زيارة حاسمة.. ملفات ساخنة على أجندة بينيت فى واشنطن
الأربعاء الماضى، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلى، نفتالى بينيت، زيارته الأولى إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، للقاء الرئيس الأمريكى، جو بايدن، وعدد من المسئولين فى واشنطن، فى زيارة تحظى بأهمية خاصة فى ظل القضايا التى تتناولها، وقائمة الأولويات المختلفة لدى الجانبين.
وتعد الزيارة فرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد لترميم العلاقات مع قادة الحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة، الذى تنتمى إليه إدارة «بايدن»، بعد سنوات من التوتر بين قادة الحزب والحكومة الإسرائيلية، خلال عهد رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى أهميتها فى التوصل لترتيب واضح للأولويات المختلفة لدى واشنطن وتل أبيب تجاه عدد من القضايا الدولية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
الاستثمارات الصينية فى إسرائيل والتهدئة مع الفلسطينيين على رأس أولويات إدارة بايدن
بعد علاقات متوترة بين إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن والحكومة الإسرائيلية السابقة، برئاسة بنيامين نتنياهو، يميل المسئولون فى البيت الأبيض إلى منح رئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد، نفتالى بينيت، فرصة كبيرة لترميم العلاقات بين الجانبين، الأمر الذى يجعل من زيارة «بينيت» الأولى إلى واشنطن فرصة لن تتكرر، ويجب العمل على استغلالها للتوصل إلى تفاهمات استراتيجية ملموسة تجاه مختلف القضايا.
وقبل فترة من الزيارة، سافر وليام بيرنز، رئيس المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه»، إلى إسرائيل، فى بداية أغسطس الجارى، مع جدول أعمال تمهيدى لزيارة «بينيت» المرتقبة إلى واشنطن.
وتضمن جدول أعمال زيارة «بيرنز»، فى حينه، عددًا من الملفات الإقليمية والحيوية ذات الأولوية لدى الولايات المتحدة، على رأسها مسألة تمدد الأنشطة الصينية فى المنطقة، ومستقبل السلطة الفلسطينية واستقرار العلاقات الإسرائيلية مع الأردن.
وكان الملف الإيرانى الموضوع الأكثر إلحاحًا بالنسبة لإسرائيل، مع مناقشة السيناريوهات المختلفة لعودة الولايات المتحدة المحتملة إلى إطار الاتفاق النووى مع طهران.
وطلب «بيرنز»، خلال زيارته، من الحكومة الإسرائيلية، بقيادة «بينيت»، أن تخفف من خطابها المعارض للاتفاق النووى، مع الامتناع عن القيام بعمليات ضغط فى الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية.
وبالنظر إلى طبيعة تلك الملفات لا يبدو أن جدول أعمال زيارة «بينيت» إلى واشنطن سيختلف عنها كثيرًا، مع إضافة ملفات أساسية، منها الأزمة فى لبنان وميزان الردع بين إسرائيل و«حزب الله» اللبنانى، باعتبارهما جزءًا من النهج العنيف الذى تمارسه إيران فى المنطقة، وكذلك الأوضاع فى أفغانستان وتداعياتها على المنطقة بعد الانسحاب الأمريكى من كابول.
ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية ستطلب من إسرائيل أن تقدم لها رؤية واضحة عن سبل التقدم فى العلاقات مع الفلسطينيين، مع وقف الاستيطان، بالإضافة إلى التوصل لتهدئة طويلة المدى مع الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة، وتحسين العلاقات بين إسرائيل والأردن.
أما المطلب الثانى والأكثر أهمية لأمريكا، وفقًا للمراقبين، فهو ضمان انضمام تل أبيب إلى الجبهة الدولية التى تحاول واشنطن تشكيلها ضد التمدد الصينى فى مناطق مختلفة، لكون ذلك التمدد يشكل خطرًا على الولايات المتحدة، خاصة فى المجال التكنولوجى.
ورغم صعوبات الملفات فإن التقديرات تشير إلى أنه من المستبعد أن تضع إدارة «بايدن» كثيرًا من العقبات والصعوبات أمام رئيس الوزراء الإسرائيلى فى زيارته الأولى لواشنطن، لذا لن يكون هناك إصرار كبير على المطالب الأمريكية.
وكشفت مصادر بالبيت الأبيض لوسائل إعلام دولية عن أن الإدارة الأمريكية تدرك أن تمرير الميزانية العامة من «الكنيست» هو الاختبار الأهم لبقاء الحكومة الإسرائيلية الحالية، لذا لا تنوى إثارة أى صدامات مع حكومة «بينيت» حتى تتم المصادقة على تلك الميزانية، كى لا تعرضها لخطر التفكك، ما يفتح الباب أمام احتمالات عودة «نتنياهو» لرئاسة الحكومة المقبلة، وهو ما لا ترغب فيه واشنطن.
استعادة الدفء مع «الديمقراطيين» والتنسيق فى الملف الإيرانى أهم أهداف «نفتالى»
بالنسبة لإسرائيل، فإن المشروع النووى الإيرانى هو الملف الاستراتيجى الأكثر أولوية، وبعده تأتى مسألة الأوضاع فى أفغانستان وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة، لذا فإن على «بينيت» أن يبذل جهده لإقناع الإدارة الأمريكية بوجهة النظر الإسرائيلية تجاه الملف الإيرانى.
وترى تل أبيب أن تجديد الولايات المتحدة الاتفاق النووى مع طهران سيشل أياديها عن أى هجوم عسكرى ضد المنشآت النووية الإيرانية، كما سيفرض عليها تطوير قوة استثنائية وتشكيل منظومة أمنية مع شركاء إقليميين ودوليين لمواجهة إيران.
ويرى المراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلى سيطلب بشكل واضح من الإدارة الأمريكية أن تمنع إيران من الوصول إلى نقطة لا يمكن بعدها وقف مسيرتها إلى امتلاك سلاح نووى، كما سيطلب الحصول على تعهُّد من واشنطن بالعمل على ردع طهران عن الحصول على تلك القدرات، مع تقديم ضمانات سياسية واقتصادية لإسرائيل حتى تستطيع الدفاع عن نفسها ضد ذلك الخطر المحتمل.
ويؤكد المراقبون أن «بينيت» سيثير، خلال الزيارة، مسألة المحافظة على التفوق النوعى للجيش الإسرائيلى، وكذلك تأثير التهديدات الإرهابية على استقرار الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية الصينية، يرى المراقبون أن «بينيت» سيتعهد بالرقابة على الاستثمارات الصينية فى إسرائيل، بصورة تضمن عدم المساس بمصالح الولايات المتحدة، وتحافظ على تفوقها التكنولوجى.
وتشير تقارير إلى أن على إسرائيل، التى ترتبط حاليًا بعلاقات وثيقة مع الصين، أن تقدم ضمانات بأنها ستكون جزءًا من منظومة تحدى التمدد الصينى، كما ترغب الولايات المتحدة.
على جانب آخر، سيحاول «بينيت»، وفقًا للمراقبين، أن يقدم خلال زيارته سياسة شاملة لترميم العلاقات مع يهود الولايات المتحدة بكل تياراتهم، بالإضافة إلى سياسة واضحة تضمن الحصول على تأييد الحزبين الكبيرين فى الولايات المتحدة، الديمقراطى والجمهورى، بعد تدهور العلاقات مع الأول بسبب سياسات «نتنياهو».
كما أن على «بينيت» أن يقنع الإدارة الأمريكية بوجهة نظره الخاصة تجاه القضية الفلسطينية، وهو أمر شديد الصعوبة فى ظل تباين الرؤية بينه وبين مسئولى الإدارة الحالية، والخلاف حول مسألة حل الدولتين وإعادة فتح قنصلية الولايات المتحدة فى القدس الشرقية، التى أُغلقت فى عهد الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وهى خطوة عارضها الحزب الديمقراطى بوضوح.
ورغم ذلك، من المتوقع أن ينجح «بينيت»، خلال زيارته إلى واشنطن، فى التوصل لاتفاقات ضمنية مع الإدارة الأمريكية حول استقرار الأوضاع مع الفلسطينيين، والسماح بإعادة إعمار قطاع غزة بمساعدات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى التصدى المشترك لأى محاولات لمساءلة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.