد من الأعمال الأدبية، نذكر من بينها: "قف على قبري شويّا" رواية، إبداعات، هيئة قصور الثقافة، القاهرة، يونيو 2002، "السما والعمى" رواية، هيئة الكتاب، القاهرة، مكتبة الأسرة 2004، "فؤاد فؤاد" رواية، دار هفن للترجمة والنشر، القاهرة، أغسطس 2008.
"أمنا الغولة"، رواية، دار ميريت للنشر، القاهرة، فبراير 2010، "بار أم الخير"، رواية، دار ميريت للنشر، القاهرة، فبراير 2015، "صخرة بيتهوفن"، رواية، دار ميريت للنشر، القاهرة، فبراير 2017.