حكاية اختيار المهندس محمود يونس لتأميم قناة السويس
يعد فيلم “ناصر 56” هو أكثر الأعمال الفنية التي تحدثت باستفاضة عن تأميم قناة السويس عام 1956، وهو الفيلم الوحيد الذي تحدث بشكل كبير عن دور المهندس محمود يونس الرجل الذي تولى مسئولية تنفيذ قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، وهو الدور الذي لعبه الفنان أحمد ماهر، وهو من أهم الشخصيات التي كان لها دور مؤثر منذ قرر الرئيس جمال عبدالناصر تأميم القناة وحتى تنفيذ القرار وتحوله لأمر واقع.
المهندس محمود يونس من مواليد حي السيدة زينب بالقاهرة في عام 1911، وكان والده يعمل موظفا بهيئة السكة الحديد، والتحق بمدرسة الهندسة الملكية عام 1930، ليلتحق في عام 1936 بالهندسة العسكرية وكان من بين أول دفعة مهندسين في الجيش المصري والتقى جمال عبدالناصر في عام 1948 خلال حرب فلسطين، وعقب قيام ثورة يوليو أسند إليه المكتب الفني ورئاسة لجان جرد قصور الملك.
تم اختيار محمود يونس مديرا للمكتب الفني لمجلس قيادة الثورة واشترك في اللجنة الوزارية لتشكيل مجلس الإنتاج وفي المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي ثم عين عضوا منتدبا لمعمل التكرير بالسويس ورئيسا للجمعية لشئون البترول والثروة المعدنية، كل هذا وكان لايزال رسميا ضابطا بالقوات المسلحة ثم ترك الجيش نهائيا عند وصوله رتبة قائمقام "عقيد" وفي عام 1954 انتخب نقيبا للمهندسين وتكرر ذلك في عامي 55 و 1957 ثم اتحاد نقابات المهندسين في الدول العربية.
وكانت قصة محمود يونس مع تأميم القناة حينما كلفه جمال عبدالناصر بوضع خطة تأميم القناة، وهو الاسم الذي تم الاستقرار عليه دون آخرين، توافق رئيس الهيئة العامة للبترول مع مساعديه عزت عادل سكرتير مساعد الهيئة وعبدالحميد أبو بكر عضو مجلس إدارة الهيئة وتم تقسيم مجموعات العمل إلى 3 مجموعات ووفقًا لمذكرات محمود يونس يقول: "في ليلة التأميم كنا ثلاث مجموعات إحداهن رئيسية في الإسماعيلية والثانية في السويس والثالثة في بورسعيد وكنت على رأس مجموعة الإسماعيلية ولم يكن أحد يعلم سر المهمة في المجموعات الثلاث غيرى وعبد الحميد أبوبكر وعادل عزت ووصلنا الإسماعيلية بعد ظهر يوم التأميم فلما خطب ناصر في الإسكندرية وقال كلمة ديليسبس ثم قال: «والآن أقول لكم»، دخلت مع المجموعة مبنى الشركة واستدعيت المسئولين وأبلغتهم قرار التأميم بالعربية وانهاروا أمامى وطلبوا منى تأمين حياتهم".
لم يتوقف دور محمود يونس على لحظة التأميم وإنما واجه المشكلة الأصعب، فقد فوض عبدالناصر محمود يونس سلطات رئيس الجمهورية في منطقة القناة، بعد قرار التأميم بما يقارب شهرين قرر المرشدون الاجانب الانسحاب من العمل في القناة، وقال ريموند ليونس إنه وزملاءه المرشدين والبالغ عددهم 206 وكذلك 154 موظف ترك العمل تحت زعم عدم قدرتهم التعاون مع محمود يونس، وقال خلال اللقاء أيضًا إن الشركة المنحلة ضمنت لهم مرتباتهم وأعلنت مكافأة عام لمن يترك العمل، وانسحب المرشدين الأجانب في منتصف سبتمبر ليرد يونس: "مع السلامة نحن مستعدون لتقديم إي تسهيلات لخروجهم فورًا من البلاد"، وأخبر يونس جمال عبدالناصر بما حدث فقال عبدالناصر قل لهم: إنني أعطيت تعليماتي بتيسير حصولهم على تأشيرات الخروج.
وكان يونس قد أعد خطة منذ البداية لأنه كان يتوقع خروج المرشدين الإنجليز والفرنسيين كمحاولة لوقف العمل في القناة وقد تم تعيين 46 مرشدًا للعمل في القناة قبل خروج المرشدين الأجانب بخمسة أيام، وظل محمود يونس مسئولاً عن قناة السويس كرئيسَ للهيئة حتى تم تعيينه نائبًا لرئيس الوزراء لشئون المواصلات في عام 1965.