أوراق سرية.. «الدستور» تحقق فى هروب الأسرى الفلسطينيين الستة
بعد عملية هروب هوليوودية لأسرى فلسطينيين من سجن جلبوع شديد الحراسة، عن طريق حفر نفق أسفل حمام الزنزانة، بدأت إسرائيل، منذ فجر الإثنين الماضى، عمليات بحث واسعة عن الهاربين الستة، فى منطقتى بيسان وجنين، مع بدء حملة اعتقالات وتحقيقات موسعة مع عائلاتهم والمقربين منهم.
وإلى جانب عمليات البحث عن الأسرى الهاربين، بدأت السلطات الإسرائيلية تحقيقات شديدة التعقيد والسرية للكشف عن أدق التفاصيل الخاصة بعملية الهروب، لرصد قصور وسائل الأمن وتقصير حراس سجن جلبوع، فى محاولة لاحتواء تداعيات الحدث الذى كشف عن خروقات كبيرة فى عمليات تأمين السجون الإسرائيلية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية:
حفروا النفق خلال عام.. الحارس كان نائمًا.. والسلطات تجاهلت بلاغًا يفيد بهروبهم
«الهوس الأمنى» هو الوصف الأدق للحالة التى انتابت أجهزة الشرطة والاستخبارات والجيش فى إسرائيل بعد حادث هروب الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع شديد الحراسة، الذى تتشابه تفاصيله كثيرًا مع أحداث مسلسل «الروح» الذى عرضته قناة «الأقصى» التابعة لحركة «حماس» الفلسطينية فى عام ٢٠١٤، ويفر فيه ٦ سجناء فلسطينيين من سجن إسرائيلى عبر نفق حفروه من حمام زنزانتهم إلى الخارج.
وأطلق جهاز الأمنى الداخلى «الشاباك» تحقيقات موسعة مع السجناء الآخرين، واعتقل كل من له علاقه بالهاربين من عائلاتهم ومعارفهم، بالتزامن مع بدء عمليات البحث المكثفة عنهم.
ومع استمرار أعمال التمشيط، اتخذت السلطات الإسرائيلية عددًا من التدابير الأمنية المهمة، من بينها نقل أعداد كبيرة من السجناء المنتمين إلى فصائل فلسطينية مختلفة إلى زنزانات منفصلة فى سجن جلبوع، مع نقل آخرين لسجون أخرى، وتكثيف الإجراءات الأمنية لاحتواء أى عمليات هروب أخرى محتملة.
وحسب موقع «واللا»، كشفت التحقيقات الأولية، قبل صدور قرار بحظر نشرها، عن أن النفق الذى فر منه الأسرى الفلسطينيون بدأ حفره قبل عام تقريبًا، ويبلغ طوله نحو ٢٥ مترًا، مع علم عدد محدود من السجناء الآخرين بالخطة، ثم سار الهاربون الستة بعد خروجهم من النفق لمسافة ٣ كيلومترات، من أجل الوصول لمركبة كانت تنتظرهم.
ووفقًا للتحقيقات، فإن حارس السجن غفا أثناء نوبة الحراسة، ولم يتواجد الحارس أعلى برج الحراسة الواقع فوق فتحة الهروب، فيما كانت سيارة تنتظر الهاربين الستة، كما تبين وجود آثار لمياه فى موقع الهروب يرجح أنها ناتجة عن مكيف السيارة، بالإضافة إلى آثار لأحذية وسجائر، ما يشير إلى أنهم استبدلوا ملابسهم قبل ركوب السيارة.
وأشار موقع «واللا» إلى أن سائق سيارة أجرة كان بالقرب من السجن، ولاحظ قبل وصول المشتبه بهم إلى السيارة تواجد أشخاص يرتدون ملابس غريبة فى محطة وقود قريبة، واتصل بالشرطة وأبلغهم بذلك فى الساعة الثانية والربع فجرًا.
ونشرت وسائل إعلام عبرية نص مكالمة السائق، التى قال فيها: «لقد رأيت للتو هنا حوالى ثلاثة رجال ملثمين أو نحو ذلك يحملون حقائب ويعبرون الطريق الموازى للسجن بسرعة.. كانوا يرتدون ملابس متسخة بالطين، وركضوا من منطقة السجن إلى منطقة مفتوحة، وقلت لنفسى: يجب علىّ الإبلاغ عن هذا».
وأفادت بأن نائب قائد شرطة بيسان نقل البلاغ إلى سلطات سجن جلبوع، كما تم الإبلاغ عن محتوى مشابه من شاهد آخر، لكن سلطات السجن لم تبلغ عن اختفاء النزلاء إلا بعد ساعة، كما أنها أبلغت أولًا عن اختفاء ٣ نزلاء فقط، ثم صححت ذلك وقالت إن العدد الحقيقى للهاربين هو ستة.
وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أن قائمة الهاربين الستة تضم زكريا الزبيدى، القيادى السابق فى كتائب «شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح» الفلسطينية، ويبلغ من العمر ٤٦ عامًا، وينحدر من مدينة جنين القريبة من السجن.
كما تضم القائمة ٥ أسرى ينتمون لحركة «الجهاد الإسلامى»، وهم: محمود عبدالله عارضة، ٤٦ عامًا، ومعتقل منذ عام ١٩٩٦، ومحمد قاسم عارضة، ٣٩ عامًا من عرابة، معتقل منذ عام ٢٠٠٢، ويعقوب محمود قادرى، ٤٩ عامًا، ومعتقل منذ عام ٢٠٠٣، وأيهم نايف كممجى، ٣٥ عامًا، ومعتقل منذ عام ٢٠٠٦، ومناضل يعقوب انفيعات، ٢٦ عامًا، معتقل منذ عام ٢٠١٩.
وتعتقد السلطات الإسرائيلية أن الهاربين الستة من المحتمل أن ينفذوا هجومًا قريبًا ضد إسرائيل، لذا تكثف من تواجدها الأمنى فى مناطق الحشود والأسواق والمعابد اليهودية.
كما تخشى الشرطة الإسرائيلية من محاولة سجناء آخرين فى سجون أخرى تقليد الهروب الناجح، بعد انتشار تفاصيل العملية.
3 منهم حاولوا الخروج فى 2014.. وأحدهم طلب نقله للزنزانة قبل يوم من ساعة الصفر
كثّف مسئولون أمنيون فى إسرائيل بحثهم عن الخروقات الكبيرة فى إجراءات تأمين سجن جلبوع شديد الحراسة، التى أدت لتسهيل حدوث عملية هروب الأسرى الفلسطينيين الستة. وحسب تقرير لموقع «واللا» العبرى، فإن المسئولين الأمنيين فى إسرائيل كشفوا عن خروقات وثغرات أمنية هائلة وغير متوقعة، جعلت عملية الهروب تتم تحت أنظار سلطات السجن وحراسه، بل الشرطة الإسرائيلية كلها.
ونقل «واللا» عن أحد حراس سجن «جلبوع» قوله: «منذ سنوات، عرفت مصلحة السجون أن هناك بعض نقاط الضعف فى السجن، خاصة فى الدوائر الأمنية، حيث تم الكشف عن نفق سابق فى أحد الأجنحة، تم حفره من قِبل مسجونين فى عام ٢٠١٤، ثم وجدوا أن هناك اختلافات فى الارتفاع بين الأرض والصبة الخرسانية، ما خلق فراغًا تحت الزنزانة، ورغم ذلك لم يتم تجديدها، أو التعامل معها».
كما نقل عن مسئول أمنى كبير قوله: «هناك (سلسلة من الغفلة) سمحت بحفر نفق الهروب من جلبوع تحت أنف حراس السجن، لذا تتساءل الأجهزة الأمنية: كيف تم حفر النفق فى الوقت الذى يحظر فيه دخول المعادن إلى الزنزانة؟، وكيف أجرى الهاربون مكالمات هاتفية من السجن؟».
وأفاد «واللا» بأن التحقيقات الأولية توضح أن المسجونين استخدموا «عمود السرير» فى حفر النفق من داخل حمام الزنزانة، وساعدتهم طبيعة الأرض فى الموقع.
وذكر الموقع، نقلًا عن مسئولين، أن الإخفاق الأول فى التعامل مع حادث الهروب بدأ منذ وقت طويل، عندما قررت إدارة السجن وضع الأسرى الستة معًا، رغم أن كلهم من مدينة جنين القريبة من السجن، و٣ منهم سبق أن صُنفوا على أنهم «سجناء مع مخاطر عالية للهرب».
وأشار إلى أن مصلحة السجون شهدت منذ البداية احتجاجًا على قرار وضع الأسرى الستة معًا فى زنزانة واحدة، وقال أحد المسئولين فى المصلحة: «لا يوضع سجناء من بلدة واحدة معًا، وأكثر من ذلك لا يوضع سجناء من جنين فى سجن جلبوع القريب جدًا منها، ولا يوضع سجين بالقرب من بلدته حتى لا يساعده أبناء البلدة على الفرار».
أما الإخفاق الثانى، حسب «واللا»، فيتمثل فى عدم توافر حراسة حول السجن، فحسب مسئول كبير فى مصلحة السجون فإن سجن جلبوع لا توجد حوله سيارة دورية تتجول للكشف عن أى هجمات أو محاولات فرار.
وأكد الموقع العبرى أن أحد المسئولين قد حذر من ذلك قبل عام، لكن قيادة السجن تجاهلت التحذير، رغم أن هذه الثغرة ظهرت عند التدريب على سيناريوهات فرار من السجن جرت فى عامى ٢٠١٩- ٢٠٢٠، كما أن السجن شهد فى عام ٢٠١٤ محاولة سجناء الفرار بواسطة نفق، لكن العملية أُحبطت فى اللحظة الأخيرة. الإخفاق الثالث- حسب «واللا»- كشفته التحقيقات، ويتعلق بتكنولوجيا الأمن فى السجن، حيث أظهرت أن السجناء الستة كانوا فى زنزانة رقم ٥ فى الجناح ٢ الذى يضم أسرى «فتح»، وخلال أشهر حفروا نفقًا تحت حمام الزنزانة، ونظرًا لأن الجناح قريب من سور السجن فقد نجح الستة فى حفر نفق من تحت السور وهربوا عبر فتحة إلى طريق فرعى للسجن. فيما تمثل الإخفاق الرابع فى استجابة سلطات السجن لطلب السجين زكريا الزبيدى نقله إلى الزنزانة التى يتواجد بها السجناء الخمسة الآخرون، قبل يوم واحد من موعد الهروب، مع تجاهل قرارات مصلحة السجون بالفصل بين السجناء على أساس انتماءاتهم الحركية، لذا تمت الاستجابة للطلب دون أى مشكلات. الإخفاق الخامس، وفقًا لـ«واللا»، تمثل فى تجاهل مسألة نشر مخططات مبنى السجن على الإنترنت، على الموقع الإلكترونى للشركة التى صممت السجن، بالإضافة إلى نوم حارس سجن المراقبة. أما الإخفاق السادس، الذى رصده المسئولون الأمنيون فى إسرائيل، فهو أن سجن جلبوع نفسه كان مكانًا لمحاولة هروب مشابهة تمامًا لـ٨ فلسطينيين ينتمون لحركة «الجهاد» فى عام ٢٠١٤، من بينهم ٣ من الذين نجحوا فى الهروب هذه المرة، وتم السماح لهم بالمشاركة فى نفس الزنزانة، لأن السلطات لم تهتم بالفصل بينهم، أو تحاول إجهاض طريقة الهروب، المتمثلة فى حفر نفق أسفل حمام الزنزانة.