«حروب البحر».. تقدير موقف لهجمات السفن الغامصة
أسبوعًا بعد أسبوع تزداد سخونة المعركة بين إسرائيل وإيران، وتتحول من حرب سرية إلى معركة مباشرة، وبالتزامن مع المحادثات التى تجرى بالفعل فى فيينا بشأن الاتفاق النووى الإيرانى تكثف إسرائيل من الهجمات على مواقع عسكرية ومنشآت نووية وسفن إيرانية، فيما ترد طهران بإشعال السفن الإسرائيلية فى أعالى البحار.
ومع اشتعال «معركة البحار» يبحث كلا الطرفين، الإسرائيلى والإيرانى، عن تحقيق بعض المكاسب من تصعيد الأوضاع، أهمها إثارة اهتمام إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بالشرق الأوسط، لوضعه على سلم أولوياته.
وفى السطور التالية، ترصد «الدستور» أهم تفاصيل المواجهات بين إسرائيل وإيران فى مياه الشرق الأوسط، وغرض كل منهما من إشعال الأوضاع، بالإضافة إلى تأثير ذلك على المفاوضات المرتقبة حول الملف النووى الإيرانى.
عشرات العمليات المتبادلة دون إعلان المسئولية.. وتعمد الإصابة دون الإغراق
قبل أيام، تعرضت سفينة شحن مملوكة لرجل أعمال إسرائيلى لهجوم بـ«سلاح مجهول» فى المحيط الهندى، وقدرت مصادر سياسية فى تل أبيب أن إيران هى التى تقف وراء استهداف هذه السفينة التجارية، التى كانت تبحر شمالى المحيط الهندى، وتتجه إلى الإمارات، قبل أن يتم قصفها بسلاح مجهول أدى لاشتعال النار فى أحد جوانبها، قبل أن تتابع مسارها.
وتأتى هذه الحادثة ضمن سلسلة كبيرة من الهجمات التى بدأت قبل أكثر من عامين، عندما اتخذ السياسيون فى تل أبيب، وبتوصية من رئيس الأركان آنذاك جابى أشكنازى، قرارًا بتوسيع الضغط على إيران، وحسب تقارير أجنبية فقد جرت العمليات فى الجو والبر فى سوريا، وعلى حدود العراق، وأيضًا فى اليمن ولبنان، وفى المجال السيبرانى، قبل أن تتوسع إلى الساحة البحرية.
وعلى مدار الأشهر الأخيرة، وقعت عشرات الهجمات البحرية ضد سفن إيرانية، معظمها فى البحر المتوسط، وكان الجزء الأكبر منها موجهًا ضد السفن التى عملت على حمل شحنات من النفط من إيران إلى سوريا ولبنان.
وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، فى مارس الماضى، بأن إسرائيل استهدفت خلال العامين الماضيين ١٢ سفينة إيرانية على الأقل، نقلت معظمها نفطًا فى طريقها إلى سوريا، واستخدمت إسرائيل ألغامًا بحرية لتنفيذ الهجمات، وأحيانًا كانت هذه السفن تحمل أسلحة، وأتت هذه التحركات بالتزامن مع العمليات السرية الإسرائيلية ضد المشروع النووى الإيرانى.
ووفقًا لتقارير دولية، فقد هاجمت إسرائيل أجهزة الطرد المركزى فى منشأة نطنز الإيرانية النووية وعدة منشآت أخرى، وأحدثت العمليات الإسرائيلية أضرارًا عدة بالناقلات الإيرانية دون إغراقها، كما تسببت فى أضرار للمنشآت النووية دون أن تتسبب فى انفجار المفاعلات، لكنها جميعًا ألحقت ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الإيرانى، وساعد على نجاحها ذلك الدعم الذى تلقته إسرائيل من الإدارة الأمريكية السابقة، برئاسة الرئيس دونالد ترامب.
ومع تبدُّل الإدارة فى واشنطن، قررت طهران التوقف عن ضبط النفس، وكانت النتيجة وقوع عمليات إيرانية ضد سفن إسرائيلية، كانت أولاها سفينة يملكها جزئيًا الإسرائيلى رامى أونجار، وكانت ترفع علم جزر الباهاما، وفى طريقها إلى سنغافورة، وجاء الهجوم على جانب السفينة من فوق سطح الماء، الأمر الذى فسره مراقبون بأنه كان محاولة لإلحاق الضرر بها دون إغراقها.
وحينها، اتهمت إسرائيل إيران بالوقوف وراء الهجوم، معتبرة أنه كان ردًا على اغتيال العالم محسن فخرى زاده، أبوالمشروع النووى الإيرانى، قبل الحادث بـ٥ أشهر.
ولاحقًا، ردت إسرائيل بالهجوم على سفينة الاستخبارات الإيرانية «سافيز»، التى تمثل عنصر الدعم اللوجستى البحرى لإيران، وتحمى الملاحة الإيرانية والقوارب السريعة والكوماندوز البحرى فى مهمات الحرس الثورى الإيرانية.
تل أبيب تستهدف تعطيل المشروع النووى.. وطهران تحاول فرض رؤيتها على مباحثات فيينا
خلف المعركة الساخنة فى البحار يحاول كل طرف فرض رؤيته على الطرف الآخر، فإيران من جانبها تسعى للضغط من أجل تخفيف عبء العقوبات عنها عبر الرد الفورى على العمليات الإسرائيلية ضدها، كما تحاول الحفاظ على مصالحها، والتشبث بموقف قوى فى مباحثات فيينا، بشكل يحسن من شروط الاتفاق النووى مع الدول الكبرى لصالحها.
فى المقابل تحاول إسرائيل تحقيق عدة أهداف، فخلال ولاية رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، كانت الهجمات المتتالية ضد إيران تعد من أهم وسائل «نتنياهو» لتذكير الأمريكيين بقدرته على إفساد الاتفاق النووى.
وترى تل أبيب أنها يمكنها عن طريق الهجمات منع إيران من بناء قدرة هجومية نووية، وسط قناعة بأن أى اتفاق نووى بين إيران والدول العظمى سيكون سيئًا بالنسبة لإسرائيل، ولذلك ظلت تل أبيب تستهدف التواجد الإيرانى فى سوريا ولبنان والعراق سرًا وعلنًا.
وفى البحار، هدفت إسرائيل من خلال عملياتها إلى ردع الإيرانيين وإظهار التفوق البحرى عليهم فى مياه الشرق الأوسط، مع إقناع الأمريكيين بأنها ستواصل حربها الخاصة رغم جهود الإدارة الأمريكية للعودة للاتفاق النووى.
وعملت إسرائيل، عن طريق هجماتها، على تأخير البرنامج الإيرانى، مع تكثيف العمليات النوعية على عدد من المنشآت النووية الإيرانية، وعلى رأسها منشأة «نطنز»، وفى السنة الأخيرة، تلقى المشروع النووى الإيرانى ٣ ضربات نُسبت كلها إلى إسرائيل، وتهدف جميعًا إلى إبطاء عملية تخصيب اليورانيوم، التى عادت طهران للعمل عليها ردًا على انسحاب إدارة «ترامب» من الاتفاق النووى.
وفى الأيام الماضية تزايدت الهجمات بشكل كبير، بالتزامن مع المفاوضات الجارية مع إيران فى فيينا، خاصة أنها تأتى بعد أسبوعين فقط من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء نفتالى بينيت، الذى يبدو أنه سيتخذ نهج سلفه «نتنياهو» فى مواجهة إيران، مهما كانت التداعيات، خاصة أن بعض الأطراف ترى أن الفترة الحالية وحتى التوصل لاتفاق تعد فترة ذهبية من أجل تنفيذ مثل هذه العمليات ضد طهران.
فى مقابل هذا التوجه، يرى البعض فى إسرائيل أن الاتفاق النووى قد يكون الطريق الأفضل لعرقلة المشروع النووى الإيرانى، خاصة أن فشل الاتفاق قد يدفع إيران للإسراع بتنفيذ برنامجها النووى دون عائق.
ويتقاطع هذا التوجه مع الرؤية الأمريكية، التى تريد حل الموضوع الإيرانى بأى ثمن، للتفرغ لمعالجة تداعيات كورونا، وتطوير البنى التحتية، والمواجهة مع الصين وروسيا، وسط الخشية من أن تتسبب الهجمات المتبادلة فى إشعال حرب فى الشرق الأوسط ينجر إليها الأمريكيون، شاءوا أم أبوا.
ويعتقد هؤلاء أن مثل هذه العمليات، التى تجرى حاليًا فى السر وعلى نيران هادئة، يمكن أن تخرج عن السيطرة، مع التحذير من أن ٩٥٪ من مجموع التجارة الإسرائيلية تتم فى مياه لا تملك تل أبيب الأفضلية فيها، فى ظل قدراتها البحرية المحدودة فى المحيط الهندى والخليج العربى، البعيدين عن سواحلها، بالإضافة إلى صعوبة الدفاع عن هذه المياه بصورة فعالة لمدة طويلة، الأمر الذى قد تكون له تداعيات غير محسوبة على الأوضاع فى الشرق الأوسط.