«كورسات الخطر».. «الدستور» تحقق في بيزنس العلاج النفسي
لم تعانِ أحلام عبد الله -أم لطفل عمره 7 سنوات ومصاب بالتوحد- فقط من حالة ابنها التي استهلكت روحها، ولكنها عانت من الأخصائيين النفسيين الذين استغلوها واستنزفوا أموالها لتكتشف في النهاية أنهم ليسوا أطباء معتمدين لممارسة الطب النفسي، بل مجرد مخادعين لم يدرسوا الطب واستغلوها وغيرها من الأمهات استنزاف أموالهم مقابل وهم العلاج.
حالة "أحلام" تمثل حال الكثير من الأمهات الذين يبحثون عن بارقة أمل لشفاء أطفالهن ولكن يحدث أن يتم استغلالهم من قبل مدعي قدرتهم على العلاج النفسي والتأهيل بعد حصولهم على شهادات لدورات تدريبية تمنحها لهم جهات غير معلومة المصدر وتستغرقهم ما يقرب من 30 ساعة فقط والنتيجة تصبح "أخصائي نفسي" يمكن أن يفتتح المركز الخاص به ويدعي قدرته على علاج كافة الأمراض النفسية، في حين يمثل الأمر خطورة على المريض النفسي.
عيادة بلا لافتة وروشته بلا اسم
قالت أحلام: «أنا مثل أي أم تتعلق بأي أمل وابني حالته صعبة لا يستطيع حتى الكلام، وتعرفت على هذه المُدعية من خلال جيراني الذين بدأوا في علاج ابنهم المصاب أيضًا بالتوحد معها قبلي بأيام قليلة، وحصلت على هاتفها منهم وتواصلت معها عبر الواتس اب»،مضيفة « عندما أرسلت لها رسالة بتفاصيل حالة ابني أكدت ليأنها درست أحدث الأساليب النفسية لعلاج هذه الحالات و استطاعت بأسلوبها المنمق إقناعي وزوجي بزيارتها ولكنها طلبت مني أولا إجراء رنين مغناطيسي على المخ ورسم مخ ومجموعة من التحاليل كلفتنا ما يقرب من 5 آلاف جنيه، وحصلنا على موعد لزيارتها».
واستطردت: «عندما وصلنا لموقع عيادتها كان مثيرًا للشك فهي لا تضع أي لافتة من الخارج توضح أنها عيادة طبيبة نفسية، داخل العيادة لا توجد أي شهادة توحي بتخصصها أو من أي جامعة تخرجت كما هو موجود في كل العيادات، حتى بعد توقيعها الكشف على ابني كتبت الأدوية على ورقة بيضاء مكتوب عليها مركز العلاج النفسي، وليس روشتة بها اسم طبيب وعنوان المكان ورقم التليفون كالمعتاد.
وتابعت: «ما زاد شكي نحوها هي الأدوية التي وصفتها لابني والتي عرضتها على طبيب مخ وأعصاب قبل أن أشتريها وحذرنا منها الطبيب وأكد أنها أدوية محظورة على مريض التوحد، ولا يتم صرفها إلا من طبيب مخ وأعصاب وفي حالات نادرة ومحددة لأنها تمثل خطورة شديدة في غير هذه الحالات».
وأكدت أحلام «لم ألتزم بالتعليمات التي كتبتها لابني ولم أصرف الأدوية التي كتبتها بعد ما قاله لي الطبيب النفسي، ولكن ما يقلقني هو غيري من الأهالي الذين استطاعت بحلو الكلام جذبهم إلى مقرها، ومن المؤكد أنها لعدم تخصصها ستضر أبنائهم، وأتمنى أن تلاحقها قوات الأمن وأنا لدي عنوانها واسمها بالكامل ومستعدة للتعاون مع أي شخص لإلقاء القبض عليها هي وكل مدعي لدراسة الطب لاستغلال الأهالي».
بعد دورة تدريبية مدتها 24 ساعة مركز يمنح المتدرب شهادة "أخصائي نفسي" والادعاء توثيقها من وزارة الخارجية.
أصبح من الطبيعي في هذا الوقت أن تنتشر عشرات بل مئات الإعلانات لأماكن تدّعي أنها تمنح دورات تدريبية ودبلومات في كثير من التخصصات ولكن كان أكثرها انتشارًا هي دبلومات علاج التوحد والتخاطب وعلاج الإدمان وغيرها من الدورات التي تعمل على الجانب النفسي للمرضى، وتكون في نهاية كل إعلان أن الشهادة التي يمنحها المركز للمتدرب موثقة من وزارة الخارجية المصرية حتى يتأكد من يتقدم للحصول على التدريب أنه يمكنه مزاولة مهنة أخصائي نفسي بكل سهولة.
وللتأكيد على ذلك حاورت "الدستور" أحد المراكز من خلال إعلانها المنشور على الفيسبوك والذي يدعي أنه يوفر دورات تدريبية في تخصصات مختلفة بالصحة النفسية ومقره منطقة مصر الجديدة.
في البداية عرفتنا المتحدثة عن نفسها والتي تُدعى أسماء وتعمل في هذا المركز وأكدت أن الدبلومة التي سألنا عنها كمعالج نفسي تكون معتمدة وموثقة من وزارة الخارجية المصرية، "وبعد اجتياز تلك الدبلومة يحصل المتدرب على شهادات ثلاث وهي الأكاديمية العربية أكاديمية Top Health، والخارجية المصرية كما يحصل المتدرب على كارنية اخصائي نفسي يمكنه من خلاله مزاولة المهنة.
وأوضحت أسماء، خلال حديثها مع "الدستور"، أن دبلومة معالج نفسي تتكون من 8 محاضرات مكثفة منها 6 نظري ومحاضرات تعملي، كل محاضرة تستغرق مدتها3 ساعات وهذا بمبلغ يصل1100 جنيهًا، مشيرة إلى أن أبرز المحاور بالدبلومة ألا وهي معرفة وسائل العلاج النفسي والسلوكي، تدخلات العلاج النفسي الإدراكي، التواصل إلى معرفة الدوافع، وحوار العاطفي، وتطوير مهارات التواصل، عرض طرق الحوار لحل الخلافات، وممارسة خطوات إنشاء الاستقلال النفسي.
الخارجية ليست جهة مختصة بالتوثيق
وبالتواصل مع السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، قال إن وزارة الخارجية تقوم بالتصديق على الشهادات المختومة والموثقة من الوزارات المخصصة لذلك منها وزارة التعليم العالي، فالخارجية ليست جهة مختصة، بل الإدارة المختصة بالتصديق والموجودة بمنطقة العباسية تصدق على الشهادات الممنوحة والمختومة الصادرة عن الكليات والمعاهد والجامعات المصرية أما عن وجود هيئة تدريبية لأي نوع من التدريبات ليس لوزارة الخارجية أي علاقة بها في التصديق على شهاداتها.
وأكد رخا أن هذه الأماكن التي تدعي هذا تمثل عملية خداع للمواطنين فحصول أي مواطن على دورة تدريبية في العلاج النفسي ليس للخارجية دور في هذه الدورة بل يتم اعتمادها من الكليات والجامعات المختصة فقط، ويكون توثيق وزارة الخارجية عليها في حالة سفر صاحب الشهادة إلى الخارج فقط للتأكيد إن ختم الوزارة المانحة للشهادة صحيح ولكن ليس لوزارة الخارجية أي علاقة بالمضمون، لذلك ترويج أي مركز أو معهد غير تابع للجامعات المصرية وحاصل على ختم وزارة التربية والتعليم يمثل عملية خداع.
صفحة على "فيسبوك" لجذب المرضى
وعن طريق إحدى جروبات علاج التوحد علمت لمياء محمود عن طبيبة نفسية تمتلك أحدث أساليب علاج التأخر العقلي ومتلازمة داون والتوحد، كما أعلنت عن نفسها، وقالت لمياء«أتابع كل ما هو جديد في علاج التوحد لابني الصغير، ومن خلال إحدى جروبات التوحد نصحت سيدة بطبيبة نفسية مؤكدة أنها عالجت ابنها من التوحد ووضعت رابط لصفحتها على فيسبوك».
وتابعت لمياء «من خلال الصفحة حصلت على رقم هاتفها وتواصلت معها وحصلت منها على موقع العيادة في منطقة فيصل التابعة لمحافظة الجيزة، وبالفعل زرتها بالعيادة وكان الكشف بـ 500 جنيه، موضحة «كتب لي مجموعة كبيرة من الارشادات ومكملات غذائية لا تتوفر سوى خارج مصر مع بعض الأدوية التي تعالج التوحد كماقالت منها «الديباكين والديروكسين».
خلال فترة العلاج لم تجد لمياء أي تحسن في حالة ابنها بل علىالعكس بدأت تسوء وعندما قامت بعمل بحث على الإنترنت حول الأدوية التي يتناولها ابنها وجدت أنها لعلاج الصرع والكهرباء الشديدة على المخ ولا يجوز لطبيب نفسي أن يكتب مثل هذه الأدوية،وأوضحت« عندما تواصلت مع أكثر من أم تعالج ابنها عندها اكتشفنا أن الأمهات اللاتي أكدن على جروبات التوحد أنها عالجت أبنائهن يعملن معها لأنهن عندما تتبعنا حساباتهن على كل جروبات التوحد ومتلازمة داون وجدنا أنهن يكتبن نفس المنشور، منوهة « لو أعلم طريقة من خلالها يمكن أن أبلغ عنها لفعلت لاستغلالها حاجتنا لعلاج أبنائنا واستنزافها ماديًا دون أن تملك شهادة من كلية الطب لممارسة هذه المهنة.
استشاري صحة نفسية: الأخصائي النفسي يتمرس في سنوات وغير المؤهل يمثل خطر على المريض النفسي
وعلق الدكتور وليد هندي، استشاري صحة نفسية، قائلًا إن الأخصائي النفسي يجب أن يكون مُعد إعدادًا مهنيًا لفترة لا تقل عن أربع سنوات متواصلة من الدراسة وقد تزيد عندما يريد الأخصائي أن يثقل ببعض الخبرات التقدمية، مضيفا أنه من الضروري أن يكون واسع الاطلاع على العلوم المختلفة، لاسيما أن يرتكز على أسس وقواعد علمية ومعرفية بجانب الأدوات والمقاييس وكذلك التشريعات الاجتماعية بشكل يمكنه من التعامل مع المرض باختلاف أعمارهم وتفكيرهم ومشكلاتهم النفسية.
وأوضح هندي، في تصريح لـ"الدستور"، أن القدرة على التطبيق أبرز صفات الأخصائي المهني، وذلك مع الارتكاز على مقاييس علمية مقننة في دراسة الشخصية حتى يصبح أخصائي نفسي متمرس التعامل مع أنشطة وأطوار الحياة كافة،
وأشار إلى ظهور كيانات ومسميات وهمية في الآونة الأخيرة مثل لايف كوتش، ومدربي تنمية بشرية ومن لا مهنة له يدعي كونه إخصائي نفسي وهو غير مؤهلًا لذلك، مشيرا إلى أن الدورات التدريبية في مجال الصحة النفسية التى تستغرق شهرين أو أكثر لا أساس له من الصحة، معلقا:" كل هذا حبر على ورق ،بعيد كل البعدعن الإعداد الحقيقي للإخصائي النفسي".
وحذر هندي على خطورة تعامل الأخصائي النفسي غير المؤهل مع المريض النفسي فقد يكون لذلك تبعات سلبية، وحدوث انتكاسة للمريض وتعمق المشكلة النفسية الأساسية ولاسيما خلق مشكلات نفسية أعلى مما يمكن أن يصل به الحال إلى الإقبال على الانتحار أو الاتجاه إلى المشعوذين والدجالين فى محاولة التخلص من مشكلته النفسية.
وأكد استشاري صحة نفسية ضرورة وجود جهات مختصة ترصد المخالفات وتتابع صفحات الإنترنت للإمساك بكل من يدعي أنه أخصائي نفسي وهو غير مؤهلًا لذلك ومن ثم يطبق عليه القانون، كما يلزم في مواجهة تلك الأزمة سن تشريعات تمنع مخاطبة الجماهير على الهواء من قبل منتحلي الصفة، كما يلزم توعية المواطنين بذلك، حتى يمكن مداهمة الأوكار التى تمنح شهادات وهمية والمضروبة تحت مسمى أخصائي نفسي.