30 يونيو فى تاريخنا
هناك أيام مجيدة فى تاريخنا منها بلا شك ٣٠ يونيو ٢٠١٣، عندما خرج الشعب رافضًا الحكم باسم الدين، والغريب أن القنوات الفضائية التابعة للإسلام السياسى كانت تسخر من هذا اليوم المجيد وتُطلِق عليه «٣٠ سونيا» بدلًا من ٣٠ يونيو! وذلك لأنهم لا يقرأون التاريخ، ولا يفهمون حركته.
عندما أعود بذاكرتى إلى هذا اليوم أتذكر كيف أصبحت مصر لأول مرة فى تاريخها على شفا الحرب الأهلية، بالقطع لم تعرف مصر عبر عصورها المختلفة مأساة الحرب الأهلية، هذه المأساة التى عرفتها- بل وما زالت تعيش بعض فصولها- عدة دول مجاورة، وهناك عدة عوامل جنبت مصر شر التمزق والحروب الأهلية منذ عصر الفراعنة وحتى الآن، لعل من أهم هذه العوامل رسوخ فكرة الدولة المركزية، هذه الفكرة التى قامت أساسًا بفضل نهر النيل وضرورة تنظيم شئون الرى والزراعة.
يضاف إلى ذلك بكل تأكيد وحدة العرق واللغة فى معظم أرجاء مصر تقريبًا، وهناك أمر آخر لا يقل أهمية عن العوامل السابقة، وربما يرتبط بمفهوم الدولة المركزية، وهو انضباط وتماسك الجهات السيادية الأمنية، ونقصد بها الجيش والشرطة، فلم يُعرَف عن الجيش والشرطة الانقسام والتحزُب لأسباب دينية أو عرقية، لأن نشأة الجيش والشرطة كانت تأسيسًا لمؤسسات وطنية مهنية محترفة، وربما يتضح هذا إذا عقدنا مقارنة بين الانقلابات العسكرية فى البلدان المجاورة، وحالة الاستقرار المصرية، أو حتى انقسام الجيش والشرطة فى خضم الحروب الأهلية الدائرة فى بعض البلدان المجاورة.
كان الخطأ الأكبر الذى وقع فيه الإخوان هو عدم قبولهم المطالبات الشعبية بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، أما الخطيئة الكبرى فتمثلت فى محاولتهم تصوير الأمر على أنه مجرد انقسام فى الرأى العام، وأن الأمر لا يعدو كونه شارعًا فى مواجهة شارع، وفريقًا سياسيًا مُعارضًا فى مواجهة الشرعية، وعندما أصبح ميدان التحرير هو كعبة غالبية الشعب، حاول الإخوان تصوير أن هناك حشدًا شعبيًا آخر فى ميدان النهضة؛ حيث اختاروا أن تكون خلفية الصورة هى القبة الشهيرة لجامعة القاهرة. وفى الطرف الآخر من المدينة كان هناك الحشد الشعبى الكبير أمام قصر الاتحادية للمطالبة بانتخابات مبكرة، واختار الإخوان أن يكون حشدهم ليس بعيدًا متمثلًا فى ميدان رابعة العدوية. ولأن الإخوان لا يقرأون تاريخ مصر جيدًا، لم يدركوا أنهم بفعلهم ذلك قد وضعوا مصر كلها على شفا حرب شوارع، واندلاع حرب أهلية!
من هنا كان الخروج الكبير للجماهير فى ٣٠ يونيو لإظهار حقيقة الأمر للعالم على أنه ثورة شعبية، وليس شارعًا فى مواجهة شارع، وكالمعتاد تاريخيًا حسم الجيش المصرى موقفه أنه دائمًا وأبدًا مع الشعب، لأنه جيش الشعب.
ومن العِبَر المهمة والدروس المُستَخلَصة من ٣٠ يونيو، أن الإسلام السياسى إلى زوال؛ إذ خرج غالبية الشعب المصرى بعد عام واحد من حكم الإخوان رافضًا خلط الدين بالسياسة وغياب الرؤية، وسقطت ورقة التوت عن الإسلام السياسى كله، وأقصد بها المظلومية التى عاش عليها هذا التيار عقودًا طويلة.
وهزَّت ٣٠ يونيو الأرض تحت أقدام الإسلام السياسى ليس فى مصر فقط بل فى العالم العربى كله، وبدأت مراكز البحوث الغربية فى طرح السؤال: ما مستقبل الإسلام السياسى بعد ٣٠ يونيو؟