مراسل مجلة «لايف» الأمريكية عن حفل تتويج الملك فاروق: أول عاهل لمصر الحديثة
رغم أنه لم يكن قد بلغ السن القانونية٬ إلا أن القائمين على شئون الحكم تحايلوا على معضلة سن الملك فاروق، ليتوج ملكا على مصر والسودان في مثل هذا اليوم من العام 1937 وذلك بعد وصوله لسن الرشد بالتاريخ الهجري.
ويذكر الدكتور أسامة حمدي٬ في كتابه “ما خَفِىَ.. بين فاروق وناصر في الصحافة الأمريكية”٬ والصادر عن دار العين للنشر٬ إلى أن مجلة “لايف” الأمريكية خصصت عددها الصادر بتاريخ 9 أغسطس 1937 للتناول والتعليق على هذا الحدث التاريخي. حيث يقول محرر مجلة “لايف” في القاهرة: منذ أسبوعين عاد الملك فاروق الأول إلي القاهرة كي يتوج رسميا ملكا في احتفال لم يسبق له مثيل ولم يعهده أحد.
وعقب الحرب نصبت بريطانيا على عرش مصر السلطان فؤاد الأول٬ والد فاروق الملك الصبي الحالي٬ الذي لقب في أخريات أيامه بملك مصر.
ويتابع مراسل مجلة “لايف”: قام وجهاء مصر الذين يمثلون 10 ملايين نسمة بتنصيب فاروق الأول، الذي منح بسطة في الجسم، وقسطا من الوسامة “أول عاهل لمصر الحديثة وملك للمملكة المصرية التليدة”. حيث أنه ليس لحكومة صاحب الجلالة سابق خبرة يستدل بها، فإن التخطيط لهذا التتويج قام به رئيس الوزراء، قليل القد، بدين الجسم النحاس باشا، في اللحظة الأخيرة وعلى عجل، وكان النحاس يجري اتصالا هاتفيا من القاهرة إلى "فيشي" في فرنسا، بخبير البروتوكول الذي كان يعالج هناك ليقرر إن كان صاحب الجلالة يرتدي التاج ذا الرقائق الذهبية للملك توت عنخ آمون، الذي تم العثور عليه في السنوات الأخيرة.
كانت هذه فكرة طيبة، إلا أن الولاة المسلمين “المحمديين” لم يتوجوا قط، وكان النحاس باشا يدرك أن الشعب المصري ليس له عهد بهذه الأمور في ظل الدولة العثمانية. ولحسن الحظ فإن مصر الحديثة كان في حوزتها سيف محمد علي، المرصع بالذهب، ومحمد علي، هو مؤسس الدولة المصرية الحالية، وهذا ما فكر فيه رئيس الوزراء.
لكن هذا السيف التاريخي لم يتسن العثور عليه، وفي غيبة كل من التاج أو السيف، أمرت حكومة صاحب الجلالة أن يكون الموكب مؤلفا من سيارات ليموزين شاهقة الاحمرار، ثم غيرت ذلك بتخصيص سيارة حمراء ناصعة لرئيس الوزراء، وعربة ذهبية ناصعة للملك فاروق.
ويستطرد مراسل مجلة “لايف” عن حدث تتويج الملك فاروق الأول على عرش مصر: اشتدت الحرارة في مصر، ووصلت إلى 104 فهرنهايت، وهذا شديد الوطأة حتى على المصريين أنفسهم، وحولت قاعة البرلمان إلي ما يشبه السونا، ولم تكن تسع إلا العائلة المالكة والنواب والشيوخ والدبلوماسيين.
وفي هذه القاعة في العام الماضي وقف رئيس البرلمان ليطلع الجميع على المظروف الذي يحتوي وصية المرحوم الملك فؤاد التي كتبها قبل 13 سنة وبها أسماء الثلاثة الذين رآهم أوصياء على الملك الحالي حتى يبلغ سن الرشد.
استعان قارئ الوصية بكشاف وعدسة مكبرة، ليعلن رسميا أن الشمع علي المظروف سليم، ولم يعبث به، وأخذ يفتح المظروف في خضم حالة من الترقب المتصاعد، وأخذ النواب والشيوخ يلقون نصائحهم بصوت عال حتى صرح رئيس البرلمان أنه يصعب عليه فتحه فهم أحد الشيوخ المتماسكين بفضه. أحد الذين وقع الاختيار عليهم من الأوصياء كان قد وافته المنية، ولم يرق الاثنان الآخران لأعضاء البرلمان، وصوت البرلمان علي الفور علي تعيين ثلاثة آخرين كأوصياء.
وادي الوجهاء الثلاثة مهمتهم على خير وجه، وفي الأسبوع الماضي تم نقل هذه السلطات في البرلمان إلى الملك فاروق الأول، في حفل بسيط لحلف اليمين، شبيه بما يحدث في واشنطن، وقام صاحب الجلالة بأداء القسم على القرآن الكريم، بحضور وزير من الولايات المتحدة الأمريكية يدعى "برت فيش"، ويجلس في مقصورة الدبلوماسيين. “أتعهد أمام الله العلي القدير اني سألتزم بالدستور والقانون، وأحافظ على استقلال البلاد وسلامة أراضيها”.
وعن برنامج الملك الجديد في أول أيام حكمه يتابع مراسل مجلة “لايف” الأمريكية: وفي اليوم التالي، ورغم استمرار حرارة القاهرة التي لا تطاق، اتجه الملك فاروق إلي الأحياء شديدة الفقر، وسط تهليل الناس بهدف الصلاة في المسجد الذي يرقد فيه والده، وفي اليوم الثالث عدلت حكومة صاحب الجلالة البرنامج، وبكرت بزيارة المشير الملك عدة ساعات حتي يتسني لجلالته تفقد الجيش المصري في الساعات الأقل حرارة عقب الفجر مباشرة. وقد نصبت الحكومة مكبرات صوت في الميادين العامة لكبري المدن المصرية، ليتسني للناس سماع صاحب الجلالة للمرة الأولى: “أهب نفسي خادما مخلصا لبلدي، وأسدي الشكر إليكم جميعا أنتم شعب مصر، وإلي كل الأجانب على ما أبديتموه من إخلاص حيال والدي وحيالي”.