بيت الشعر بالأقصر و الجامعة يحتفلان بالمئوية السابعة للأديب الإيطالي أليجيرى
نظم بيت الشعر بالتعاون والتنسيق مع جامعة الأقصر، وكلية الألسن ندوة ثقافية بعنوان "المؤثرات العربية في شعر دانتي" بمناسبة المئوية السابعة للأديب الإيطالي دانتي أليجيري بحضور الدكتور/ محمد محجوب عزوز رئيس جامعة الأقصر، والأستاذ الدكتور ربيع سلامة عميد كلية الألسن بالأقصر، والأستاذ الدكتور / ماجد مصطفى الصعيدي أستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس، وبمشاركة عدد من طلاب أقسام اللغة الإيطالية واللغات الأجنبية بكلية الألسن وذلك اليوم الخميس الموافق الأول من شهر يوليو ٢٠٢١م.
وقام بتقديم الندوة الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر بالأقصر مرحبًا بالضيوف من الجامعة والطلاب والحاضرين من شعراء ومثقفي الأقصر، متحدثًا عن أثر الثقافات الإنسانية التي تتلاقح وتنتج آفاقًا رحبة من الإبداع، فقد لفتت الكوميديا الإلهية لدانتي الأنظار مرة أخرى لرسالة الغفران التي كتبها أبو العلاء المعري، فكان البحث حول أثر الثقافة العربية في الكتابات العالمية.
ويأتي اهتمام بيت الشعر بالأقصر بالشاعر دانتي إليجيري بوصفه واحدًا من رموز الإبداع في العالم وهو أيضًا رائد عصر النهضة في أوربا، وأحد قادة الفكر في العصور الوسطى، وللوقوف على التبادلات الأدبية أو الثقافية التي حدثت بين العربية والثقافات الأخرى، فكما يعلم الجميع أن رسالة الغفران نزعت السبق من دانتي لصالح أبي العلاء وتظهر تجليات الثقافة العربية في نص الكوميديا الإلهية في طريقة سبكها وفي لغتها الإنشائية في بعض المواضع، وبحسب الكثير من النقاد فإن دانتي تأثر برسالة الغفران لأبي العلاء رهين المحبسين.
بدأت الندوة بقراءات شعرية من شعر دانتي باللغتين الإيطالية والعربية قدمها طلاب كلية الألسن بجامعة الأقصر، ثم تحدث الأستاذ الدكتور محجوب عزوز رئيس جامعة الأقصر مشيدًا بالدور الرائد الذي يقوم به بيت الشعر بالتعاون مع الجامعة والتنوع الشديد في الأنشطة التي يقدمها البيت منفتحًا على كل الفنوان وألوان الإبداع.
ثم تحدث الأستاذ الدكتور ربيع سلامة عميد كلية الألسن عن مكانة دانتي في الأدب الإيطالي باختياره الإيطالية العامية لكتابة قصيدته عوضًا عن اللاتينية، أثر دانتي أليغري في مسار التطور الأدبي تأثيرًا حاسمًا. استخدم لهجة توسكاني أساسًا، التي أصبحت اللهجة الأدبية الأساسية في اللغة الإيطالية.
أما الأستاذ الدكتور ماجد الصعيدي فيقول: نحن الآن في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وقد أصبح من الحقائق الأدبية الراسخة: اطلاع الشاعر الإيطالي الأكبر دانتي أليجييري (1265 – 1321) على الثقافة العربية، وتأثره الواضح بالمنجز الأدبي والفلسفي لهذه الثقافة في العصور الوسطى مع غيرها من ثقافات العالم القديم.
فمع بدايات القرن العشرين بدأ الباحثون الأوربيون يتداولون هذا النوع من الحقائق في إطار بحثهم في تاريخ الأفكار عبر الحضارات المتعاقبة، وبحثاً عن توصيف موضوعي لهوية الحضارة الأوربية: فالشاعر الفرنسي الكبير بول فاليرى (1871- 1945م) يردُّ العقل الأوروبي الحديث «إلى عناصر ثلاثة: حضارة اليونان وما فيها من أدب وفلسفة وفن، وحضارة الرومان وما فيها من سياسة وقانون، والمسيحية وما فيها من دعوة إلى الخير وحثّ على الإحسان».
ويضيف الدكتور طه حسين إلى مقولة فاليري بعداً آخر عندما يقول: «ظهرت في هذا الشرق القريب فنون وعلوم وآداب، تأثر بها اليونان والرومان، فأنتجوا حضارة أوروبا وأعانهم على ذلك المسلمون، أي أهل هذا الشرق القريب. وظهرت في هذا الشرق القريب ديانات سماوية أخذ الأوروبيون منها كالشرقيين أيضًا».
ويعود الفضل في ترسيخ هذه الحقيقة الأدبية المتعلقة بدانتي بما له من مكانة أدبية كبرى في الآداب الأوربية الحديثة، إلى جهود باحثين أوربيين أنجزوا أطروحاتهم حول هذه المسألة البالغة الخطورة في تاريخ الآداب العالمية وهي أثر الثقافة العربية في «الكوميديا الإلهية». وكان أهمهم المستشرق الإسباني ميجيل آسين وذلك في إطار بحثه في الدور الذي لعبته إسبانيا العربية والنصرانية وسيطاً بين الشرق الإسلامي وأوربا. ويصف الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه «دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي» هذا الحدث العلمي الذي أحدث دويا هائلا في الأوساط العلمية والأدبية في أوربا بالقول:
«كانت قنبلة هائلة تلك التي ألقاها المستشرق الإسباني العظيم آسين بلاثيوس وهو يلقي خطاب استقباله في الأكاديمية الملكية الإسبانية في جلسة 26 يناير سنة 1919 لمّا أعلن أن دانته في "الكوميديا الإلهية" قد تأثر بالإسلام تأثرًا عميقاً واسع المدى يتغلغل حتى في تفاصيل تصويره للجحيم والجنة. إذ تبين له أن ثمت مشابهات وثيقة بين ما ورد في بعض الكتب الإسلامية عن معراج النبي (صلى الله عليه وسلم) وما في "رسالة الغفران" للمعري وبعض كتب محيي الدين بن عربي من ناحية وبين ما ورد في "الكوميديا الإلهية"؛ وفي هذه المشابهات من الدقة والتفصيل ما يجعل من المؤكد أن التشابه هنا لم يكن أمراً عرَضياً وتوارد خواطر، بل كان من تأثر مباشر بالتصويرات الإسلامية للآخرة.»