«قضايا التنوير».. كتاب لـ أماني فؤاد يشرح أسباب الإرهاب
في كتابها "قضايا التنوير ..الخصوصية المصرية" والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة٬ وتشارك به مؤلفته الدكتورة أماني فؤاد في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب٬ تذهب من خلاله إلى أن هشام عشماوي (عملية الواحات الإرهابية)٬ عماد عبد الحميد (الفرافرة)٬ البسطاوي غريب (قتل النائب العام)٬ محمد ناجي (محاولة اغتيال نجيب محفوظ)٬ أبو العلا عبد ربه (قتل فرج فودة) والكثيرين غيرهم نماذج إرهابية أفرزتها الفاشية الدينية التي تستحل دماء شركائهم في الوطن من المختلفين عنهم بناء على فتاوي أصدرها شيوخهم أو أمير إحدى جماعاتهم، يستبيحون لأنفسهم قتل الآخرين٬ كما يستسهلون بها فقد حياتهم أو ما يطلقون عليه الاستشهاد في سبيل الله.
وتتكرر مفردات المشهد الدامي بلا نهاية مرتجاة: رجال بلحي طويلة، زبيبة سوداء واسعة الرقعة في الجبهة، جلباب قصير، حزام ناسف معبأ بالقنابل والرصاص والأسلحة، والمحصلة أشلاء تتطاير، ودماء تلون وجه الوطن وتسهم في تردي أحواله علي أصعدة سياسية واقتصادية تنموية وثقافية اجتماعية، حيث يشيع التوجس والكراهية بين مواطنيه.
وتوضح أماني فؤاد، ظاهرة الإرهابي الذي يقدم علي الاستشهاد والموت أكثر تعقيدا مما يمكن اختزاله في إطلاق أحكام عامة من قبيل غسيل المخ الذي يمارسه أمراء الجماعات علي هؤلاء الشباب، فلا شك أن لكل حالة من هذه النماذج التي تقدم علي إزهاق روحها وأرواح العديد من البشر الأخرى٬ أسبابا مختلفة بعضها: ديني، والآخر اجتماعي سياسي، وبعضها الآخر اقتصادي، فهناك ما يسمى بالحواضن الاجتماعية التي تستنبت في مناخاتها، التي تفتقد العدل والمساواة، حتى في المجتمعات الغربية، تلك النماذج البشرية من الإرهابيين، التي تتقنع جميعها في النهاية بقناع الدين بالرغم من فعلها الإجرامي ــ الاستشهادي من منظورها ــ الذي له مستويات مختلفة لا يمكن أن تختزل في تأثير ما يتلقونه من مقولات أمراء تلك التيارات وقادتهم.
شخصية الإرهابي الاستشهادية تلك تفصح عن عقيدة قد تمكنت من صاحبها لدرجة أن ينهي حياته من أجل ما يؤمن به٬ خاصة حين يشعر أن الحياة والموت يستويان بالنهاية، فلم تهبه الحياة ما يطمح إليه، وهناك مجموعة من الأسباب الداعمة لوصول الإنسان لهذه اللحظة المعقدة.
"هشام عشماوي" المنفذ والمخطط لعملية الواحات طرد من الخدمة بعد انضمامه إلي القوات الخاصة في الجيش المصري، لتعصبه الديني، وعنفه مع الآخرين، بناء علي ما تشير إليه التقارير التي تخصه، النتيجة فرد يحركه بركان من الغضب، يستهدف الانتقام من المجتمع بمؤسساته المختلفة. وعند تحليل حالته الخاصة هناك احتمالية تصفية الحسابات. كما تتضح الرغبة في الزعامة والقيادة في تنقله بين التيارات في سوريا، ثم تكوينه لتيار خاص ليصبح رئيسه، استكمل العشماوي تدريباته في دول خارجية مثل تركيا وسوريا، تحليل العملية يظهر أيضا توافر الإمكانات التسليحية والمالية التي تثبت تلقيه الدعم المالي والمخابراتي من قوي دولية خارجية.
تمضي الدكتورة أماني فواد في تشريح ظاهرة الإرهاب وأسبابه في كتابها "قضايا التنوير" لافتة إلى أن التمهيش السياسي والاجتماعي الذي يقع طيلة التاريخ على الطبقات الدنيا والوسطي، واستئثار الحكام وبطانتهم والمنتفعين من حولهم بكل السياسات والقرارات، أيضا الاستحواذ على ثروات البلاد وخيراتها وترك الأغلبية في مشاكل اقتصادية طاحنة دون التمتع حتى بالقدر الأدنى من كرامة العيش.
فجاجة سلوكيات من يملكون الثروات في العالم العربي، إضافة إلي اللا نضج الفكري، وسوء إدارة الثروات وطرق توزيعها يفجر الواقع حين يستفز الطبقات الأخرى استشراء مظاهر الترف، ومن ثم تخلق مناخات من السخط والكراهية.
التأثير المخابراتي الغربي في تأسيس الجماعات الإسلامية الدموية لصالح الأطماع الاستعمارية الغربية، بجانب إخفاق السياسيين والقادة المزمن في الانعتاق من الهيمنة الاستعمارية بكل أقنعتها المختلفة.
إصرار الأصولية الدينية علي حشو أذهان أتباعها بموروث فقهي قديم ناتج عن سياق عصر مضي، وصراعات تاريخية محددة ببيئات معينة، ورؤية متعالية وعنيفة للآخر بكل أنواعه، شكلت مكونا أساسيا من ثقافة العقلية العربية السلفية.
وتؤكد "فؤاد" أن مصر والعالم العربي تحتاج لمواجهات جذرية للخطابات الدينية التي تحض علي الكراهية والعنف وتكفير الآخر، وأن تقف القيادة السياسية باستنارة وشجاعة لرفض وتجريم تلك الخطابات المراوغة التي تدين فقط وتشجب جرائم القتل والإرهاب ومنفذيها. علينا إدراك مخاطر التباس هذا الخطاب المراوغ وأثره علي البسطاء الذين فخخت عقولهم العقود الماضية وجهزت في حضانات سياسي، دينية، نحن بحاجة لعزيمة قيادة الدولة وموقفها القاطع والصريح فالإرهاب لا يوجد خارج الحدود فقط بل في داخلها أيضا، لذا من الواجب دك حصونه الداخلية بتجفيف منابعه الثقافية وتجريمها، وألا نتهاون مع من يحرص علي أن تظل النار مشتعلة بها.