«الدمغة المزورة».. جريمة في محرر رسمي
من ذلك الطابع البريدي الصغير الذي تطلبه العديد من المؤسسات الحكومية كضريبة مقابل مبلغ مادي ضئيل نظير تقديمها بعض خدمات للمواطنين، استطاعت عدد من العصابات تكوين تجارة غير شرعية تتمثل في تزويرها هذا الطابع والدمغة الحكوميين، وبيعها للمواطنين على أنها أصلية، وتحقيق من وراء تجارة الزيف تلك أرباحًا كبيرة غير مشروعة.
وكانت آخر هذه العصابات، عصابة الساحل المكونة من رجل وزوجته، وتم ضبطهما وتوجيه تهمة تقليد طوابع الدمغات المنسوبة للعديد من الجهات الحكومية وبيعها في مكتبة خاصة وترويجها للمواطنين مقابل مبالغ مالية، على أنها صحيحة بقصد التربح من وراء ذلك النشاط.
في هذه السطور نفتح ملف تزوير، طوابع الدمغات الحكومية، وكيفية مواجهته من قبل السلطات بالإضافة إلى كيفية تحري المواطن البسيط عدم الوقوع في فخ شراء الدمغة المزورة التي قد تهدد مصير أوراقه الرسمية.
استشاري الطب الشرعي: الدولة تستخدم أفضل الأحبار في الدمغة الأصلية
الدكتور أحمد عبد الرؤوف استشاري الطب الشرعي، أوضح أن الدولة تستخدم أفضل وأجود أنواع الأحبار في تصنيعها للدمغات والطوابع، وذلك لطبيعة الأوراق وللمستندات الحكومية التي عادة ما يتم الاحتفاظ بها لسنوات طويلة، وبالتالي تحتاج ألا تطمس الألوان والأخبار الموجودة على الدمغة، ولذلك نجد أنه مهما طال الزمن على المستندات الحكومية فلا تتغير ألوان الدمغة المثبتة عليها على الإطلاق.
وأشار إلى أن ذلك يعد أحد الفروق الهامة بين الدمغات الأصلية، وغيرها المزورة والتي يستطيع المواطن تمييزها بسهولة مشيرًا إلى أن الدمغات المزورة تبهت أحبارها بسهولة فتلتصق باليد، وتطمس عليها بينما ذلك لا يحدث على الإطلاق مع الطابع الأصلي.
وتابع أحمد أن الورق المستخدم في الدمغات الأصلية كذلك يختلف تماما عن نظيره المزور، بالإضافة إلى "الشرشرة" على جانبي الدمغة تعد أيضًا من المميزات للدمغة الأصلية، والتي من الصعب تقليده بالدمغة المزورة، ولكن في الغالب لا يلتفت المواطن البسيط لملاحظتها.
بيع الدمغات بالمكتبات مخالف للقانون
تعليقًا على بيع الدمغات والطوابع الحكومية بالمكتبات العامة توجهنا إلى مباحث الأموال العامة، وصرح مصدر مسئول لنا أنه من غير القانوني على الإطلاق بيع أي من الدمغات والطوابع للرسمية بالمكتبات، فالأماكن المخصص بيعها فيها هي الهيئات والمؤسسات الحكومية أو بمكاتب البريد، موضحاً أن ما يفعله أصحاب المكتبات القريبة من المؤسسات الحكومية التي تحتاج الى دمغات لسير الأعمال بها، هو شراء كميات كبيرة من الدمغة ثم بيعها، وذلك لاستقطاب أعدادًا أكبر من الزبائن الذي يلجأون للشراء من تلك المكتبات توفيرًا للوقت نظرًا للزحام على شرائها بالمؤسسة الحكومية.
وتابع أن بيع الدمغات الأصلية بحد ذاتها في المكتبات ليس أمرًا مربحًا ولكن أصحاب المكتبات يعتبرونه أمرًا قد يجعل الزبائن تتردد على المكتبة بشكل أكبر، وبالتالي قد تشتري سلع أخرى مثل منطق بيع بعض الأكشاك “للسجائر الفرط” ذات الربح الضئيل.
وفسر المصدر أنه لذلك يقوم بعض أصحاب المكتبات بشراء الدمغات من بعض المزورين وذلك لتحقيق فائدة ربحية لكل منهما، وأشار كذلك المصدر إلى أنه من الصعب على المواطن العادي كشف التزوير بالدمغات، وهذه طرق تختص بها مباحث الأموال العامة، لذا قال أنه ما يمكن عمله هو توجيه النصيحة للجميع بألا يشتري الدمغات والطوابع إلا من الجهات الرسمية فقط، لأن شراؤها من غير ذلك يعد ضياع لحقوقه وحقوق الدولة لصالح لصوص.
عصابات أدخلت آلات التزوير محظورة للبلاد
اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق أوضح "للدستور" أن المسؤول عن إصدار الدمغات الحكومية هي المطابع الأميرية، أما المسئول عن التفتيش عنها هي كل من إدارة أبحاث التزييف والتزوير بوزارة العدل، وإدارة مكافحة جرائم التزييف والتزوير في مباحث الأموال العامة.
وأكد فاروق على أن الدولة تميز كل طابع بريدي ببعض الشعارات الخاصة والعلامات المائية التي من الصعب تزويرها، إلا أنه ومع الأسف ففي وقت الانفلات الأمني وفي عام حكم الجماعة الإرهابية تمكن البعض من إدخال بعض الآلات الدقيقة المسئولة عن تصنيع الدمغات والطوابع إلى البلاد على الرغم من حظر الحصول عليها و استخدامها إلا من قبل مؤسسات الدولة المعنية بذلك فقط، مشيرًا إلى أن الدولة ما زالت إلى الآن تطارد عصابات استخدام هذه الآلات، وذلك من خلال حملاتها التفتيشية المتكررة.
جريمة في محرر رسمي عقوبتها تصل إلى 10 سنوات سجن
ووضح الدكتور أسامة عبيد دكتور القانون الجنائي أن جريمة تزوير الطوابع والدمغات الحكومية تمثل تزويرًا في محررًا رسميًا، مشيرًا إلى أن جريمة التزوير في محرر رسمي لا يشترط أن تكون تزويرًا في أوراق بالمعنى الحرفي، ولكن المقصود أن يكون محررًا يدل على معنى معين، وذلك مثل الحال في الدمغات والطوابع التي تعني تحصيل الدولة لأموال نتيجة خدمة معينة للمواطن، وبذلك يعني التزوير فيها هو إعطاء خدمة لمن لا يستحق.
ولفت إلى أن التزوير في الدمغات والطوابع الحكومية بذلك يعد في القانون جناية، وبالتالي عقوبته السجن من ثلاث إلى عشر سنوات.
وقد نص قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1973 فى الباب السادس عشر منه والخاص بجرائم التزوير، على عقوبة التزوير فى الأحكام أو المحاضر، واختلفت العقوبة إذا ما وقعت الجريمة من موظف عام، أو إذا وقعت من غير موظف عام، ونصت المادة 211 من القانون على، كل صاحب وظيفة عمومية ارتكب في أثناء تأدية وظيفته تزويراً في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة يعاقب بالسجن المشدد أو السجن، ونصت المادة 212 على، كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً مما هو مبين في المادة السابقة يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة أكثرها عشر سنين.
كما نصت المادة 213 على، يعاقب أيضا بالسجن المشدد أو بالسجن كل موظف في مصلحة عمومية أو محكمة غير بقصد التزوير موضوع السندات أو أحوالها في حال تحريرها المختص بوظيفته سواء كان ذلك بتغيير إقرار أولي الشأن الذي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها أو بجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها، وفى حال استعمال هذه الأوراق المزورة نصت المادة 214 على: من استعمل الأوراق المزورة المذكورة في المواد الثلاث السابقة وهو يعلم تزويرها يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن من ثلاث سنين إلى عشر.