يوسف إدريس.. «تشيخوف العرب» كما يراه المثقفون والكتاب
من بين العديد من الألقاب التي أطلقت عليه٬ لقب الكاتب يوسف إدريس والذي تحل اليوم الذكرى الثلاثين لرحيله عن عالمنا٬ في مثل هذا اليوم من العام 1991 بأنه "تشيخوف العرب".
وهناك شبه إجماع على أن يوسف إدريس كان القاسم المشترك بين الكتاب الذين اتخذوا من القصة القصيرة فنا إبداعيا لهم٬ وأنه كان أول من قرأ له الكتاب ودفعهم لكتابة القصة القصيرة.
وفي هذا التقرير نستعرض رأي الكتاب والمبدعين المصريين في يوسف إدريس وكيف كان له الأثر الأول والأكبر لاتجاه الكتاب في كتابة القصة القصيرة.
بداية يقول الكاتب الشاب بيتر ماهر الصغيران: يوسف إدريس بمثابة نقطة تحول كبرى وبالأخص بعدما قرأت قصة "نظرة"٬ ثم تبع ذلك المجموعة القصصية "النداهة"٬ في مرحلة التعليم الجامعي شعرت أن التكثيف اللغوي الذي صاغ به قصصه والقدرة على اختزال الأفكار في قالب قصصي كانت قدرة عجيبة في الوصول إلى القارىء ثم تبع هذا قراءة مجموعات قصصية أخرى سواء لدكتور يوسف إدريس أو الأستاذ نجيب محفوظ أو اَخرين٬ وأن كنت أرى أن المجموعة القصصية "بيت من لحم" أفضل مجموعة قصصية في القرن العشرين من حيث اكتمال الفن القصصي بها كلغة وتكثيف وأسلوب.
ومن جانبه قال الكاتب الكبير أحمد الخميسي: قرأت للكثيرين قبل أن أكتب، حتى أنني لا أستطيع أن أتذكرهم جميعا، لكن القراءات الأولى كانت الأكثر تأثيرا لأنها كانت مثل النقش على صفحة مازالت بيضاء. بالطبع يأتي يوسف إدريس في مقدمة الأدباء الذين تركوا تأثيرا ضخما في أكثر من جيل، ويذكر بهذا الصدد قول يحيي حقي: "القصة قبل يوسف إدريس شيء، وبعد يوسف إدريس شيء آخر".
وهو ما يؤكده الكاتب أشرف الصباغ من أن أنطون تشيخوف وإدجار ألن بو ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ومحمد جبريل ومحمد مبروك ومرعي مدكور، ومحمد المخزنجي ويوسف أبو رية وإدوار خراط، والعديد من كتاب السبعينيات في مصر. كانوا ممن أثروا عليه في مرحلة مبكرة من حياته فاتجه للكتابة.
ومن ناحيتها تقول الكاتبة الشابة تيسير النجار: كتبت أول قصة في طفولتي قبل القراءة، كنت أضيف الرسومات لقصصي لسد عجزي عن الكتابة بشكل كافِ، أدون كل ذلك في كراساتي القديمة بعد انتهاء المدرسة، ثم بعد ذلك قرأت قصص الأطفال المصورة وبعدها قرأت سلسلة المكتبة الخضراء، بينما في مراهقتي قرأت الأعمال الكاملة للمبدع يوسف إدريس.
أما الكاتب حسام المقدم شدد على أنه: مع بداية دخول الجامعة في منتصف التسعينيات كان اكتشاف يوسف إدريس. هذا الاكتشاف أظهرَ طريقا جديدا للغاية أمام عقل صغير يسترشد طريقه بتخبط، عبر قراءات حالمة وهادئة لمحمود تيمور ويوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله وغيرهم. مع يوسف إدريس اختلف الأمر جدا.. إنه كاتب قادر على ترجمة كل ما نتوهم أنه لا يُكتَب، في الحياة العادية وفي الشارع الذي نعرفه، وحتى الأنفاس الحارّة والرغبات المُحرمة. كما أن قراءته تُحرضك تحريضا على أن تكتب.
من جانبه أكد الناقد الكاتب سيد الوكيل: بطبيعة الحال كان القاص الشهير في وقتنا هو يوسف إدريس كان نموذجا لم يريد كتابة القصة، بنصيحة النقاد الذين اعتبروه تشيكوف العرب. لكني فيما بعد قرأت للجيل التالي له، أقصد الستينيات أمثال إبراهيم أصلان وبهاء طاهر وسعيد الكفراوي، وهم من عرفوا بكتاب الحساسية الجديدة كما نظر لها إدوار الخراط. فأدركت أن حدود القص لم تقف عند إدريس ولا حتى تشيكوف نفسه، عندئذ أيقنت ضرورة أن يكتشف كل كاتب ذاته وإمكاناته، فلكل كاتب بصمته، عندئذ بدأت في البحث عن ذاتي، وقد استغرق هذا مني رحلة طويلة من التجريب.
بينما شدد القاص شريف صالح علي أن: يوسف إدريس حقق لي نقلة مدهشة خصوصًا أننا نتشارك معًا في بيئة الطفولة الريفية.
وبدورها قالت الكاتبة صفاء عبد المنعم : يوسف إدريس وتشيكوف، هما أكثر من أثرا فى طريقة كتاباتى خصوصا قصة "موت موظف" لتشيكوف، وقصة "نظرة" ليوسف أدريس، والإنحياز الكامل للبسطاء لــ "ملح الأرض" كما سماهم السيد المسيح.
أما الكاتب طارق إمام فيذهب إلي أن: عندما تبدأ في التفكير بكتابة القصة، فأنت تُنصح بداهةً بأنطون تشيخوف ويوسف إدريس، كقطبين لذلك النوع. قرأتهما مبكراً وربما حاكيتهما لكن لوقتٍ خاطف، قبل أن أجد نفسي في عوالم كتاب آخرين، ربما كانوا يشبعون ولعي سواء بالتخييل الذي يحرّف قوانين الواقع أو بالكثافة الشعرية للنص القصصي خاصةً .
وبدوره قال الكاتب محمد بركة: كانت قراءاتي الأولى تمضى بالتوازي مع بداياتي الأولى في مزاولة هذا الفن المراوغ الماكر . قرأت عددا من أشهر المجموعات القصصية ليوسف إدريس بداية من مجموعته "أرخص ليالى" وليس انتهاء بمجموعته "العتب على النظر" مرورا بـ "لغة الآى آى" و "أليس كذلك" و "اقتلها" حتى رواياته كانت تبدو لى بكثافتها وحيوتها و إيقاعها السريع اللاهث مثل قصة طالت بعض الشيء، كما هو الحال مثلا في "البيضاء" و"نيويورك 80".