ما وراء الغلاف.. فتنة «المَسحة».. فن افتعال المعارك
قُبيل أيام من انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب، نشر الكاتب والروائى أشرف الخمايسى غلاف كتابه الجديد «المَسحة»، الذى جاء على شكل صورة جدار دورة مياه مثبت به لفافة مناديل ورقية فارغة سوى من منديل واحد يحمل صورة الكاتب والطبيب العلمانى خالد منتصر.
أثار الغلاف زوبعة من الانتقادات على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، ما دفع الدار الناشرة للكتاب إلى إعلان التراجع عن إصداره قبل أن يعلن الخمايسى وجوده فى المعرض.
حالة من الهرج والإثارة انتشى بها الخمايسى كثيرًا الذى اعتبر أن الغلاف جاء بهذه الصورة لأغراض دعائية وترويجية، فإن كان قد اختار عنوان الكتاب ليُحيل إلى «مسحة كورونا»، بما قد تعنيه من كشف عن فحص للعلة، فقد منح الغُلاف للعنوان أبعادًا أخرى تُفيد الترويج له.
تُحيلنا الأوضاع المُتدنية رغمًا عنا إلى أزمنة مضت، نوستالجيا لثقافة حقيقية وعمالقة من الكُتّاب شكّلوا وجهًا حضاريًا لمصر بما قدّموه من تراث ثقافى ومعارك ثقافية نزيهة كانت تستهدف القضايا والأفكار، ولا تنزلق إلى مشاحنات شخصيّة صبيانية، ومن هنا كان الهم الثقافى العام غالبًا ومؤثرًا وموجِهًا لأفعال المثقفين.
ورغم ما تفترضه المقاربة بين النصف الأول من القرن العشرين، والعقد الثالث من القرن الحادى والعشرين من أن يكون الأخير أكثر تقدمًا وتحضرًا، فالعكس تمامًا هو الصحيح، ففى زمان مضى كانت الكتب والمجلات ساحات رحبة لمناقشات وسجالات فكرية بين أقطاب ثقافية مثل العقاد وطه حسين والرافعى وغيرهم بما قاد إلى إثراء الفكر والثقافة وتطويرهما، فيما نشاهد حاليًا وبعد مرور قرن كامل ضحالات ثقافية تكشف عن تهافت أصحابها.
الخمايسى فى كتابه، حسبما أوضح، يُحاجج فى كتابه أطروحات خالد منتصر التى يرفضها، فيوافق على أن يتصدر مناظرته غلاف مُهين لمن يُناظِره، ويُدافع عن ذلك بقوله إن «خالد منتصر لم يكن لديه أى مانع فى أن تقوم المجلة الفرنسية بنشر صور مسيئة للنبى «محمد» معتبرًا إياها حرية فكر، وسخر من المسلمين الذين عارضوا الرسوم»، وكان هذا سببًا منطقيًا كافيًا برأيه ليسلك النهج ذاته.
يبنى الخمايسى حُجته على مُغالطة منطقية فجّة مفادها أن «ما أنتهجه صحيح ومقبول لأنك تفعله». ومن ثم تتوارى المناقشات الفكرية والحجج العقلانية خلف ستار سميك من التراشق والسباب بين أنصار هذا وذاك، لتُعلن عن مستوى ثقافى مُنحدِر انزلق الجميع إليه، وإلى ثقافة قطيع تؤسس لفريقين؛ أحدهما يتذرع بالعلمانية ليُكوِّن فريقًا من نُساكه ولتصدير فكر يحتقر كل من يُخالفه ويُناصبه العداء، وآخر يتحدث عن المناظرة الفكرية والنقد البنّاء فيما هو ينتهج نهج من ينتقده ويسير واثق الخطى فى أفعاله بتشجيع جماعته. هذا الغلاف ربما يتجاوز الخمايسى ومُنتصِر ليُقدّم صورة دالة لما آلت إليه الساحة الثقافية؛ انعدام ثقافة احترام المُختلِف، والهجوم على الأشخاص بدلًا من الانشغال بالنقد البنّاء للأفكار، والسعى للإثارة على حساب الاهتمام بالمضمون، والهوس بالأضواء أيًا كانت الوسيلة، وانتفاء المنطق وراء جل السلوكيات والكتابات الثقافية ليحل محله الكراهية والخصومات الشخصيّة.