صحيفة دار العلوم المُحكمة.. وشقة التوفيقية.. وتمجيد حسن البنا
تُشكل كلية دار العلوم قيمة علمية كبيرة، كونها الحصن الكبير للغة العربية، وبما تضم من أساتذة رفيعى المستوى، ورغم كل هذا فإن التاريخ الأسود لجماعات الإسلام السياسى لا يستطيع أن يتناسى بعض خريجى الكلية من أعلام العنف والتطرف، كان أبرزهم الشيطان الأول حسن البنا، والمتطرف الأكبر سيد قطب، فضلًا عن العديد من الأسماء المتطرفة الأخرى، ولا يمكننا أن ننكر أبدًا أن كلية دار العلوم على مدار تاريخها الطويل كانت ملاذًا كبيرًا وحصنا حصينًا لجماعة الإخوان، كما أن وجود أى فتاة غير محجبة فى هذه الكلية كان ضربًا من ضروب الخيال.
ولكن على مدار السنوات السابقة نجحت قيادات الكلية وجامعة القاهرة فى استشعار موضع الداء وبتصريح عميد الكلية نفسه الذى صرح سابقًا: «لا ننكر أن الكلية بها أفكار متطرفة مترسخة بها منذ زمن، ولدينا أعلى نسبة من التطرف دون بقية الكليات؛ لأن سيد قطب أحد دارسى دار العلوم، وترك خلفه بصمة متطرفة نحاول القضاء عليها»، وربما لا يمكننا أن نتغافل أن واقع كلية دار العلوم اليوم أصبح واقعًا مختلفًا حتى استطاعت فتاة غير محجبة أن تفوز عام ٢٠١٩ برئاسة اتحاد الطلاب بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
أما عن التاريخ ففى أثناء فترة السبعينيات حتى ١٩٨١ كان اتحاد طلاب دار العلوم هو المسئول عن إدارة اتحادات الطلاب، ومن خلال التعاون بين اتحاد طلاب دار العلوم وإحدى المكتبات السلفية وتعرف بمكتبة ابن تيمية فى وسط البلد فى القاهرة طُبع بها كل كتب الجماعات الإسلامية وأكثرها خطورة، مثل كتاب الفريضة الغائبة عام ١٩٧٩، ومن المثير أن أول نسخة من كتاب «الإيمان» لصالح سرية طُبعت على يد اتحاد طلاب دار العلوم سنة ١٩٧٦.
وارتباطًا بما سبق فقد كان عام وصول الإخوان كرنفالًا لظهور كل إرهابى، ولفض السرية عن كل عقل متطرف، ولفضح الانتماءات البغيضة التى طالما تسترت وراء رداء من التقية والكذب والنفاق، ففى هذا العام نشط بعض المنتمين لكلية دار العلوم مرة أخرى من الإخوان، بدءًا من لحظة ظهور الإرهابى مرسى العياط ومحاولة انتخابه، هذا النشاط كان من خلال فعاليات أطلقوا عليها «الدار تنتخب» وقد كانت دعاية واضحة تدفع الطلاب وكل منتسبى الكلية لانتخاب الإرهابى الساذج مرسى العياط وجماعته وما زالت هذه الفيديوهات الدعائية موجودة على «يوتيوب».
وقد ارتبط بهذه الدعاية المتطرفة أيضًا ما عُرف بـ«صحيفة دار العلوم» التى كانت تصدر عن كيان غريب يعرف باسم جماعة دار العلوم بالقاهرة، وقد استرعى انتباهى العنوان المستفز والبشع الذى عنونت به المجلة افتتاحية عددها رقم ٤٥ الصادر فى يونيو ٢٠١٣.
هذا العنوان كان «إلى أى شىء ندعو الناس؟ للإمام الشهيد حسن البنا»، كانت هذه الكلمات الصادمة دافعًا لى لأن أتفحص هذه الجريمة وأضمها لأرشيفى كدليل مادى على جرائم مجموعة من المتطرفين فكريًا اعتقدوا أنهم سيظلون أبدًا فى ظلال مؤخرة طائر النهضة.
وعلى مدار ٢٠ صفحة كانت المجلة والقائمون عليها منبهرين بأفكار واقتباسات إمام الشر حسن البنا، وبكل تبجح يسطرون فى ص٦ من العدد كلام البنا عن دعوة الإخوان وغايتها وأساليبها ووسائلها، وكمنبر للفكر الشيطانى لم تتورع المجلة عن ذكر كلمات صريحة، مثل ما جاء فى ص ٨ «تلك هى الرسالة التى يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس»، وفى ص ٩ القول بأن «شباب الإخوان قد سهرت عيونهم والناس نيام، ولسان حالهم يقول لبنى قومه الغافلين عن تضحيته، لا أسألكم عليه أجرًا إن أجرى إلا على الله»، وهنا تكمن الكوميديا السوداء فى وصف هذا السفه بأنه مكتوب فى مجلة علمية محكمة.
وكشأن المجلات العلمية المُحكمة فى وادى اللالاند فتسير بنا المجلة إلى الحض على العنف كما جاء فى كلام حسن البنا بأن «القوة أضمن طريق لإحقاق الحق»، وأن الجهاد فى سبيل نشر الدعوة الإسلامية فريضة الله على المسلمين، وهو ما ورد فى ص ١٥، وببجاحة المجلات العلمية المحكمة من الدواعش وإخوان الشيطان نجد حديث حسن البنا عن الخلافة وأستاذية العالم ص ١٧، وبكل قذارة من أحبوا العيش فى هذا العام الأسود نجد المجلة المحكمة تنقل قول شيطانهم البنا بعدم احترام الحدود، والدعوة لأن تنساح الحدود وتتوحد الأقطار كما جاء فى ص ٢٢، وبكل خيانة وعهر الإخوان نجد قول حسن البنا بضرورة السمو عن فكرة الحدود الجغرافية والتخلى عنها، ولفظ مفهوم الوطنية الجغرافية والوطنية الدموية إلى وطنية المبادئ السامية والعقائد الصحيحة، وكأننا أمام مانفيستو داعشى أنيق كونه يتشح بثوب المحكمة المحترمة، إلى غير ذلك من مئات النماذج التى جاءت فى سياق الصحيفة المحكمة الداعشية.
وفى الحقيقة فإن هذه الكوارث التى جاءت فى سياق هذه الأوراق المشبوهة دفعتنى للبحث والتقصى عن المحكمة بسلامتها، وكيف كانت بوقًا قذرًا للجماعة المتطرفة فى العام الأسود، وكان المتاح من المعلومات كما وردت فى المجلة نفسها أن العدد الأول صدر عام ١٩٠٧ مع توقف فى بعض مراحل من حياتها، وعنوانها كما ورد فى المجلة أيضًا فى شارع سوق التوفيقية المتفرع من شارع رمسيس، وبتوسيع دائرة البحث والتقصى توصلت إلى أنها تصدر عن نادى دار العلوم لخريجى الكلية، والتى لم تنسَ أن تسمى نفسها جماعة دار العلوم، فلم تتخل عن وصف نفسها بالجماعة، مقرها فى شقة فى منزل قديم فى التوفيقية، يجتمعون فيها أيام الخميس إما بشكل دورى أو متقطع، كان يتم فيها تكريم خريجى دار العلوم أو من ترقوا منهم أو من أصدر كتابًا.
ولضمان وجود تمويل شرعى ظاهرى لا غبار عليه كان لا بد من إصدار هذه الصحيفة، ولأن الأكاديميين وبعض أعضاء هيئة التدريس الذين تململوا من انتظار دورهم فى مجلة دار العلوم الأصلية، كانت بسلامتها المحكمة تنتظر بشغف هؤلاء الراغبين فى النشر لتجنى منهم الأموال، ولتكون بوقًا دعائيًا لجماعة التطرف والظلام، وآخر ما جاء من معلومات بعد سؤال المسئولين عن توزيع المجلة أن آخر عدد من هذه المجلة تم توزيعه مع باعة الجرائد كان بتاريخ ٢ فبراير ٢٠١٧، والمقر وهاتفه المرفوع من الخدمة ما زال باسم جماعة نادى دار العلوم.
أما عن من كتب ومن احتفى بحسن البنا ورفاقه، فشأنهم شأن من خرج من الممر الآمن فى اعتصام رابعة، يعيشون بيننا كطابور خامس يمارسون التقية والنفاق حالمين مرة أخرى بعودة طائر النهضة وبرؤية مؤخرته المقدسة تحلق فى السماء لتُسقط عليهم فضلات التمكين علها تكسو شبقهم العارى بحلم دولة الخلافة مرة أخرى.