شخصية الأب في شعر محمود درويش.. «اتخذها كرمز للتعبير عن الضمير الفلسطيني»
كان العالم الأسري للشاعر الراحل محمود درويش (13 مارس 1941- 9 أغسطس 2008) تأثيرًا كبيرًا على تجربته الشعرية، وظهر ذلك جليًا في رموزه وإيحاءاته التي استخدمها في نصوصه الشعرية، وكانت الشخصيات الأسرية أثيرة لديه، يكن لها الحب والعطاء، ومن أبرز هذه الشخصيات كانت شخصية الأب التي تعد حاضرة وبقوة في النص الشعري لدى درويش.
وفي مقال للكاتب يحيى البشتاوي، بمجلة "أفكار" بعددها رقم 295 الصادر بتاريخ 1 أغسطس 2013، كشف عن شخصية الأب في النص الشعري لدى درويش، قائلًا: تعد شخصية الأب من أكثر الشخصيات حضورًا في فضاء النص الشعري لدى درويش بصورها ودلالاتها المتنوعة؛ بوصفهما من أبرز المؤثرات التي شكلت عالمه الأسري، وكان لها دور فاعل في تشكيل شخصيته، وقد أخذ مساحة واسعة في تجربته الشعرية، ودلالة الأب في شعره هي الإنسان الفلسطيني وليس الأب العضوي، وهي دائمًا (توحي بالإنسان الباذل حيث يأخذ الأب رمزًا).
وتابع: وقد برز الاهتمام بصورة الأب واضحًا جليًا منذ البواكير الشعرية الأولى لدرويش، وظل هذا الاهتمام متواصلًا حتى المرحلة الأخيرة من تجربته الشعرية، فجاءت صورته قريبة من الواقع، إذ لم يخيب الأب طموحات أبنائه وأحلامهم، حينما أبقى على دوره في مقاومة المحتل لتحرير ما اغتصب من الأرض، فلم يغفل الشاعر صورة الأب، ولم يسقطها في موقفه ورؤيته.
كان درويش ينتمي إلى أسرة تملك أرضًا في قرية البروة بفلسطين، ولم يتغافل درويش هذا الأمر في شعره، فقد ارتبطت مفردات اللغة لديه بالأرض وعناصرها من تراب وأشجار ومحراث، كما في قصيدته "بطاقة هوية"، إضافة إلى تعبيره عن عميق انتماء أبيه وجده إلى الأرض التي شكلت بالنسبة لهما عنوانًا للشموخ والتحدي.
وليس هذا فحسب؛ فهناك عدة صفات حميدة أصر درويش على توضيحها في شعره تتمثل بعلاقته بأبيه كالتأدب والاحترام في الحوار بينهما، فكانت هذه الصيغة ملازمة لقصائد درويش، فضلًا عن الخجل الذي يتملك درويش في علاقته بوالده، وظهرت هذه السمة بشكل واضح في الكثير من قصائده.
اتخذ درويش من شخصية الأب أيضًا رمزًا للتعبير عن الضمير الفلسطيني الذي ينادي بضرورة التشبث بالأرض، ومقاومة العدو ومحاولاته في اقتلاع أبناء الوطن من أرضهم، واستعان درويش أيضًا بالأب للتعبير عن الوطن في عدد من القصائد، بتعدد الدلالات في شعره.