صلاح بوسريف عن رحيل المفكر المغربي سبيلا: فاجعة فرضت علينا إعادة قراءة ما كتبه
فقد المشهد الفكري بالمغرب والعالم العربي، مساء أمس الإثنين، المفكر البارز محمد سبيلا، والذي يعد أحد أبرز المشتغلين بالمجال الفكري الفلسفي المتعلق براهن الحداثة وما بعد الحداثة، وجاء رحيل سبيلا أثر اصابته بفيروس كورونا.
يعد سبيلا أحد أبرز المشتغلين بالتفكير الفلسفي ومفاهيمه، وقدم العديد من المؤلفات الفكرية والفلسفية منها: الأصول والحداثة، والحداثة ما بعد الحداثة، والمغرب في مواجهة الحداثة.
يقول الشاعر والناقد المغربي صلاح بوسريف لـ"الدستور": “محمد سبيلا واحد من المفكرين العرب المعاصرين الكبار، أو هو مفكر الحداثة بامتياز، كما دأبنا على تسميته، لأن كتاباته، وما صدر له من أعمال في العقدين الأخيرين، كلها كانت حول الحداثة، باعتبارها، قدرا، في مجتمعاتنا، وفي واقعنا، وفكرنا وثقافتنا”.
ويتابع: "سبيلا كرس اشتغاله للحداثة، لأنه اعتبرها المدخل لخروجنا من المآزق الكبرى التي نعيشها في واقعنا العربي، وما يحف بنا من مفارقات، باتت بين الشروط التي تكبح صيرورتنا وتقدمنا، وكأننا عالقون في عنق زجاجة".
وتابع: "كتب محمد سبيلا في الحداثة، بوعي مفكر أدرك أن الحداثة، ليست هي التحديث، رغم إيمانه أن مظاهر الحداثة التي هي التحديث، أو ما نستعمله من الحداثة من أدوات، حتما سيكون لها أثر على فكرنا، وأننا، حتى ونحن نصد الحداثة أو نرفضها، فهي عالقة بنا، تأخذ بتلابيبنا، وتحثنا على للانخراط فيها، فقطار الحداثة، سرعته فائقة، وعلينا أن نعرف متى وأين وكيف نستقله، لأن مقاومتنا للحداثة بذريعة المحافظة والتقليد، أو التشبث بالتقاليد، هي تأخير، فقط، لهذا القدر الذي لا اختيار لنا فيه".
واستطرد: “محمد سبيلا، كان أيضا مناضلا، ومثقفا عضويا، بالمعنى الكامل لعبارة غرامشي الشهيرة، وكان صاحب موقف ومبدإ، وكان بين اليساريين الأكثر تشبثا بحلم التغيير، وبضرورة المقاومة فكريا وثقافيا لبلوغ هذا التغيير، وربما كان ابتعاد سبيلا عن الحزب، لما حدث فيه من انتكاسات، هي انتكاسات اليسار عموما، هو ما جعله يعتبر الحداثة هي الشرفة المتبقية لنشرف على المستقبل، ننخرط فيه، لنعيد فهم أنفسنا، وفهم الآخر، والخروج، بالتالي، من مأزق المابين الذي نعيش فيه، لا نحن خارج الزجاجة، ولا نحن في قاعها، كل من درسوا على يد محمد سبيلا، يشهدون له بالتواضع، وبمعرفته الواسعة والعميقة، وما كان يضعه أمام طلبته من آفاق للمعرفة والبحث والسؤال".
ولفت بوسريف إلى أن “عمل محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي على إنجاز موسوعة فلسفية مهمة، نشرت في كتيبات صدرت عن دار توبقال، في مفاهيم لا يمكن لدارس الفلسفة وعلم الاجتماع، بل العلوم الإنسانية، تفاديها، رغم أنهما، في هذا العمل الموسوعي، حاولا تبسيط المفاهيم، لتصل إلى جميع فئات القراء والدارسين والطلبة والباحثين، من مثل الأيديولوجيا، والإبستمولوجيا، واللغة والفكر، والحداثة، وغيرها. وهذا العمل، هو تأكيد لانشغال مفكر الحداثة، بالفكر والتفكير من خلال المفاهيم التي بها يمكن أن نقرأ، ونتأمل، ونفكر، ونراجع بعض الثوابت واليقينيات في فكرنا وثقافتنا، فالحداثة، شرطها المعرفة، وأيضا، وضع المفاهيم والتصورات في سياقها الذي لا يزيغ بالفهم، أو بما يمكن اعتباره وضوحا في الرؤية والفهم".
واختتم بوسريف: “لأجل هذا عاش محمد سبيلا حياته، ولهذا كان موته فاجعة، فرضت علينا أن نعيد قراءة ما كتبه، لأن الفكر اليقظ، لا يموت، بل يحيى كلما لملمنا أسئلته، وخضنا في ما تقترحه علينا من إشكالات ترتبط بثقافتنا، وبواقعنا”.