رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفلات «جلد الصحافة» «عام» و«خاص» وبينهما «ملطشة»

مرة أخرى يعود الهجوم على الصحافة إلى صدارة المشهد، لمجرد أن شخصًا تم تصويره على غير رغبة منه، أو أن شخصًا، اختار العمل «العام»، فأزعجته بعض الكاميرات، وهو جاهلٌ بما تعنيه مفردة «العام» تلك، وما يترتب عليها من تبعات، وحقوق لجمهور من يدفعون له أجره، أو لا يعرف عن المهنة التى جعلته «شخصية عامة» غير أنها مربحة، وتدر من الأموال ما لا يحصل عليه من هم أفضل منه عِلمًا وعملًا، وأكثر جهدًا، لكنهم قنعوا بكونهم شخصيات اعتيادية، لا تهم تفاصيل حياتهم أى أحد غير الذين يعرفونهم ويحبونهم. ودون أن يعرف أنه لا ذنب للصحفى فى مسألة جهله بأن وجود «شخصية عامة»، أى شخصية عامة، فى «مكان عام»، أى مكان عام، هو بمثابة تصريح بالتصوير والتسجيل والبث المباشر.

وقبل أى كلام علينا أن نعرف أولًا ما وظيفة الصحفى؟ ما المهمة المفروض أن يقوم بها على وجه التحديد؟ هل هى نقل ما يطلبه المشاهير ونجوم المجتمع والسياسة والاقتصاد وخلافه إلى القراء ومتلقى الخدمة التى يقدمها؟ أم نقل ذلك المتلقى إلى مكان الحدث «العام» المهتم به، وإطلاعه على جميع تفاصيله وجوانبه، وفق الحدود «العامة» المسموح له بها.. أيًا كان الحدث، وأيًا كانت ملابساته وتفاصيله؟.

هل هى تجميل الواقع وتصويره وهو يسند ذقنه فوق كفه مع ابتسامة أو ضحكة واسعة عشان الصورة تطلع حلوة؟ أم نقله كما هو بسلاطاته وباباغنوجه وأحزانه وأفراحه وضحكاته الهستيرية وانهياره من البكاء؟.

الثابت أن مهمة الصحفى، فى كل وقت، هى نقل ما يهم جمهوره، ولو كانت دموع ممثلة، أو بلطجة مغنٍ، أو سماجة لاعب كرة، أو مداهنة سياسى أو رجل دين، لا يحدد له المصدر «الشخصية العامة» حدود ما يقوم به، ولا يتدخل فى عمله، طالما كان المكان «عامًا»، والحدث يهم جمهور قرائه ومتابعيه، وطالما لم يتجاوز مساحته. يستوى فى ذلك تصوير الأفراح والسهرات وحفلات الشواطئ، مع تصوير الجنازات والعزاءات ونوبات البكاء.. مع التأكيد على أن مسألة تحديد الحدث المهم هذه هى مهمة الصحفى والجريدة التى يعمل بها، لا يتدخل فيها أحد، ولا علاقة لأحد بها، ولا فارق فيها بين افتتاح فيلم أو مسرحية، وبين جنازة نجم أو نصف مشهور.. ولا هو حلو لما يصورك وينشر صورك فى السهرات وعلى الشواطئ، وتبعت له صورك فى طائرة خاصة وفى «أوضة النوم» وينشرها، ووحش لما يختار اللى يوفر على جمهوره الوقت والجهد ويصور له ما يريد، ويحب أن يتابعه؟! 

كل هذا كلام قديم، ومن بديهيات العمل الصحفى، لكن البعض، خصوصًا ممن أزعجتهم «حفلة جلد الصحافة» من الصحفيين والإعلاميين، يبدو أننا بحاجة إلى تذكيرهم بأن الصحافة هى مهنة البحث عن المتاعب، بوصلتها القارئ لا المصدر، وأن وجود بعض المخالفات أو التجاوزات لا يعنى أبدًا منع الصحفى من ممارسة عمله أو مهنته وتحويله إلى «ملطشة» لكل من «هب ودب»، ومنهم من تحدثوا فى الأمر، فانضموا عن غير قصد إلى تلك الحفلة، واعتبروا أن من يقومون بتلك التغطية دخلاء على المهنة أو يسيئون لها، أو ما شابهه من عبارات.. يا صديقى هذه هى مهنتك، أن تتابع كل ما يهم جمهورك، وإن لم يعجبك أو يتفق مع ذائقتك، أما البحث عن ضوابط، ووضع حدود لحرية الصحفى، وتقييد حركته فى التغطية والتصوير، فتلك مشكلة المصدر، وعليه أن يبحث لها عن حلول، ترفضها الجماعة الصحفية أو تقبل بها، ومنها على سبيل المثال ما كتبته واحدة من كبار الصحفيات بشأن تنظيم تصوير الجنازات فى أوروبا، ووضع حواجز يقف خلفها المصورون، ويتم منعهم من الاقتراب من الجثمان والمعزين، إلا أن ما كتبته تضمن «جلدًا» للصحفيين المصريين، باعتبار محاولاتهم الوصول إلى أقرب نقطة ممكنة هو أمر معيب، رغم أنه من أوجب واجباته كصحفى، إذ يبدو أنها لا تعلم أن هذه الحواجز التى يقف خلفها المصورون، تضعها أجهزة الأمن، ويتم تنظيمها وفقًا لطلب من الجهات المنظمة للحدث، وتتحول معها المنطقة إلى مساحة وسط ما بين العام والخاص. ولعلها تعرف أنه فى أوروبا ماتت أميرة بسبب مطاردات المصورين لها، واسمها ديانا بالمناسبة، والمرة الوحيدة التى كسب فيها فنان قضية رفعها ضد مصور صحفى، حدثت فى بريطانيا، عندما رفع النجم جورج كلونى قضية ضد مصور «بابارتزى»، بسبب تصويره فتاة عارية داخل إحدى غرف منزله، فكان وجودها فى «غرفة خاصة» هو السبب الوحيد لخسارة المصور القضية. وقبل أسابيع استقال وزير الصحة البريطانى بسبب صورة نشرتها الصحافة له وهو يُقبل مديرة مكتبه.

على الجانب الآخر، تجد مثلًا صفحة تحت مستوى الشبهات تسمى نفسها «المرصد المصرى للصحافة والإعلام»، تصدر تقريرًا عما تسميه «الانتهاكات التى يتعرض لها الصحفيون»، وتقول فيه إنه فى شهر يوليو تم منع صحفى من دخول معرض الكتاب رغم إظهاره كارنيه النقابة! دون أن تشير إلى ما صاحب دورة المعرض من احتياطات وإجراءات احترازية تم تطبيقها على الجميع، زوارًا وصحفيين وناشرين وموظفين بالهيئة العامة للكتاب، فوصفت «جهل هذا الشخص» بالإجراءات التى كان يجب اتباعها، وعدم التزامه بالتسجيل الإلكترونى، أو بالمركز الصحفى للمعرض بأنه كان «يؤدى عمله»، ومنعه من الدخول «انتهاك» لحرية الصحافة.. بصراحة كده.. من أنتم؟ وما كل هذا الهراء؟! عايزينها بضوابط وحدود يلتزم بها الجميع؟ ولا عايزين تفتحوها «مندبة» يتحول فيها الصحفى إلى ملطشة للجميع؟!.

قبل أن تسن «الكيبورد» وتبدأ وصلة محاسبة للصحافة والصحفيين الذين يتكبدون مشقة الوقوف فى عز الحر لكى ينقلوا لك صورًا من مكان لن تستطيع الوصول إليه، أو تكاسلت عن الذهاب إليه فى انتظار ما ينقلونه لك، فكر قليلًا، قليلًا جدًا والله، مش تفكير عويص يعنى، لكى تدرك جميل صنعهم من أجلك حتى وإن لم يعجبك.

وقبل أن تلوم الصحفى لأنه «صورك وأنت مغمض»، أو وأنت تُقبل مديرة مكتبك، ركز أين أنت، وما طبيعة عملك، واعلم أن هناك من يراك، ولن يتردد فى تصويرك ونشر صورك ومحاسبتك.