منير عتيبة: هناك حراك شبابي كبير في الكتابة السردية.. و«كورونا» أثرت على النشاط الثقافي (حوار)
تعددت رؤية ونشاطات الكاتب منير عتيبة، منذ أكثر من خمسة عشر عاما، ما بين القصة والرواية والقصة القصيرة جدا، "عتيبة" يكتب للطفل والناشئة، وقام بالتحاور مع غالبية كتاب العرب والعالم من خلال إسهاماته ورئاسته “ لمختبر سرديات الأسكندرية" على مدار أكثر من عشرة أعوام.
حاز منير عتيبة على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة جدا في العام 2016، وجائزتين من اتحاد كتاب مصر وأصدر منذ أيام كتابه" مصر المبدعه" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة والذي يحمل الرقم 36 في مشروعه السردي والجمالي "مصر المبدعة" والذي تحمست له، وقدمته دكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وهو كتاب يحوي عشرات الدراسات عن كتابات مصرية من كافة محافظات مصر.
يأمل منير عتيبة في توطيد العلاقة الإبداعية ما بين ضفاف سردية في الشرق ومصر وهو يحلم بالكثير من المشروعات والعناوين الثقافية التي تصب في نهر السرد والفن الكتابي والنقدي وحتى المترجم منه.
وفي حوار مع “الدستور” يجيب الكاتب على العديد من الأسئلة التي تتعلق بتلك المسارات والنشاطات، وإلى نص الحوار..
من خلال مسئوليتك التحريرية عن سلسلة كتابات جديدة، حدثنا عن رؤيتك للأشكال السردية المغايرة في الحقل الإبداعي المصري؟
هناك حراك شبابي كبير في الكتابة السردية، وبالذات في مجال الرواية، ربما لأنها الأكثر مقروئية الآن، إضافة إلى القصة القصيرة، وبعض الشباب يبدعون في مجال القصة القصيرة جدًا، وهذه أكثر أشكال الكتابة السردية انتشارًا على مستوى الكتابة والقراءة معًا، إضافة إلى لجوء بعض الشباب إلى كتابة ما يشبه الخواطر، أو السرد الفضفاض غير المؤطر بأطر معروفة، وهذا أمر خطير لأنه يقدم إبداعًا مغايرًا إذا كان الكاتب موهوبًا وعارفًا بما يريد أن يقدمه، لكنه يقدم أعمالًا ضعيفة عندما يكون لجوء الكاتب إليها لأنه فقط لا يستطيع أن يقدم عملًا جيدًا في الأشكال السردية الأخرى. والشباب يقبلون على كتابة الشعر بكل أشكاله؛ التفعيلة والنثر فصحى وعامية، لكن قلة منهم من يكتبون المسرح وفقًا لما يصل إلينا من أعمال. الأهم أن واقع الإبداع المصري الشبابي يمور بإنتاج غزير، الكثير منه جيد، ويمكن أن يكون أجود مع الوقت.
عن مختبر سرديات الاسكندرية، كيف تري مؤثرات جائحة كورونا على أشكال النقد والمتابعة وكيف كان حصاد العامين الماضيين ثقافيا وإعلاميا؟
أثرت جائحة كورونا على النشاط الثقافي في كل مكان؛ وبالطبع على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، كما أثرت على النشاط الاقتصادي والتجاري والترفيهي إلخ، لكن الإنسان لا يقف مكتوف الأيدي، فبعد وقفة لم تطل كثيرًا وُجِدَ البديل، البديل الإلكتروني، الذي كان موجودًا لكن يخشى البعض استخدامه، فعدنا بنشاط مختبر السرديات مكتبة الإسكندرية مرتين شهريًا في الثلاثاء الثاني والرابع من كل شهر أون لاين، وهو ما أعطانا الفرصة للاستفادة من التقنية في التواصل لتنظيم ندوات يشارك فيها الكثيرون من كل دول العالم بدون تكلفة، مع العلم أن المختبر له أنشطة سابقة استخدم فيها تلك التقنية في ندوات ومؤتمرات. بالتأكيد النشاط الآن أقل، لكن نأمل في عودة إلى سابق نشاط المختبر بعد التخلص من كورونا، مع التأكيد على أننا لن نهمل الأرض اللإلكترونية التي اكتسبناها ليسير العمل فيها جنبًا إلى جنب مع نشاط الواقع الفعلي.
تعدد طموحاتك ما بين الرواية والقصة والنققد والإشراف الثقافي على مختبر سرديات مكتبة الإسكندرية، فأين ترى طموحك، وفي أي المسارات مما ذكر؟
التواصل والعطاء من الأشياء التي أحبها، وإذا كان الله قد هيأ لي فرصة التواصل والعطاء من خلال مسارات كتابة وأنشطة متعددة فأنا سعيد بذلك، وطموحي أن أقدم الجديد والجيد في كل هذه المجالات قدر الطاقة.
عن المشهد السردي العربي وأنت المتابع بجدية للخارطة الروائية والقصصية وحتى الشعرية من خلال تأسيسكم لأكثر من مختبر سردي عربي. حدثنا عن حصاد تلك الفعاليات؟
أولًا أنا لم أؤسس مختبرات سردية عربية غير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، ولكن شرفت بثقة مؤسسي عدد من مختبرات السرد العربي وكنت معهم في خطواتهم التأسيسية لمختبراتهم، وأنا أشكر لهم هذه الثقة من قلبي، وأثمن ما يبذلونه من جهد.
ثانيًا أعتقد أن الرواية لا تزال البطل المتصدر المشهد الكتابي العربي، برغم وجود إنتاج قصصي ونقدي وشعري كبير ومهم، ربما تكون الجوائز هي السبب، ربما تكون حركة القراءة، أو المتابعات النقدية، أو أي سبب آخر، لكن الرواية هي الأكثر كتابة ونشرًا وقراءة. وبالحديث عن مختبرات السرد العربي فقد قمنا بخطوة جادة ومهمة منذ يناير الماضي بتشبيك فعاليات أون لاين تشارك فيها مختبرات السرد العربية، تمهيدًا لأن تكون فعاليات واقعية، ثم إنشاء اتحاد مختبرات السرد العربي، وهو حلم كبير أتمنى أن يتحقق في أقرب فرصة.
كنت من قام بتخليق ما سمي القصة القصيرة جداً، فليتك تحدثنا عن رؤيتك النقدية والجمالية للمنتج القصصي بشكل عام وتحديدا القصة القصيرة جدا، وهل أنت مؤمن بتلك المصطلحات الفنية؟
القصة القصيرة جدا موجودة منذ منتصف القرن الماضي، بل يعود البعض بجذورها إلى الإبيجراما التي كتبها الإغريق. ربما يكون تسليط الضوء عليها وظياة الاهتمام بها لتصبح تيارًا موجودًا بقوة على مستوى القراءة والكتابة بدأ مع المؤتمر الذي نظمه مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية عام 2013م والتي شاركت فيه 11 دولة عربية، وصفحة المختبر على الفيس بوك للقصة القصيرة جدا، والبرنامج الإذاعي الذي أقوم بإعداه وتقدمه الأستاذة أماني عبد اللطيف في إذاعة البرنامج الثقافي، وتتويج كل ذلك بتخصيص الدولة جائزة الدولة التشجيعية للقصة القصيرة جدًا لأفوز بها في دورتها الأولى عن مجموعتي (روح الحكاية) ويفوز بدورتها الثانية المبدع محمد الحديني عن مجموعته (لا أحد هناك). أرى أن المصطلحات التي تحدد الجنس الأدبي أو النوع الأدبي مهمة لأنك عندما تكتب رواية تعرف مواصفاتها جيدًا فلن تكتب نوفيلا وتقول إنها رواية أو قصيدة وتقول إنها قصة قصيرة، وحتى عندما تريد التجريب وتقوم بفعل تداخل الأنواع في عملك الأدبين فهذا يحتاج منك أن تعرف ما هي مواصفات كل نوع لكي تكسرها أو تداخل بينها، فالمعرفة مهمة جدًا بهذا الخصوص، وقديمًا قالوا إن أول التجديد قتل القديم بحثًا.
عن رؤيتكم للمشهد النقدي مصرياً وعربيا هل ترون حراك ما على المستوى التطبيقي الأكاديمي أو الصحفي التنظيري؟
أنا متفائل بطبيعتي وواقعي أيضًا، ولا أريد أن أتهم النقد العربي والمصري، فالنقاد يتابعون قدر طاقتهم، ولو أحصيت كل ما ينشر عن الأعمال الإبداعية من نقد؛ بمستويات النقد المختلفة، ستجد أن المتابعة معقولة بشل كبير، أعلم أن بعض المبدعين يتهمون النقد بالتقصير لأنهم أصدروا عملًا لم يتناوله أحد أو تناوله عدد قليل من النقاد، وقد تكون هذه مشكلة لكثرة الأعمال المنشور وضيق وقت الناقد، او لأن المبدع يريد أن يصدر عمله اليوم ليتحدث عنه كل النقاد غدًا، وأن يتحدثوا عنه بتبجيل وإلا يرفض ما يقولونه، المسألة متبادلة بين النقد والإبداع، ولا أظن أن هذا الاتهام سيتوقف عن التوجيه للنقاد، ومن السهل جدًا لمن يريد أن يختار ناقدأ أو نقدًا ضعيفًا ليتهم كل النقد والنقاد، كما أن الأمر نفسه صحيح بالنسبة للإبداع، لذلك إذا ابتعدنا قدر الإمكان عن الشخصنة، فالمر ليس سيئًا، وعلينا أن نجعله أفضل بوسائل كثيرة قد يكون منها تخصيص ورش للنقد مثل ورش الكتابة الإبداعية.
حدثنا عن المشهد الثقافي والفني الجمالي السكندري في السنوات العشر الأخيرة وكيف تراه؟
ربما على المستوى المصري كله؛ لا توجد قاعدة بيانات نتعرف من خلالها على هذا النشاط بأشكاله المختلفة، حتى نحلله، ونرى مساراته، ونحدد اتجاهاته، ونقارنه عامًا بآخر.
لذلك سأقدم شهادتي حول المشهد السردي السكندري بالنظر إليه خلال عام 2019، من خلال فعاليات مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية الذي أشرف بإدارته، والذى أسسته منذ عام2009م، لأن لدي المعلومات الكاملة حول هذا النشاط، والتى يمكن من خلالها استقراء هذا الواقع السردي السكندري. تم تنظيم 91 فعالية في عام 2019م ما بين ندوات لمناقشة الأعمال الإبداعية والنقدية وأمسيات القراءات القصصية وورش العمل والمؤتمرات واللقاءات المفتوحة مع المبدعين الكبار والشباب، وقد شارك في هذه الفعاليات أكثر من 400 مبدعًا وناقدًا، وذلك من خلال الفعاليات الثلاث للمختبر وهي: مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية ومختبر السرديات بيت السناري ومختبر السرديات للفتية ببيت السناري، إضافة إلى المشاركة في معرض كتاب مكتبة الإسكندرية.
إن المبدعين والنقاد الذين شاركوا في فعاليات المختبر خلال عام2019م من داخل مصر من 11 محافظة هي: الإسكندرية والقاهرة والغربية وأسوان والإسماعيلية والمنصورة والبحيرة ودمياط والسويس والفيوم وبورسعيد. ومن خارج مصر من12 دولة هي: العراق والبحرين ولبنان والسعودية وسوريا واليمن وفرنسا والكويت والجزائر والإمارات وبولندا وأسبانيا.
تم خلال عام 2019م تنظيم مؤتمرين أولهما: مصر المبدعة للعام الخامس على التوالي بالتعاون مع لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، ونوقشت فيه أعمال مبدعين من الفيوم والسويس وبورسعيد، وثانيهما: مؤتمر سيدات السرد السكندري حيث نوقشت أعمال عشرين مبدعة سكندرية. كما تم تنظيم 25 ورشة عمل، و15 أمسية قراءات قصصية، و4 لقاءات مفتوحة مع مبدعين من أجيال مختلفة، و46 ندوة لمناقشة أعمال إبداعية ونقدية ومحاضرات في موضوعات تخص السرد.
ماذا كان نصيب الإبداع والنقد السكندري في كل هذا النشاط؟
لقد تمت مناقشة أعمال 33 مبدعة ومبدع سكندري من إجمالي 65، بواقع 51%. وشارك في المناقشات 56 ناقدة وناقدًا سكندريًا من إجمالي 111، بواقع 50%. وإذا طبقنا النسب العامة لنشاط المختبر لعام 2019م على المشاركات والمشاركين من أبناء الإسكندرية، يمكننا القول إن الرواية حظيت بنصيب 51% من الأعمال التى تمت مناقشتها، يليها المجموعات القصصية 30%، ثم الكتاب النقدي 6%، والقصص القصيرة جدا 4%، والمسرح 1%.
وهو ما يشير إلى الاهتمام على مستويي الإبداع والنشر وبالتالي المتابعة بالرواية يليها المجموعات القصصية، وهو الاتجاه السائد في مصر والبلاد العربية حاليا، حيث تستحوذ الرواية على نصيب الأسد من الكتابة والنشر والجوائز والمتابعات وغيرها.
وكانت الأعمال التى نوقشت لمبدعات تمثل 52% بينما أعمال المبدعين 48% من إجمالي الأعمال التى تمت مناقشتها، وهو ما يشير إلى زيادة إقبال المبدعات على الكتابة والنشر، وهو أمر ملاحظ في الإسكندرية ومصر عموما منذ سنوات ويحتاج إلى دراسة مستقلة للتعرف على أسبابه، وربما يكون لاهتمام المختبر بهذه الظاهرة وتخصيصه مؤتمراً لمناقشة أعمال الكاتبات أثر في هذه النسبة.
وإذا ما تحدثنا عن النقد فإن النسبة تتغير، حيث نجد أن نسبة النقاد الذين شاركوا في مناقشة الأعمال الإبداعية بالمختبر خلال عام2019 تصل إلى 59%، بينما نسبة الناقدات 41%، وهو أمر طبيعي حيث إن إعداد ناقد(ة) للتسلح بالمنهج العلمي في النقد وتلقي العمل الأدبي بشكل ملائم يحتاج جهدا كبيرا، وقد حرص المختبر على أن يفرز نقاده من بين أعضائه وخصوصًا الشباب.
وإذا نظرنا إلى الفئة العمرية، نجد أن نسبة من نوقشت أعمالهم من جيل الكبار 42%، ومن جيل الوسط 18%، ومن جيل الشباب 40%. أما النقاد الذين شاركوا في هذه المناقشات حسب فئتهم العمرية يمثلون النسب الآتية: جيل الكبار 47%، وجيل الوسط 29%، وجيل الشباب 24%. وهي النسب التى تؤكد صعوبة تكوين ناقد(ة) والوقت الطويل الذي يحتاجه لذلك.
عن تلك الطفرة في الجوائز وتعدد مانحيها عربيا ودولي ومصرياً، وماهو تفسيركم لتلك الضجة المرتبطة بالمنح والمنع ؟
الجوائز مهمة لأنها تحقق حراكًا أكيدًا، وبرغم أنها لا تصنع كاتبًا ولا كتابة إلا أنه تساعد على خلق بيئة ثقافية ومقرؤية كبيرة للأعمال المتنافسة والفائزة، وإن كنت أتمنى أن تكون هناك جوائز أكثر للقصة القصيرة والقصيرة جدًا والنقد حتى لا تنفرد الرواية بمعظم الجوائز الكبرى. أما الضجة التي تشير إليها فأعتقد أن الكثير منها مصنوع سواء ممن يتقدمون لجائزة ولا يعتبرون الأمر منافسة لابد أن يكون فيها فائز وخاسر ويريدون أن يفوزا فقط، ام من الآلة الإعلامية التي تحب إثارة ضجيج وإن لم يكن هناك طحين حقيقي، وإن كنت أهيب بلجان التحكيم في جميع الجوائز أن تسد أية ثغرة يمكن أن تنفذ منها شبهة ما تكون سببًا لمثل هذا الضجيج.
أخيرا.. كيف ترى مستقبل وأشكال الكتابة والسرد عالميا وعربيا في ظل أزمة جائحة كورونا؟
كورونا ليست الجائحة الأولى التي يمر بها العالم، وأعتقد أنها كغيرها من الأوبئة التي عرفتها البشرية؛ مثل الكوليرا، ستقدم موضوعًا للرواية والقصص، بل بدأت تقدمه بالفعل في أعمال منشورة عربيًا، ولكني أظن أنها لن تقدم شكلًا كتابيًا جديدًا.