كشك الموسيقى فى مدارسنا
فى ندوة عبر الإنترنت عن «الإبداع فى مواجهة التطرف»، وجدتنا جميعًا نتحدث عن دور المدرسة فى خلق الإبداع، وأن تنمية ملكة الإبداع عند الطالب قد تكون بمثابة اللقاح الناجع ضد التطرف، بل والوصول إلى مجتمع آمن.
وبدأت فى الحديث عن كشك الموسيقى فى مدرستنا، مدرسة شبرا الإعدادية، والتى للأسف الشديد تم تغيير اسمها التاريخى الذى عُرِفَت به لعقودٍ طويلة. وكيف تعرفنا على الآلات الموسيقية، وعزفنا عليها- بالقطع نشاز- فى حصة الموسيقى التى كانت من الحصص الدراسية المحترمة والممتعة فى الحياة المدرسية.
وذكّرتنا متحدثة أخرى بحصة التربية الفنية، وغرفة الأشغال التى كان يقوم فيها الطلاب بنحت تماثيل من طين الصلصال، ولم يكن فى ذلك الوقت هناك من يحدثنا عن أن التماثيل ما هى إلا أصنام، وأن فن النحت، الذى هو فن مصرى قديم وعريق، هو حرام لأنه تشبه بالكفار! وكيف كانت تتم تنمية المهارات والحس الفنى للطلاب عن طريق ألوان الشمع ورسم لوحات بسيطة ومُعَبِرة.
وحدثنا زميل آخر عن حصة التربية الزراعية، وأنه كان هناك مهندس زراعى فى المدرسة يقوم بتعليم الطلاب والطالبات «فن الفلاحة والبساتين»، وكيف تمتد يد الطالب لتعلم زرع الخير، هذه الزراعة التى هى اختراع مصرى أصيل، وهدية مصر النيل إلى العالم. وحدثتنا زميلة أخرى عن مدى سعادتها وهى ترى الزهور التى قامت بزراعتها ورعايتها فى حديقة المدرسة تنمو فى فصل الربيع.
وحدثتنا زميلة أخرى عن حصة التدبير المنزلى، التى كان يشترك فيها البنون والبنات، وفرحة هؤلاء والمُعَلِمة «الأبلة» بتعلمهم كيفية عمل المربى، وفى آخر الحصة تكون مكافأة كل واحد منهم تذوق ملعقة من صنع أيديهم، كما يتعلم هؤلاء لذة المشاركة فى عمل جماعى.
وهنا وجدتنى أعود إلى التاريخ، وحال مدارسنا من قبل، ولا أدرى لماذا تغير اسم الوزارة من «وزارة المعارف العمومية»، إلى «وزارة التعليم»؟! هل التغيير مجرد تغيير مسمى واختصاص الوزارة، أم تغيير بالصدفة؟ لكنى بالقطع أُفَضِل المفهوم الجامع والمانع «المعارف العمومية» عن مفهوم الاقتصار على «التعليم»، ولبيان ذلك نتذكر الكتاب الشهير لأشهر وزراء التعليم فى مصر طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر»، وهنا كان طه حسين يقصد الثقافة فى مفهومها الواسع «الثقافة والتعليم» أى بناء البشر.
وعودة إلى بداية المقال وقصة كشك الموسيقى فى المدرسة، وجدتنى أعود إلى محضر «مؤتمر الموسيقى العربية» الذى عُقد فى القاهرة عام ١٩٣٢، ونُشرت أعماله فى مجلد فخيم وضخم فى عام ١٩٣٣؛ إذ تضمنت الأوراق المُقدَمة فى المؤتمر أبحاثًا عن «التعليم الموسيقى» والمقصود هنا ليس التعليم فى معهد الموسيقى، ولكن فى مدارس التعليم العام، حيث تمت مناقشة التقرير المقدم بطرح برنامج لدروس الموسيقى بمدارس رياض الأطفال والسنة الأولى بالمدارس الابتدائية! كما قدم تقريرًا آخر بشأن حالة الموسيقى فى المدارس الحكومية، وسُبل تطويرها.
الأمر الجدير بالنظر والملاحظة أن مفتش الموسيقى بوزارة المعارف العمومية كان هو الدكتور محمود أحمد الحفنى! هذا الرمز الكبير الذى يعرفه كل من درس تاريخ الموسيقى العربية فى القرن العشرين.
السؤال: ما حال الموسيقى فى مدارسنا الحكومية الآن؟!